Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 15, Ayat: 57-77)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } إلى قوله : { مُصْبِحِينَ } . معناه : قال إبراهيم للملائكة : فما شأنكم وما أمركم أيها المرسلون ؟ قالوا له { إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } . أي : مكتسبين المعاصي والكفر بالله . ثم استثنى منهم آل لوط فقال : { إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ } أي : من العذاب . ثم استثنى من آل لوط امرأته فقال : { إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ } فصارت المرأة مع المعذبين . ومعنى : { قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَابِرِينَ } أي : قدرنا علمنا فيها أن تكون مع الباقين في العذاب . وقيل : معناه : كتبنا ذلك وأخبرنا به . وقيل : معناه : قضينا ذلك . و " آل لوط " هنا أتباعه على دينه . و " الغابرين " الباقين في العذاب . ثم قال تعالى { فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ } . أي : فلما أتى رسل الله إلى لوط ، أنكرهم لوط ولم يعرفهم . وقال لهم { إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } أي : لا نعرفكم . قالت له الرسل : بل نحن رسل الله جئناك بما قومك فيه يشكون أنه نازل بهم من عذاب الله على كفرهم { وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ } أي : جئناك [ بـ ] - الحق من عند الله وهو العذاب { وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } فيما أخبرناك به من الله بهلاك قومك . ثم قالوا له : { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلَّيلِ } أي : في بقية من الليل واتبع يا لوط أدبار أهلك الذين تسرى بهم ، أي : كن من ورائهم { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَٱمْضُواْ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ } أي : حيث يأمركم الله . قال الزجاج : أمر بترك الالتفات لئلا يرى عظيم ما نزل قومه . وقيل : نهي عن الالتفات إلى ما في المنازل من الرجال لئلا يقع الشغل به عن المضي . ثم قال تعالى : { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ } . أي : أوحينا إلى لوط ذلك الأمر . ثم فسر ما هو الذي أوحى إليه فقال : " إن دابر هؤلاء مقطوع " فهذا الذي أعلمه الله وأوحى به إليه . ومعنى : " دابر هؤلاء مقطوع " آخرهم يستأصل صباحاً . قوله : { وَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ } إلى قوله : { [ لآيَةً ] لِلْمُؤْمِنِينَ } . المعنى : وجاء أهل المدينة ، [ مدينة ] سدوم ، وهم قوم لوط ، يستبشرون لما سمعوا أن ضيفاً قد نزل عند لوط طمعاً في ركوبهم الفاحشة ، قاله قتادة . والضيف يقع للواحد والجمع والاثنين بلفظ واحد لأنه مصدر في الأصل . قال لهم لوط { إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ } فيهم { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } فيهم { وَلاَ تُخْزُونِ } أي : ولا تذلون ولا تهينون فيهم بالتعرض إليهم بالمكروه . قالوا له { أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } أي : [ عن ] ضيافة أحد من العالمين . وقيل المعنى : ألم ننهك أن تجير أحداً علينا وتمنعنا منهم . قال لهم لوط صلى الله عليه وسلم { هَؤُلآءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } . قال قتادة : أمرهم لوط أن يتزوجوا النساء . ومعنى { إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } ، [ أي : فاعلين ] ما أمركم / الله به . وقيل : [ المعنى ] : إن كنتم مريدين بهذا الشأن فعليكم التزويج ببناتي . وكل نبي أزواجه أمهات أمته ، وأولاد أمته أولاده . فعلى ذلك قال لوط { هَؤُلآءِ بَنَاتِي } وعلى ذلك قرءوا " أزواجه أمهاتهم وهو أب لهم " . ثم قال تعالى : { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } . فرفع لعمر على الابتداء والخبر محذوف ، كأنه قال لعمرك قسمي ، أو ما أقسم به . وحسن الحذف لأن باب القسم باب حذف . والمعنى : أي وحياتك يا محمد أن كفار قومك من قريش { لَفِي سَكْرَتِهِمْ } أي : ضلالتهم { يَعْمَهُونَ } أي : يترددون . وقال ابن عباس : ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفساً أكرم عليه من محمد [ صلى الله عليه وسلم ] ، وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره . وعمرك أصله ضم العين لأنه من العمر والتعمير ومنه قول الرجل لعمري إنما أقسم بمدة حياته . ولكن كثر استعمالهم له في القسم ففتحوا العين ، ولا يفتح إلا في القسم خاصة . فإنما أقسم الله جلّ ذكره [ بعمر ] النبي صلى الله عليه وسلم كأنه قال : وبقائك في الدنيا يا محمد . قال أبو الجوزاء : ما أقسم الله بحياة أحد غير محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه أكرم البشر عنده . وقيل : معناه وعيشك يا محمد أن قريشاً لفي سكرتهم [ يتمادون ] . وقال مجاهد : " يعمهون " يترددون . ثم قال تعالى ذكره : { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ } . أي : أخذتهم الصاعقة عند شروق الشمس . يقال : أشرق القوم إذا صادفوا شروق الشمس ، وأصبحوا إذا صادفوا الصبح . وشرقت الشمس إذا طلعت ، وأشرقت إذا ضاءت وصفت . وقيل : شرقت وأشرقت بمعنى . والأول أحسن وأكثر . ومعنى " مشرقين " مصادفين شروق الشمس وهو طلوعها . ثم قال : [ تعالى ذكره ] : { فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا } أي : جعلنا عالي أرضهم سافلها { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ } أي : من طين . وقد تقدم ذكر سجيل في هود بابين من هذا . ويروى أن سجيلاً [ اسم ] لسماء الدنيا . قوله { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } . أي : في هذا العذاب لعلامات ودلائل على قدرة الله وتوحيده ووجوب طاعته واتباع رسله وكتبه للمتفرسين المعتبرين . قال مجاهد : " للمتوسمين " المتفرسين . وقال قتادة للمعتبرين . وقال ابن عباس : للناظرين ، وهو قول الضحاك . وقال ابن زيد : للمتفكرين والمعتبرين الذين يتوسمون الأشياء ويتفكرون فيها ويعتبرون . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله . ثم قرأ { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ } " . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن [ لله ] عباداً يعرفون الناس بالتوسم " . وحقيقة التوسم : النظر بالتثبت حتى يعرف الحقيقة . فهذا كله متقارب في المعنى . وهذه الآية تنبيه لقريش لأن يتعظوا ويزدجروا بما نزل بقوم / لوط وغيرهم . ثم قال تعالى : { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } . أي : وإن سدوم المنقلبة بقوم لوط لبطريق واضح يراها المجتاز بها ، لا يخفى مكانها . وقيل : المعنى وإن الآيات { لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ } . { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ } أي إن في صنيعنا بقوم لوط لعلامة و [ دلالة ] لمن آمن بالله على انتقامه من أهل الكفر . وقيل : الهاء تعود على الحجارة . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أن الحجارة لموقفة في السماء منذ ألفي عام لظالمي أمتي إذا عملوا بأعمال قوم لوط " . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " سيكون خسف وقذف من السماء وذلك إذا عملوا بأعمال قوم لوط " ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم الآية [ إلى { مُّقِيمٍ } ] " .