Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 126-128)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ } إلى آخر السورة . المعنى : وإن ظفرتم أيها المؤمنون بالمشركين فافعلوا بهم مثل ما فعلوا بكم { وَلَئِن صَبَرْتُمْ } عن عقوبتهم وأحسنتم [ واحتسبتم ] عند الله [ عز وجل ] ما نالكم منهم للصبر خير للصابرين . وهذه الآيات الثلاث : نزلن بالمدينة دون سائر السورة . نزلت حين أقسم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ليمثلن بالمشركين إن ظفروا بهم كما فعل المشركون بحمزة وغير [ ه ] يوم أحد من التمثيل [ بهم . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم " لما بلغه ما فعلوا بحمزة من التمثيل ] . قال : " لئن ظهرنا عليهم لنمثلن بثلاثين رجلاً منهم " فلما سمع ذلك المسلمون قالوا : والله لئن أظهرنا الله عليهم لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب فأمرهم الله [ عز وجل ] أن يفعلوا بهم مثل ما فعلوا ، ولا يتجاوزوا إلى أكثر ، ثم أعلمهم أن الصبر وترك الانتقام بالمثلة خير وأحسن . وقيل : إنها منسوخة بقوله : { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } وقيل : هي منسوخة بالقتال والأمر به ، وإنما كان هذا خبر أمر الله [ عز وجل ] نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] ألا يقاتل إلا من قاتله لقوله : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } [ البقرة : 190 ] أي : تقاتلوا من لم يقاتلكم . فقال المسلمون إن قاتلونا وأظهرنا الله عز وجل عليهم لنمثلن بهم فنسخ ذلك في براءة بقوله { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] وهذا القول : مروي عن ابن عباس . ومن قال : إن هذه الآية محكمة ، قال : عني بقوله { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } نبي الله [ عز وجل ] وحده ثم نسخ ذلك بالأمر بالقتال في براءة وهو قول ابن زيد . وعن ابن سيرين والنخعي وسفيان : إن الآية عامة معناها من ظلم بظلامة فلا يحل [ له ] أن يأخذ من ظالمه أكثر مما ناله منه ولا يتجاوز إلى أكثر من حقه . وروى أبو هريرة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة بن عبد المطلب حيث استشهد فنظر إلى شيء لم ينظر قط إلى شيء كان أوجع منه لقلبه ونظر إليه ، قد مثل به ، فقال : رحمة الله عليك ، فإنك كنت ما علمتك ، فعولاً للخيرات ، وصولاً للرحم ، ولولا حزن من بعدك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواه شتى . أما والله ، مع ذلك ، لأمثلن بسبعين منهم . فنزل جبريل [ والنبي صلى الله / عليهما ] واقف بخواتم النحل " . { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ [ فَعَاقِبُواْ ] } الآية . فصبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وكفر عن يمينه ، ولم يمثل بأحد . ثم قال تعالى : { وَٱصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } . أي : اصبر يا محمد على أذى من أذاك ، وما صبرك إذا صبرت إلا بمعونة الله [ لك ] وتوفيقه إياك لذلك . { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ } أي : على هؤلاء المشركين الذين يكذبون ويمثلون بالمسلمين . { وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } أي : لا يضيق صدرك من قولهم فيما جئتهم به أنه سحر ، وأنه شعر ، والمكر الخديعة . { إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } [ أي : الذين اتقوا ] محارمه { وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ } أي : الذين احسنوا فيما فرض الله عليهم .