Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 14-18)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً } . إلى قوله : { لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } . المعنى : وهو الذي سخر لكم البحر المالح والعذب ، مع ما تقدم من النعم المذكورة ، سخره لكم لتأكلوا من صيده لحماً طرياً ولتستخرجوا منه حلية تلبسونها : اللؤلؤ والمرجان من المالح خاصة . ثم قال : { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ } . قال الحسن : يعني : مواخر مشحونة . وقال عكرمة : ما أخذ عن يمين السفينة ويسارها من الماء فهو المواخر . قال مجاهد : تمخر السفن الرياح . وعن الحسن ، أيضاً : { مَوَاخِرَ } جواري . وقيل معنى { مَوَاخِرَ } معترضة تجري . وعن قتادة : مواخر تجر [ ي ] بريح واحدة مقبلة ومدبرة . والمخر في اللغة : الشق . يقال : مخرت السفينة الماء ، أي شقته ولها صوت أي عند هبوب الريح . ومخر الأرض أيضاً هو شق الماء إياها . وقيل : مواخر مُلَجِّجَة في داخل البحر . ثم قال تعالى : { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } . أي : لتتصرفوا فيه لطلب معايشكم في التجارة . قال مجاهد : هي تجارة البر والبحر . { [ وَ ] لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : تشكرون ربكم [ عز وجل ] على هذه النعم التي أنعم عليكم بها . ثم قال تعالى : { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } . أي : ومن نعمه / أيضاً أن ألقى في الأرض رواسي ، لئلا تميد بكم الأرض ، وقد كانت تميد قبل كون الجبال على ظهرها . والراسي : الثابت . والرواسي : جمع راسية . يقال : رست ، ترسو ، إذا ثبتت . والمرسى اسم المكان . [ و ] قال قيس بن عباد : إن الله جلّ ذكره لما خلق الأرض جعلت تمور ، فقالت الملائكة : ما هذه بمقرة على ظهرها أحداً فأصبحت ضحى وفيها رواسيها . وقال علي بن أبي طالب [ عليه السلام ] : لما خلق الله الأرض قَمَصت ، وقالت : أي رب ، أتجعل عليّ بني آدم يعملون عليَّ الخطايا ويجعلون [ عليَّ ] الخبث . فأرسى الله [ عز وجل ] فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون . ثم قال تعالى : { وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً } . أي : وجعل لكم أنهاراً وسبلاً . ولا يحسن حمله على " ألقى " لأنه لا يقال : ألقى الله الأنهار والسبل ولكن حمل على المعنى . لأن معنى { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ } جعل فيها رواسي ، فعطف { وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً } على هذا المعنى . والسبل : الطرق . ليسلكوا فيها في حوائجهم وأسفارهم . ولو عماها عليكم لهلكتم حيرة وضلالة . [ و ] { لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } أي : تهتدون إلى المواضع التي تريدون الوصول إليها فلا تضلون ولا تتحيرون . ثم قال تعالى : { وَعَلامَاتٍ وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } . قال ابن عباس : العلامات معالم الطرق بالنهار { وَبِٱلنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } يعني : بالليل . وقال مجاهد : هي النجوم منها ما يكون علامات ومنها ما يهتدون به . وقال قتادة : خلق الله [ عز وجل ] هذه النجوم لثلاث خصال : جعلها زينة للسماء ، وجعلها تهتدون بها ، وجعلها رجوماً للشياطين ، فمن تعاطى فيها غير ذلك ، سفه رأيه ، وأخطأ حظه ، وأضاع نصيبه ، وتكلف ما لا علم له به . [ و ] قال الكلبي : [ { وَعَلامَاتٍ } ] يعني : الجبال . والنجوم عند الفراء : الجدي والفرقدان . وغيره من العلماء يقول : النجم هنا بمعنى النجوم . ثم قال [ تعالى ] ذكره : { أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } . أي : الله الخالق لهذِهِ الأشياء كلها الذي قد عددها وقدم ذكرها ، الرازق لكم ولها ، كالأوثان التي لا تخلق ولا ترزق . ومعنى الآية التقريع والتوبيخ للمشركين الذين عبدوا ما لا ينفع ولا يضر وهي الأوثان والأصنام . { أَفَلا تَذَكَّرُونَ } . أي : تذكرون ما يتلى عليكم من النعم والقدرة والسلطان و [ أن ] الله هو المنفرد بذلك ، لا يقدر عليه غيره فيدعوكم ذلك إلى عبادة الله [ عز وجل ] ، وترك عبادة الأوثان ، وتعرفوا خطأ ما أنتم عليه من عبادتكم إياها ، وإقراركم لها بالألوهية ، كل هذا تنبيه وتوبيخ لهم لتقوم عليهم الحجة . وقوله : { كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } . يريد به الوثن ، وهو لا يعقل فوقعت له " من " . وإنما ذلك لأن العرب إذا أخبرت عمن لا يعقل بفعل من يعقل أجرت لفظه كلفظ من يعقل . فلما أنزلوا الأوثان في العبادة لها منزلة من يعقل ، أخبر عنها كما يخبر عمن يعقل . ومنها قوله { وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي } [ النور : 45 ] / فأتى بمن ، لما أخبر عنها بالمشي كما أخبر عمن يعقل ، وكذا تفعل العرب : إذا خلطت من يعقل بمن لا يعقل غلبت من يعقل . وحكي عن العرب : " اشتبه عليَّ الراكب وحمله ، فما أدري مَنْ ذا مِنْ ذا " . ثم قال تعالى { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ } . أي : إن تعدوا نعم الله لا تطيقوا إذاً شكرها . إن الله لغفور لما كان منكم من تقصير في أداء الشكر على نعمه عندكم ، رحيم بكم أن يعذبكم بعد الإنابة إليه والتوبة . والنعمة هنا بمعنى الجمع دَلَّ عليه قوله : { تَعُدُّواْ } والعدد لا يكون إلا في كثرة .