Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 1-4)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله [ تعالى ] { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ } إلى قوله { خَصِيمٌ مُّبِينٌ } . ومعنى أتى أمر الله : يأتي . ولا يحسن عند سيبويه في أخبار الناس وما يجري بينهم : فَعَل بمعنى يَفعل إلا في الشرط . وقيل : إنما أتى بالماضي لأنه أمر سيكون لا بد منه ، فأتى فيه بالماضي الذي قد كان في موضع ما سيكون . وقيل : إنما جاء كذلك لأنهم استبعدوا ما وعدهم الله من عذاب ، فأتى بالماضي في موضع المستقبل لقربه من الإتيان ، ولصدق المخبر به . وقد قال الضحاك : { أَمْرُ ٱللَّهِ } : فرائضه وحدوده وأحكامه . وقيل : هو وعيد من الله لأهل الشرك على ما تقدم . قال ابن جريج : لما نزلت { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } الآية ، قال رجال من المنافقين بعضهم لبعض : إن هذا يزعم أن أمر الله قد أتى فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى ننظر ما هو كائن . فلما رأوا أنه لا ينزل شيئاً ، قالوا : ما نراه ينزل شيئاً ، فنزلت [ الآية ] : { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ } [ الأنبياء : 1 ] الآية . فقالوا : إن هذا يزعم مثلها أيضاً . فلما رأوا ألاّ ينزل شيئاً ، قالوا : ما نراه ينزل شيئاً فنزلت { [ وَ ] لَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ [ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ ] } [ هود : 8 ] الآية . وروي عن الضحاك { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } يعني القرآن : أي أتى بفرائضه وحدوده وأحكامه ، وهو القول الأول عنه . وقيل : أمر الله نصر النبي عليه السلام . وقيل هو يوم القيامة . وقال الزجاج : { أَمْرُ ٱللَّهِ } ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم بمنزلة قوله : { حَتَّىٰ [ إِذَا ] جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } [ هود : 40 ] وقوله : { أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً } [ يونس : 24 ] . ومعناه : أنهم استبطأوا العذاب فأخبرهم الله بقربه . ويدل على أنه وعيد وتهدد للمشركين قوله بعد : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . وأمر الله قديم غير محدث وغير مخلوق ، بدلالة قوله : { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } [ الأعراف : 54 ] فالأمر غير الخلق . وبدلالة قوله : { لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } [ الروم : 4 ] أي : من قبل كل شيء ومن بعد كل شيء ، فهو / غير محدث . وأمره صفة له هو كلامه غير مخلوق . وقيل معنى : { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } أي أتت أشراط الساعة ، وما يدل على قرب القيامة . وقيل : هو قيام الساعة . وقيل : هو جواب لقولهم بمكة : { [ فَأَمْطِرْ ] عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ الأنفال : 32 ] الآية . ثم قال [ تعالى ] : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . من قرأ : { يُشْرِكُونَ } بالتاء جعل الاستعجال للمشركين . ومن قرأ بالياء جعل الاستعجال لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . ثم قال تعالى : { يُنَزِّلُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ بِٱلْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ } . أي : ينزل الملائكة بالوحي من أمره { عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } أي : عليه السلام على المرسلين بأن ينذروا العباد بأن لا إله إلا أنا . وقيل : " من " بمعنى الباء . أي : بالروح [ بأمره ] ، أي بالوحي بأمره . فالباء متعلقة بينزل . وقال قتادة : المعنى ينزل الملائكة بالرحمة والوحي من أمره على من اختار من خلقه لرسالته لينذر الناس . لينذر [ بـ ] ـأن لا إله إلا الله فاعبدوه . وقال الربيع بن أنس : كل شيء تكلم به ربنا فهو روح منه ، ومنه قوله : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } . وعن ابن عباس ، أيضاً ، أنه قال : الروح خلق من خلق الله ، وأمر من أمره صوره على صورة آدم لا ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد منهم . وقال الحسن : { بِٱلْرُّوحِ } : بالنبوة . وقال الزجاج : الروح ما كان فيه من أمر الله حياة للقلوب ، بالإرشاد ، إلى أمر الله [ عز وجل ] . { فَٱتَّقُونِ } . أي : فأطيعوا أمري ، واجتنبوا معصيتي . ووقع الإنذار في هذا الموضع في غير موضعه . وأصله أن يقع تنبيهاً وتحذيراً مما يخاف منه . وضده البشرى . وليس لا إله إلا الله مما يخاف منه ويحذر . ولكن في الكلام معنى النهي عما كانوا عليه من عبادة غير الله [ سبحانه ] ، فحسن الاتيان به مع ما لا يخاف منه ، ولا يحذر . ودل على ذلك قوله : { فَٱتَّقُونِ } وقوله بعد ذلك : { عَمَّا يُشْرِكُونَ } . ثم قال تعالى : { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ } . أي : من خلق هذا وابتدعه ، فلا تصلح الألوهية إلا له . ومعنى { بِٱلْحَقِّ } : بالعدل ، أي : للعدل . وقيل : { بِٱلْحَقِّ } بقوله : كن فكانتا { بِٱلْحَقِّ } . فالحق كناية عن قوله : " كن " . والقول الأول أبين . ثم قال : { خَلَقَ ٱلإِنْسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } أي : خلق الإنسان من ماء مهين ، وصوره ونقله من حال إلى حال ، وأخرجه إلى ضياء الدنيا وغذاه ورزقه وقواه . حتى إذا استوى ، كفر بخالقه وجحد نعمته وعبد ما لا يضره و [ ما ] لا ينفعه وخاصم الله [ سبحانه ] في قدرته [ جلت عظمته ] ، فقال : { مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } [ يس : 78 ] ونسي خلقه ، وانتقاله من ماء إلى علقة إلى مضغة إلى عظم إلى تصوير إلى خروج إلى الدنيا ، وضعف إلى قوة [ وضعف ] بعد قوة . ومعنى { مُّبِينٌ } أي : مبين عن خصومته بمنطقه ، ومجادل بلسانه . والإنسان هنا جميع الناس . وقيل : عني به أبي بن خلف ، ثم هو عام فـ [ ـيـ [ ـمن كان مثله .