Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 5-9)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ } إلى قوله : { لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } . فالمعنى : وخلق الأنعام لكم فيها ما يدفئكم ، أي ما يمنع عنكم ضر البرد ، وضر الحر . لأن ما يستر من الحر يستر من البرد . وذلك ما ينتفع به من الأصواف والأوبار والأشعار . ثم جعل لكم فيها منافع ، يعني من ألبانها ، وركوبها ، وأكل لحومها ، والانتفاع بنسلها . وعن ابن عباس : الدفء نسل كل دابة . فهذا كله حجة على الخلق احتج عليهم بنعمته عندهم ولطفه بهم . قال ابن عباس : { لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ } يعني الثياب . ثم قال تعالى : { وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ } . أي : تتجملون بها إذا وردت بالعشي من مسارحها إلى مراحها التي تأوي إليها . { وَحِينَ تَسْرَحُونَ } أي : وتتجملون بها حين تسرح بالغدو ومن مراحها إلى مسارحها . قال قتادة : أعجب ما تكون النعم إذا راحت عظاماً ضروعها ، طوالاً أسنمتها . يعني : إذا رجعت من مرعاها . ثم قال تعالى : { وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ } . أي : تحمل لكم هذه الأنعام أثقالكم إلى بلد بعيد لا تبلغو [ نه ] إلا بجهد شديد ومشقة عظيمة لو وكلتم [ إلى ] أنفسكم ، قاله : مجاهد . وقيل الأثقال يراد بها في هذا الموضع الأبدان بدلالة قوله : { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [ الزلزلة : 2 ] أي : ما فيها من الموتى . ومنه سمي الجن والإنس الثقلان . وروى المسيِّبي عن نافع " بشَق " بفتح الشين ، وبه قرأ أبو جعفر . وهو مصدر . ومن كسر جعله اسماً . وقيل معنى الكسر : إلا بنقص من القوة ، أي ذهاب شق منها ، أي : ذهاب نصفها . { إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } : أي : لذو رأفه بكم وذو رحمة ، ومن رحمته خلقه الأنعام لكم لمنافعكم ومصالحكم ، وخلقه السماوات والأرض ، وغير ذلك مما يقوم به أمركم فليس يجب الشكر والحمد إلا له . ثم قال تعالى : { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا [ وَ ] زِينَةً } أي : وخلق لكم أيضاً هذه ، نعمة بعد نعمة وفضلاً بعد فضل . وبهذه الآية يحتج من منع أكل لحوم الخيل لأنه تعالى ذكر ما يؤكل أولاً ، وهي الأنعام ، ثم ذكر ما يركب ولا يؤكل وهي الخيل وما بعدها . وأجاز جماعة أكل لحوم الخيل ورووا فيها أحاديث وآثار . واحتجوا بأنه لا دليل من لفظ الآية على تحريمها وإن قوله : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ } [ الأنعام : 145 ] الآية ، يدل [ على ] تحليلها . والذين [ ر ] ووا تحريمها ، رووا في ذلك أحاديث عن النبي عليه السلام في النهي عن أكلها . فيكون تركها كلها عندهم بالسنة وبدليل هذه الآية . وقوله { وَزِينَةً } . [ أي : وللزينة . فهو ] مفعول لأجله . وقيل : المعنى وجعلها زينة ، فهو مفعول به . وقرأ أبو عياض : " لتركبوها زينة " بغير واو . ثم قال تعالى : { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } . أي يخلق مع خلقه لهذه الأشياء { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } وهو ما أعد الله لأهل الجنة في الجنة ، ولأهل النار في النار ، مما لا تره عين ولا خطر على قلب بشر . وعن ابن عباس أنه قال : خلق الله ألف أمة ، منها ست مائة في البحر ، وأربع مائة في البر ، فليس شيء في البر إلا وفي البحر مثله ، وفضل البحر بمائتين . وعن وهب بن منبه أنه قال : إن لله ثمانية عشر ألف عالم ، الدنيا منها عالم واحد . وما العمران في الخراب إلا كفسطاط في الجنان . وما الخلق كله في قبضة الله [ عز وجل ] إلا كخردلة في كف أحدكم . وعن وهب أيضاً ، يرفعه إلى النبي عليه السلام ، أنه قال : " إن لله [ عز وجل ] ثمانية [ عشر ] [ ألف ] عالم ، الدنيا منها عالم واحد ، وإن لله في الدنيا ألف أمة سوى الانس والجن والشياطين ، أربع مائة في البر ، وست مائة في البحر " . وقد قال بعض المفسرين : إن هذا [ هو ] تأويل { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الفاتحة : 2 ] فجمع العالم لكثرة ذلك ، وقد قال تعالى : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } [ المدثر : 31 ] . وروي أنه : نهر عن يمين العرش من نور السماوات السبع والأرضين السبع والبحار السبع ، يدخل فيه جبريل عليه السلام كل سحر فيغتسل فيزداد نوراً إلى نوره ، وجمالاً إلى جماله ، وعظماً إلى عظمه . ثم ينتفض فيخلق الله جلّ ذكره من كل نقطة تقع منه كذا وكذا ألف ملك . يدخل منهم كل يوم سبت المعمور سبعون ألفاً ، وسبعون ألفاً في الكعبة ثم لا يعودون إليه أبداً إلى أن تقوم الساعة . تصديقه : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } [ المدثر : 31 ] . وقال السدي : هو خلق السوس في الثياب . والأحسن في هذه الآية : كونها على العموم ، أن الله يخلق الأشياء لا يعلمها ولا يعرفها [ أحد ] وأنه هو العالم بها وحده لا إله إلا هو . ثم قال تعالى : { وَعَلَىٰ ٱللَّهِ قَصْدُ ٱلسَّبِيلِ } . أي : وعلى الله تبيين الطريق المستقيم إليه بالحجج والبراهين . فالسبيل الطريق ، والقصد الاستقامة . وقيل معناه : رجوعكم ومصيركم [ إلي ] كما قال : { هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ } { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [ الفجر : 14 ] . والقول الأول : أحسن لدلالة قوله : { وَمِنْهَا جَآئِرٌ } أي : من السبـ [ ـيـ ] ـل ما هو جائر عن الحق . والسبيل هنا جمع [ في المعنى بدلالة قوله : { وَمِنْهَا جَآئِرٌ } ] فدخول " مِن " يدل على أن السبيل جمع . أي : من السبـ [ ـيـ ] ـل سبيل جائر . أي : غير قاصد للحق . يعني ما خالف دين الإسلام من الأديان . قال ابن عباس : قصد السبيل : تبين الهدى من الضلالة . وقال مجاهد : هو طريق الحق إلى الله . قال قتادة : { وَمِنْهَا جَآئِرٌ } أي : ومن السبيل ، سبيل الشيطان . وقال الضحاك : يعني السبيل التي تفرقت عن سبيل الله [ سبحانه ] . وقال ابن زيد : جائر عن الحق . والجائر في اللغة : العادل عن الحق . وفي قراءة عبد الله : { وَمِنْهَا جَآئِرٌ } ورواية عن علي أيضاً ، ويقويها : { وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } معناه : ولو شاء [ الله ] للطف بكم بتوفيقه فكنتم تهتدون إلى طريقه المستقيم . ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، لا معقب لأمره ومشيئته . وقال الزجاج : معناه . لو شاء لأنزل آية يضطر الخلق [ بها ] إلى الإيمان به .