Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 26-29)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ } إلى قوله { فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } . المعنى : قد مكر الذين كانوا قبل هؤلاء المشركين : يعني الذين أرادوا الارتقاء إلى السماء بالنسرين لحرب من فيها . وقد مضى ذكر ذلك في إبراهيم أنّه نمرود بن كنعان تجبر إذ ملك الأرض . قال مجاهد : ملك الأرض ، شرقها وغربها ، أربعة : مؤمنان وكافران . فالمؤمنان : ذو القرنين وسليمان ، والكافران نمرود بن كنعان وبختنصر ، وقيل هو نخ تنِصْرٍ . ونذكر ها هنا قول السدي في ذلك وما روى فيه ، قال السدي : أمر الذي حاج إبراهيم في ربه بإبراهيم ، فأخرج من مدينته ، فلما خرج لقي لوطاً على باب المدينة فدعاه فآمن به ، وقال : { إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ } [ العنكبوت : 26 ] وحلف نمرود ليطلبن إله إبراهيم . فذهب فأخذ أربعة أفراخ من النسور ، فرباها باللحم والخمر ، حتى إذا كبرن ، وغلظن ، واستعجلن ، قرنهن بتابوت ، وقعد في ذلك التابوت . ثم رفع رجلاً من لحم لهن ، فطرن به حتى ذهبن في السماء . فأشرف ينظر إلى الأرض . فرأى الجبال تدب كدبيب النمل . ثم رفع لهن اللحم ، ثم نظر فرأى الأرض محيطاً بها بحر كأنها فلكة في ماء . ثم رفع طويلاً فوقع في ظلمة / فلم ير ما فوقه ولم ير ما تحته . ففزع فألقى اللحم / فاتبعته منقضات . فلما نظرت الجبال إليهن وقد أقبلن منقضات وتسمعن حفيفهن ، فزعت الجبال وكادت أن تزول من أمكنتها ، ولم تزل . وذلك قوله { وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ } [ إبراهيم : 46 ] . وكان إذا طرن به من بيت المقدس ووقوعهن به على جبل الدخان ، فلما رأى أنه لا يطيق شيئاً أخد في بنيان الصرح . فبنى حتى أسند به إلى السماء ، وارتقى فوقه ينظر بزعمه إلى إله إبراهيم فأحدث ولم يكن وقت حدثه . وأخذ الله بنيانه من القواعد { فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } أي : من مأمنهم . فلما سقط تبلبلت ألسن الناس يومئذٍ من الفزع فتكلموا بثلاثة وسبعين لساناً فلذلك سميت بابل وإنما كان لسان الناس قبل بالسريانية . قال ابن عباس في : { فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ } وهو نمرود حين بنى الصرح . قال زيد بن أسلم : أول جبار كان في الأرض نمرود فبعث الله بعوضة فدخلت منخره فمكث أربع مائة سنة [ يضرب رأسه بالمطارق وأرحم الناس به من جمع يديه فضرب بهما رأسه بالمطارق ، وكان جباراً أربع مائة سنة ] فعذبه الله [ عز وجل ] في الدنيا أربع مائة سنة كملكه . ثم أماته الله [ عز وجل ] وهو الذي بنى صرحاً . وهو الذي أتى الله بنيانه من القواعد . وقيل : معنى { فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ } استأصلهم بالهلاك . وقيل : هو مثل لأعمالهم التي أحبطها الله . كأن [ أعمالهم ] التي عملوها حبطت بمنزلة [ بناء ] سقط من قواعده . ومعنى : { فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ } أي : أتى أمر الله بنيانهم . ومعنى { فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ } : خرت عليهم [ أعالي البيوت ] فهلكوا . وقال ابن عباس : معناه أتاهم العذاب من السماء . ومعنى { مِن فَوْقِهِمْ } : توكيد أنهم تحته ، لأنه قد يقال : سقط على منزل كذا ، إذا كان يملكه . فقال { مِن فَوْقِهِمْ } ليزول هذا المعنى منه . وروي أن نمرود بن كنعان بنى بناء ليصل به السماء فبعث الله ريحاً فهدمته ، ويقال : إن من يومئذٍ لم تدع الريح بناء على وجه الأرض يكون ارتفاعه أكثر من ثمانين ذراعاً إلا هدمته . ثم قال [ تعالى ] : { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ } . أي : ثم يذلهم يوم القيامة مع ما فعل بهم في الدنيا . ويقول لهم : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ } الذين زعمتم في الدنيا أنهم شركائي فما لهم لا ينقذونكم من العذاب . وقال ابن عباس { تُشَاقُّونَ فِيهِمْ } : تخالفون فيهم . وقيل معناه : تحاربون . وأصله من شاققت فلاناً ، إذا فعل كل واحد منهما بصاحبه ما يشق عليه . ثم قال تعالى : { قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ } أي : الذل والهوان { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ * ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ } [ أي ] : وهم على كفرهم . وقيل : عنى بذلك من قتل ببدر من قريش . وقد أخرج إليها كرهاً ، قاله : عكرمة . ثم قال / { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } أي : قالوا ما كنا نعمل من سوء . وأخبر الله [ عز وجل ] عنهم : أنهم كذبوا ، وقالوا : ما كنا نعصي الله في الدنيا ، فكذبهم الله ، وقال : { بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ } أي : بلى عملتم السوء ، إن الله عليم بعملكم . ومعنى : { فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ } أي : الاستسلام لأمر الله [ عز وجل ] لما عاينوا الموت . وقيل معناه : ألقوا الصلح لأنه قد تقدم ذكر المشاقة ، وبإزاء المشاقة - وهي العداوة - الصلح . ثم قال [ تعالى ] { فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا } أي : طبقاتها ماكثين فيها . { فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } أي : بئس منزل من تكبر على الله سبحانه ، ولم يقر بالوحدانية . وروي عن النبي عليه السلام أنه قال : " الكبر أن يسفه الحق ويغمط الخلق " .