Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 39-44)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ } إلى قوله : { حَلِيماً غَفُوراً } . المعنى الذي بيّنا لك يا محمد من الأخلاق : المرغب فيها ، والتي نهيناك عن فعلها ، " مما أوحى إليك ربك من الحكمة " أي : من الأشياء التي أوحاها إليك ربك يعني القرآن . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } . أي : شريكاً في عبادته . { فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً } . أي : تلومك نفسك وعارفوك من الناس : " مدحوراً " : مبعداً مقصى في النار . قال ابن عباس : " مدحوراً " مطروداً . ويروى أن من قوله [ تعالى " : { [ وَ ] لاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً } إلى قوله : { مَلُوماً مَّدْحُوراً } هي العشر كلمات التي أنزلها الله [ عز وجل ] على موسى [ صلى الله عليه وسلم ] في التوراة . ومثلها التي في الأنعام { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } [ الأنعام : 151 ] إلى آخر الثلاث آيات . وهي المُحْكَمَة التي ذكرها الله [ عز وجل ] في سورة آل عمران . وفيه اختلاف قد ذكرته هنالك . ثم قال : { أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِٱلْبَنِينَ وَٱتَّخَذَ مِنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ إِنَاثاً } . هذا توبيخ للمشركين الذين جعلوا الملائكة بنات الله [ سبحانه و ] تعالى عن ذلك علواً كبيراً ، ومعناه افاختار لكم ربكم أيها الناس / الذكور من الأولاد واتخذ لنفسه البنات وأنتم لا ترضونهن لأنفسكم ، فجعلتم لله [ عز وجل ] ما لا ترضون لأنفسكم . وقيل : الذين قالوا هذا هم اليهود ، قاله قتادة . وقيل : هم كفرة العرب وعليه أكثر المفسرين . ثم قال تعالى : { إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً } : أي قولة منكرة . ثم قال : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ [ لِيَذَّكَّرُواْ ] } . أي : صرفنا لهؤلاء المشركين ، الآيات والعبر والأمثال ، والتخويف ، والإنذار ، والوعد ، والوعيد . والمفعول لصرفنا محذوف وهو التخويف والإنذار وشبهه وقيل : " في " : زائدة والمعنى : صرفنا هذا القرآن . والأول أحسن . فالمعنى : صرفنا الأمثال في هذا القرآن لعلهم أن يتذكروا ذلك فيعقلوا خطأ ما هم عليه ، فيرجعوا ويؤمنوا وما يزيدهم ذلك البيان إلا نفوراً عن الحق وبعداً منه . وتشديد " لِيَذَكَّرُوا " تحقيقه بمعنى : يقال تذكرة ما صنعت . وذكرت ما صنعت بمعنى : قال ذكره : { ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ } [ البقرة : 40 ] بمعنى : تذكروا نعمتي ، أي : تفكروا فيها واعتبروا . وقال : { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } [ البقرة : 63 ] وقَالَ : { [ كَلاَّ ] إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } [ عبس : 11 - 12 ] و { مَّا تَذَكَّرُونَ } [ الحاقة : 42 ] " فكله بمعنى الاتعاظ والاعتبار لا بمعنى ذكر النسيان . وليس من خفف يجعله من ذكر النسيان وإنما هو من التفكر والاعتبار كالمشدد . ثم قال [ تعالى ] : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ } . المعنى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين جعلوا مع الله ءالهة : لو كان الأمر كما تقولون من أن مع الله [ سبحانه ] ءالهة إذن لابتغت تلك [ الآلهة ] القربى من الله [ عز وجل ] ذي العرش العظيم ، والتمست الزلفى عنده [ جلّت عظمته ] . قال قتادة معناه : إذن لعرفوا له فضله فابتغوا ما يقربهم إليه . وقال ابن جبير معناه : إذن لطلبوا إليه طريقاً للوصول ليزيلوا ملكه . وقيل معنى ذلك : إذن لطلبوا الربوبية وضادوه في ملكه كما يفعل ملوك الدنيا . ثم قال تعالى : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ } . ينزه نفسه عما قالوا وافتروا . و " كلوا " : مصدر . جاء على غير الـ [ ـمـ ] ـصدر . ولو جاء على صدر الكلام لكان تعالياً ، ولكنه مثل { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } [ المزمل : 8 ] ومثل " { أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } [ نوح : 17 ] . ثم قال تعالى : { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ } . أي : تنزهه من السوء الذي وصفه به المشركون و " من فيهن " ، يعني : من في السماوات والأرض من الملائكة والجن والإنس . ثم قال : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } . روى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه ؟ إن نوحاً قال لابنه : " يا بني آمرك [ أن تقول سبحان الله بحمده " فإنها صلاة ] الخلق وتسبيح الخلق وبها يرزق الخلق ، قال الله [ عز وجل ] : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } " . وعن النخعي أنه قال : الطعام : يسبح . وقال قتادة : كل شيء فيه روح يسبح / من شجرة وغيرها . وقيل معنى ذلك : أن ما من شيء إلا يدل على توحيد الله وينزهه من السوء ، فذلك تسبيحه . وقال الحسن : كل شيء فيه روح يسبح بحمده . { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } أي : لا تعقلون ذلك . وروى معاذ بن محمد الأنصاري أن النبي عليه السلام قال : " لا تقتلوا الضفادع فإنه ليس لله [ عز وجل ] خلق أكثر تسبيحاً منها " . وذكر أبو عبيد أن داوود صلى الله عليه وسلم بات داعياً لربه [ عز وجل ] ومصلياً حتى أصبح فذهب إلى نهر ليتوضأ ، فقال : الحمد لله لقد عبدت الله الليلة عبادة ما عبده أحد مثلها من أهل الأرض . فكلمته ضفدع من الماء فقالت له : كلا يا أبا سليمان ، فوالله إنه لي ثلاثاً من الدهر ما جمعت [ ما ] بين فقمي تسبيحاً لله [ عز وجل ] . واختلف الناس في تسبيح الموات كالجبال والحيطان [ وشبه ذلك ] : فقال قوم : تسبيح ذلك ما فيه من دلالة على خالقه ومشيئته ، ومنه قوله : { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 74 ] يعني : يتبين في ظاهره من قدرة الله [ عز وجل ] على خلقه ما يضاهي الخشية لله والإقرار بقدرته . وقال آخرون : تسبيح الموات أنها تدعو الناظر إليها والمتأمل لخلقها إلى تسبيح الله [ تعالى ] والنطق بعظمته . فنسب التسبيح إلى الموات لما كانت تنسبه . كما قالت العرب له : إبل تنطق الناس أي إذا نظروا إليها نطقوا تعجباً منها ، من كثرتها ، فقالوا سبحان الله ! ما أكثرها ! ما أحسنها ! و [ قال ] آخرون وهم أصحاب الحديث وكثير من العلماء . الأشياء كلها تسبح ، الموات وغيره ، والله [ عز وجل ] يعلم تسبيح كل صنف منها ، وقد كلمت الحجارة والأشجار والجمادات الأنبياء [ عليهم السلام ، وكذلك البهائم كلمت الأنبياء وكلمت من كان في عهد الأنبياء . والروايات بذلك كثيرة مشهورة . وهذا باب يتسع فيه الكلام لكثرة الشواهد عليه . ثم قال تعالى : { إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } . أي : حليماً لا يعجل على خلقه المفترين عليه . " غفوراً " أي : ساتر [ اً ] لذنوب من آمن [ به ] منهم . قال قتادة : حليماً : أي : لا يعجل كعجلة بعضهم على بعض .