Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 35-38)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ } إلى قوله : { عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } . أمر الله جل ذكره عبيدة ألاّ يبخسوا الناس في الكيل إذا كالوا لهم وأن يزنوا بالقسطاس ، وهو العدل بالرومية قاله مجاهد . وقال الضحاك : هو الميزان . وقال الحسن : هو القبان . وروى الأعمش عن أبي بكر : " القصطاس " بالصاد في السورتين . ثم قال : { ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } . أي ذلك خير لكم . أي : الوفاء خير لكم من بخسكم إياهم وأحسن عاقبة . وقيل : معناه وأحسن [ من ] تؤول إليه الأمور في الدنيا والآخرة . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يقدر الرجل على حرام ثم يدعه ليس به إلا مخافة الله [ عز وجل ] إلا أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من ذلك " . وقال قتادة : " وأَحْسَنُ تَأَوْيلاً " وأحسن ثواباً وعاقبة . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } . قال ابن عباس : معناه ولا تقل ما ليس لك به علم . وقال قتادة : لا تقل رأيت ولم تر ، ولا سمعت ، ولم تسمع فإن الله سائلك عن ذلك كله . وقال محمد بن الحنفية : هو شهادة الزور . وعن ابن عباس أيضاً معناه : لا ترم أحداً بما ليس لك به علم . وكذلك قال مجاهد . فدخل في هذه المعاني النهي عن قذف المحصنة ، وعن القول في الناس / بما لا تعلم ، وعن الكلام في الدين والفقه بالظن . وقيل معناه : لا ترم أحداً بذنب لم تحققه ، وإنما هو ظن طننته به . والقفو شبيه بالبهتان : يرمي به الرجل صاحبه . وقال الفراء : تقف من القيافة ، يقال : قاف القايف يقوف إذا اتبع الأثر [ إلا ] أنهم قدموا القاف وأخروا الواو ، كقولهم : جذب وجبذ . وقرأ بعضهم : " ولا تقف " مثل تقبل من : قفت الأثر وقراءة الجماعة من قفوت . وهو مثل قولهم : قاع الجمل يقوع وقعاً يقعوا إذا ركب الناقة . ومثله قولهم عاث في البلاد وعثى إذا أفسد . فأما قوله : { إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ } فإنه يدخل فيه النهي عن الاستماع إلى ما لا يحل ، والنظر إلى ما لا يحل لأن هذه الأعضاء مسؤولة عما يستعملها ابن آدم فيه من خير وشر . وأصل القفو في اللغة التتبع . ومنه [ يقال ] قفوت أثر فلان أي تتبعته ، ولذلك قال أبو عبيدة ، " ولا تَقْفُ مَا لَيْس " لا تتبع ما ليس لك به علم . وحكى الكسائي عن العرب : قفوت أثره وقفت مثل قلت فيقدمون مرة الواو ويؤخرونها مرة كما يقال : قاع الجمل الناقة إذا ركبها وقعاها . فيكون على القلب مثل قول الشاعر : @ ولو أني رميتك من بعيد لعاقك من دعاء الذنب عاق @@ يريد عائق ، فقلب . وقوله : " كُلُّ أُولَئِكَ " ولم يقل ذلك ، فإنما جرى على ذلك لأن " أولئك " و " هؤلاء " للجمع القليل الذي يقع للتأنيث والتذكير . و " هذه " و " تلك " للجمع الكثير . والتذكير للقليل من الجمع كما كان التذكير في الأسماء قبل التأنيث والتأنيث بعده . فكذلك التذكير للجمع الأول ، والتأنيث للجمع الثاني وهو : الجمع الكثير . وقال الزجاج : كل ما أشرت إليه من الناس ، وغيرهم ، ومن الموات فلفظه لفظ أولئك . وقيل : كل ما تشير إليه وهو متراخ عنك فلفظه لفظ أولئك . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً } . أي : لا تمش [ في الأرض ] مختالاً بطراً متكبراً . ونصب " مرحاً " على الحال وهو مصدر في موضع الحال . وقرأ بعضهم : " مَرِحاً " بكسر الراء جعله اسم فاعل وهو نصب على الحال أيضاً . واختار الأخفش هذه القراءة . واختار الزجاج فتح الراء قال : لأن فيه معنى التوكيد وليس ذلك في اسم الفاعل . ثم قال [ تعالى ] " { إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ } . أي : لن تقطع الأرض باختيالك واستكبارك . وقيل : معناه إنك لن تقدر على خرق الأرض ، وإنما نهى الله [ عز وجل ] في هذا عن التكبر والفخر والخيلاء ، فأعلم خلقه أنهم لا ينالون بذلك ، إذا فعلوه ، شيئاً لا يبلغه غيرهم ممن لا فخر معه ولا خيلاء . ثم قال : { كُلُّ ذٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً } . أي : كل ما نهى الله [ عز وجل ] عنه فهو عند ربك سيئة مكروهة . وقرأ الكوفيون وابن عامر " سيئة " بإضافة السيء إلى الهاء . وحجة هذه القراءة أن الله [ عز وجل ] قدّم ذكر أشياء / أمر بفعلها ، وذكر أشياء نهى عنها . ولو كان " سيئه " غير مضاف لجعل ما أمر به ورغب في فعله مما تقدم ذكره : كبر الوالدين وإيتاء ذي القربى حقه ، ونحوه . سيئة . وهذا لا يجوز فوجب أن يكون السيء مضافاً على معنى : كل ذلك كان السيء منه مكروهاً . وهو قتل النفس وأن تقف ما ليس لك به علم ، والزنا ، وقتل الأولاد وشبهه . واحتج أيضاً لها بقوله : " مكروهاً " ولم يقل " مكروهة " فوجب تذكير " السيء " وإضافته لذلك . وهذا لا يلزم من قرأ " سيئة " غير مضاف لأن الله [ عز وجل ] قدّم الأشياء المرغب [ في ] فعلها ثم أعقبها بما نهى عنه فرجعت " كل ذلك [ في قوله : " كل ذلك ] كان سيئه على الأشياء التي نهى عنها دون ما تقدم مما رغب في فعله . وأما التذكير فهو حسن لأنه ذكر " مكروهاً " وعلى لفظ " كل " و " كل " مضمر في " كان " و " مكروهاً " خبر عن ذلك المضمر . و " سيئة " خبر آخر فأجرى أحد الخبرين على اللفظ فذكّر ، والثاني على المعنى ، فأنّث . وقال إنما ذكر " مكروهاً " في قراءة من قرأ " سيئة " لأن تأنيث السيئة غير حقيقي . وقيل : " السيء " و " السيئة " واحد فأجرى " مكروهاً " على " السيء " كما حملت الصيحة على الصياح ، والرحمة على الرحم ، والبينة على البينات والموعظة [ على المواعظ ] ، فجاز تذكير ذلك كله ولفظه مؤنث . وقيل : " السيئة " و " السوء " واحد فذكر " مكروهاً " حملاً على " السوء " . وقيل إن من قرأ " سيئة " بالإضافة ، إنما إضافة على معنى " السيء " كالذي يتحصل من جهته لأن بعضه غير سيء وبعضه سيء . كقوله : { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } [ الحج : 30 ] يعني : من جهة الأوثان إذ الرجس يكون من جهات سوى الأوثان .