Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 73-76)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ } إلى { خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً } . هذه الفتنة ، التي ذكرها الله [ عز وجل ] هنا ، هي أن المشركين منعوا النبي صلى الله عليه وسلم من استلام الحجر ، وقالوا له : لا ندعك حتى تلم بآلهتنا . فحدث نفسه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وقال [ عز وجل ] يعلم أني لها كاره فأنزل الله [ عز وجل ] : { وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ } الآية . وقال قتادة : أطافوا به ليلة فقالوا أنت سيدنا وابن سيدنا وأرادوه على موافقتهم على بعض ما هم عليه فهم أن يقاربهم فعصمه الله [ عز وجل ] فذلك قوله : { لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } . وقال مجاهد : قالوا له إيتِ آلهتنا فامسسها فذلك قوله : { لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } . وقيل : إنما ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم هم أن ينظر قوماً بإسلامهم إلى مدة سألوه الإنظار إليها . قاله : ابن عباس . وهو ثقيف ، سألوا النبي [ عليه السلام ] أن ينظرهم سنة حتى يهدى إلى آلهتهم الهدي . قالوا له : فإذا قبضنا الهدي الذي يهدى لآلهتنا [ أ ] سلمنا وكسرنا الآلهة فهمّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يطيعهم على ذلك فأنزل الله [ عز وجل ] الآية . وقيل : إنما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : اطرد عنا هؤلاء السقاط والموالـ [ ـى ] الذين آمنوا بك حتى نجـ [ لـ ] س معك ونستمع منك . فهم النبي [ صلى الله عليه وسلم ] . بذلك طمعاً منه أن يؤمنوا فأنزل الله [ عز وجل ] الآية . وقوله : { وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ [ خَلِيلاً ] } . أي : لو فعلت يا محمد ما دعوك إليه من الفتنة لاتخذوك خليلاً وكانوا لك أولياء . والوقف على " إذا " بالنون عند المبرد لأنها بمنزلة أن . وقال بعض النحويين الوقف عليها بالألف في كل / موضع كما تقف على النون الخفيفة بالألف إذا انفتح ما قبلها . وقال بعض النحويين : إذا لم تعمل شيئاً وقفت عليها بالألف ، وإذا عملت وقفت عليها بالنون . ثم قال تعالى : { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } . أي : لولا أن عصمناك عما دعاك إليه المشركون من الفتنة لقد كدت تميل إليهم شيئاً قليلاً . ولما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين " . حكى ابن الأنباري عن [ بعض ] أهل اللغة أنهم قالوا : ما قارب رسول الله صلى الله عليه وسلم إجابتهم ولا ركن إليهم قط . وقالوا : " كدت تركن إليهم " ظاهره خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم وباطنه خبر عن ثقيف . وتلخيصه وإن كادوا ليركنونك . أي : فقد كادوا يخبرون عنك أنك تميل إلى قولهم فنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعل ثقيف على جهة الاتساع والمجاز والاختصار . كما يقول الرجل للرجل كدت تقتل نفسك يعني كاد الناس يقتلونك بسبب ما فعلت . فنسب القتل إلى المخاطب وهو لغيره . ومنه قولهم لأريتك ها هنا . فادخلوا حرف النهي على غير المنهي عنه . وتلخيص هذا الكلام لا يحضر هذا المكان حتى إذا أتيته لم أجدك فيه . ومثله { فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } [ البقرة : 132 ] دخل النهي على الموت والموت لا يملك ولا يدفع . وتلخيصه لا تفارقوا الإسلام حتى إذا أتاكم الموت صادفكم مسلمين . ثم قال [ تعالى ] { إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ } . أي لو ركنت إلى هؤلاء المشركين فيما سألوك فيه لأذقناك ضعف عذاب الدنيا وضعف عذاب الآخرة . قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك . ثم قال : { ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً } . أي لا تجد يا محمد ، لو أذقناك ذلك ، من ينصرك علينا فيتمنعنا من عذابك . فأخبر الله تعالى ذكره : بأن العقاب بالأنبياء مثل الثواب لهم في الأضعاف . وقد قال في نساء النبي صلى الله عليه وسلم { نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ } [ الأحزاب : 31 ] وقال : { يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } [ الأحزاب : 30 ] . ثم قال : { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا } . أي : إن كاد هؤلاء المشركون أن يستخفونك من الأرض التي أنت فيها ليخرجوك منها ، ولو أخروجك منها لم يلبثوا خلفك فيها إلا قليلاً . قيل : إنهم [ هم ] اليهود . أرادوا أن يحتالوا على النبي صلى الله عليه وسلم في الخروج من المدينة . وقالوا له إن أرض الأنبياء أرض الشام . وإن هذه ليست بأرض نبيء فأنزل الله [ عز وجل ] الآية . قال هذا المعتمر بن سليمان عن أبيه . وقيل : هم قريش أرادوا إخراج النبي [ صلى الله عليه وسلم ] من مكة قاله قتادة . و [ قال ] : قد فعلوا / ذلك بعد ، فأهلكهم الله [ عز وجل ] يوم بدر : وكانت سنة الله [ عز وجل ] في الرسل إذا فعل بهم قومهم مثل ذلك . وقال الحسن : همت قريش بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة فأراد الله [ عز وجل ] نفي قريش فأمره الله [ عز وجل ] أن يخرج منها مهاجراً إلى المدينة فخرج بأمر الله [ عز وجل ] ولو أخرجوه هم لهلكوا كما قال : { وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً } . وقيل : الأرض هنا أريد بها أرض الحجاز . وقيل : مكة ، وعليها أكثر المفسرين . وقيل : المدينة ، وفيه بعد . لأن السورة مكية ولم يكن النبي [ عليه السلام ] في المدينة عند نزول هذه الآية ، فالأرض : يعني : بها مكة أحسن وأولى . وقوله : { إِلاَّ قَلِيلاً } أي : [ إلا ] وقتاً قليلاً . وهو ما أقاموا بمكة بعده من حيث خرج عنهم إلى وقعة بدر . قاله : ابن عباس والضحاك . و " خلفك " : معناه : بعدك . ومن قرأ " خلافك " فهي لغة فيه . وقيل معناه : مخالفتك ، قاله الفراء . وإذن : حرف نظيره في الأفعال ، أرى وأظن . فإذا تقدم عمل ، وإذا تأخر أو توسط لم يعمل لضعفه عن قوة الفعل . ولقوة الفعل جاز عمله متوسطاً ومتأخراً وإلغاؤه . وإذا كانت إذن مبتدأة عملت . فإن كانت بين كلامين لم تعمل . فإن كان قبلها حرف عطف جاز الأعمال والإلغاء ، ولذلك لم تعمل في " لبثوا " . وفي مصحف عبد الله " وإذا : لا يلبثون خلفك " اعمل إذن في الفعل فهذا حالها مع حرف العطف . ومعنى إذن : إن كان الأمر كما ذكرت ، أو كما جرى بقول القائل : زيد يأتيك ، فتقول : إذن أكرمه . أي إن كان الأمر كما ذكرت وقع إكرامه مني . فإكرامه والفعل منصوب بعد إذن بأن الضمير في التقدير . هذا مذهب حكي عن الخليل وسيبويه . ويروى : أن إذن هي الناصبة للفعل [ لأنها ] لما يستقبل لا غير .