Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 71-72)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } إلى قوله { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } . أي : واذكر يا محمد يوم ندعو . ومعنى " [ بـ ] ـإمامهم : نبيئهم الذي أرسل إليهم . قاله : ابن عباس ومجاهد وقتادة . وعن ابن عباس أيضاً : [ أن ] الإمام هنا ، كتاب عمل الإنسان مثل قوله : { وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ } [ الحجر : 79 ] " وكذلك قال الحسن وأبو صالح وأبو العالية . وقال ابن زيد : " بإمامهم " بكتابهم الذي أنزل إليهم . وعن ابن عباس : " بإمامهم " بداعيهم الذي دعاهم إلى الهدى أو الضلالة . [ و ] قال أبو العالية : " بإمامهم " بأعمالهم . ثم قال : { فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } . أي : من أعطي كتاب عمله بيمينه لم يظلم من جزاء عمله الصالح مقدار فتيل . وهو الخيط الذي في وسط النواة . / . واختار الطبري أن يكون الإمام هنا : الذي كانوا يعبدونه في الدنيا . وقال النحاس : الناس يدعون في الآخرة بهذا كله ، يدعون بنبيهم ، فيقال : أين أمة محمد ؟ وبكتابهم ، فيقال : أين أمة القرآن ؟ وبعملهم ، فيقال : أين أصحاب الورع ؟ وكذا الكفار يدعون بضد هذا : أين أمة فرعون ؟ وأين أصحاب الربا ؟ وفي هذا مدح للمؤمنين على رؤوس الناس وذم للكافرين . وروي أن المؤمن يمد يمينه سهلاً ، ويتناول كتابه بالسهولة ، وأن المشرك يمد يمينه ليأخذ كتابه فيجتدبه ملك فيخلع يمينه فيتناول كتابه بشماله . ثم قال [ تعالى ] : { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ } . أي : في الدنيا يريد عمى العين عن الهدى فهو في الآخرة أعمى منه في الدنيا [ يريد ] أنه يكون في الآخرة أعمى العين والقلب . وعلله أبو عمرو في إمالته الأول دون الثاني : أنه أراد أن يفرق بين المعنين : فأمال عمى العين وفتح عمى القلب للفرق . وكان عمى القلب بالفتح أولى ، لأن الألف فيه [ في ] حكم المتوسطـ [ ـة ] إذ تقديره : أعمى : منه في الدنيا . وافعل الذي معه من هي من تمامه ولذلك صرف بعض العرب كل ما لا ينصرف إلا افعل منك لأن منك من تمامه ، وهو مذهب الكوفيين ، فلما كانت منك من تمامه صارت بمنزلة المضاف إليه ، والمضاف إليه لا يدخله التنوين فامتنع [ افعل ] منك من الصرف لذلك . ويدل على أن الثاني من عمى القلب . أنه لو كان من عمى العين لم يقل فيه إلا : هو أشد أعمى من كذا لأن فيه معنى التعجب . ومذهب المبرد : أنه لا إضمار مع أعمى الثاني من ولا غيرها ولا معنى للتعجب فيه والثاني عنده من عمى العين كالأول . قال سيبويه والخليل : لم يقولوا : ما أعماه ، من عمى العين ، لأنه خلقه بمنزلة اليد والرجل ، فكما لا يقال : ما إيداه ، لا يقال : ما أعماه . وقال الأخفش : لم يقل ذلك ، لأن فعله على أكثر من ثلاثة . والأصل فيه " اعماي . ولا يتعجب مما جاوز الثلاثة على لفظه . لا بد من : " أشد " و " أبين " ونحوه . لأن الهمزة لا تدخل على الهمزة فلا يكن بد من فعل ثلاثي تدخل عليه الهمزة . فأتى بأبين وأشد وأكثر ونحوه مما فيه المعنى المطلوب . وقيل : إنما لم يقل : " ما أعماه " من عمى العين ، ليفرق ما بينه وبين " ما أعماه " من عمى القلب . وكذلك لم يقولوا : ما أسوده . من اللون ، للفرق بينه وبين ما اسوده من السؤدد ، ثم اتبع سائر الباب على ذلك ، لئلا يختلف . وأجاز الفراء في الكلام والشعر ما أبيضه ، وحكي عن قوم جواز ما أعماه و [ ما ] أعشاه من عمى العين ، قال لأن فعله [ من ] عمي وعشي فهو ثلاثي . وتحقيق معنى الآية : ومن كان في هذه الدنيا أعمى عن الهدى والإسلام . فهو في الآخرة أشد عمى عن الرشد ، وما يكسبه رضى ربه [ عز وجل ] والوصول إلى جنته [ تبارك وتعالى ] . وقيل المعنى : / من كان في هذه الدنيا أعمى عن هذه النعم التي تقدم ذكرها : من تفضيل بني آدم وغير ذلك ، فهو في نعم الآخرة أعمى وأضل سبيلاً . لأنه إذا عمي عما يعانيه في الدنيا من النعم ، فهو مما يعاينه من نعم الآخرة أعمى أيضاً ، وأضل سبيلاً . وقال ابن عباس : معناها : من عمي عن قدرة الله في هذه الدنيا فهو في الآخرة أشد عمى . وكذلك قال : مجاهد . وقال قتادة : معناها من كان في هذه الدنيا أعمى عن الإيمان بالله [ عز وجل ] وتوحيده [ سبحانه ] مع ما عاين فيها من نعم الله وخلقه [ عز وجل ] وعجائبه وما أراه الله [ عز وجل ] من خلق السماوات والأرض والجبال [ والنجوم ] ، فهو في الإيمان بالآخرة الغائبة عنه - التي لم يرها - أشد عمى وأضل سبيلاً . وهو قول ابن زيد . ومعنى : { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } وأضل طريقاً منه في أمر الدنيا التي قد عاينها ورءاها . وهذا القول حسن مختار . لأن من لم يؤمن في الدنيا [ بالله عز وجل ] مع ما يرى من الآيات الظاهرة الدالات على توحيد الله [ سبحانه ] فهو أحرى ألا يؤمن بالآخرة التي لم يعاين أمرها وإنما هو خبر غائب عنه دعي [ إلى ] التصديق به .