Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 79-80)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمِنَ ٱلْلَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ } إلى قوله : { سُلْطَاناً نَّصِيراً } . معناه : ومن الليل يا محمد فاسهر بالقرآن { نَافِلَةً لَّكَ } أي : خاصة لك دون أمتك . والتهجد : التيقظ ، والسهر بعد نومة من الليل ، والهجود : النوم . يقال : تهجد زيد إذا سهر ، وهجد إذا نام . قال علقمة والأسود : التهجد بعد نومة . وقال الحسن : التهجد ما كان بعد العشاء الآخرة . قال ابن عباس معنى : " نافلة لك " : فرضاً عليك . فرض الله ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم . وقيل : إنما قيل له : " نافلة لك " لأنه لم يكن فعله ذلك ليكفر عنه شيئاً من الذنوب . فهو نافلة للنبي [ عليه السلام ] لأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فهو نافلة له لأنه لا ذنب له ، يكفر بنوافله ، وهو لأمته كفارة لذنوبهم ، قال ذلك مجاهد . وقول ابن عباس : أولى . لأن هذه السورة نزلت بمكة وسورة الفتح إنما نزلت بعد منصرفه من الحديبية ، فنزل عليه الأمر بالنافلة قبل معرفته بأن الله [ عز وجل ] قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . فواجب أن يكون ذلك فرضاً عليه خاصة . خصّه الله [ عز وجل ] به ، لأن الصلاة بالليل أفضل أعمال الخير / فَحَضَّ الله [ سبحانه ] نبيه صلى الله عليه وسلم على أفضل الأعمال . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أفضل الصلاة بعد الصلاة المفروضة الصلاة بالليل " . وقال عليه السلام : " عليكم بالصلاة بالليل فإنها دأب الصالحين قبلكم ، وهو قربة إلى الله [ عز وجل ] ، وكفارة للسيئات " . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار " . وقال : " صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً " . وقال [ النبي ] عليه السلام : " صلوا بالليل ولو ركعتين . ما من أهل بيت تعرف لهم صلاة إلا ناداهم مناديا أهل الدار : قوموا إلى صلاتكم " . وفضل الصلاة بالليل عظيم جسيم إليه انتهت العبادة وقد قال صلى الله عليه وسلم : " إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم سأل الله خيراً وهو يصلي إلا أعطاه وهي في كل ليلة " . ثم قال [ تعالى ] : { عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً } . وعسى من الله واجبة ، لأن الله [ عز وجل ] لا يدع أن يفعل بعباده ما أطمعهم به من الجزاء على أعمالهم لأنه ليس من عادته الغرور ولا من صفته . والمقام المحمود : هو الشفاعة . قاله : ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن جريج والحسن . وقال حذيفة : يجمع الله [ عز وجل ] الناس في صعيد واحد ، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر ، حفاة عراة كما خلقوا ، سكوتاً لا تكلم نفس إلا بإذنه ، فينادي محمداً صلى الله عليه وسلم فيقول : لبيك وسعديك والخير في يديك ، والشر ليس إليك ، والمهتدي من هديت ، وعبدك بين يديك ، ولك وإليك ، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت " . قال : فذلك المقام المحمود الذي ذكر الله جل ذكره . وعن ابن عباس أنه قال : بلغنا أنه إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار بقيت آخر زمرة من زمرة الجنة وآخر زمرة من زمر النار ، فتقول زمرة النار لزمرة الجنة : أما نحن فحسبنا ما علم الله [ عز وجل ] في قلوبنا من الشك والتكذيب فما ينفعكم إيمانكم فإذا قالوا لهم ذلك دعوا ربهم [ عز وجل ] وصاحوا بأعلى أصواتهم ، فيسمع أهل الجنة أصواتهم فيسألون آدم الشفاعة لهم . فيأبى عليهم . ثم يمضون من نبي إلى نبي فكلهم يعتذر حتى يأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم [ فيشفع لهم ] فذلك المقام المحمود وحديث الشفاعة مختلف الألفاظ طويل ذكرنا منه ما يليق بالكتاب . وعن مجاهد من رواية ليث ، عنه أنه قال : المقام المحمود يجلسه معه على عرشه . و [ عن ] النبي عليه السلام في قوله : " مقاماً محموداً " أنه قال : " هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي " رواه أبو هريرة عنه . وروى كعب بن مالك أن النبي عليه السلام قال : " يحشر الناس يوم القيامة [ فأكون أنا وأمتي ] على تل فيكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول ، فذلك المقام المحمود " . قال عبد الله بن عمر : أن النبي عليه السلام قال : " إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم فيقول : لست / بصاحب ذلك . ثم بموسى فيقول : كذلك . ثم بمحمد فيمشي بين الخلق حتى يأخذ بحلقة الجنة فيومئذ يبعثه الله المقام المحمود " . وروي : عن عبد الله بن سلام أنه قال : " إن محمداً عليه السلام يوم القيامة على كرسي للرب بين [ يدي ] الرب جل وعز . فهذا قول مجاهد . وقيل المقام المحمود : هو المقام الذي يحمده فيه الأولون والآخرون يشرف فيه على جميع الخلائق : يسأل فيعطى ويشفع ، ليس أحد يوم القيامة إلا تحت لواء محمد صلى الله عليه وسلم . ثم قال تعالى : { وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ [ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ ] } . يعني : مدخله المدينة حين هاجر إليها وخروجه من مكة . قال ذلك : ابن عباس والحسن وقتادة وابن زيد . ودل على هذا ما تقدم من قوله : { وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ ٱلأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا } [ الإسراء : 76 ] . وعن ابن عباس أيضاً : { أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } أمتني إماتة صدق وأخرجني بعد الممات مخرج صدق . وقال مجاهد : يعني به : أدخلني فيما أرسلتني به مدخل صدق ، وأخرجني مخرج صدق من الدنيا . وعن الحسن أيضاً : { أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ } الجنة ، وأخرجني مخرج صدق مكة . وقال الضحاك : معناه أخرجني من مكة آمناً ، وأدخلني إياها آمناً وهو يوم الفتح . وقال أبو صالح : { مُدْخَلَ صِدْقٍ } الإسلام . وقيل معناه : أدخلني مكة بالعز والقوة والقدرة والحجة على جميع من خلقت وأخرجني من مكة إلى المدينة لا ألقى إلا مؤمناً ومجيباً . ومعنى { مُدْخَلَ صِدْقٍ } : [ مدخل ] سلامة وحسن عاقبة . فجعل الصدق موضع الأشياء الجميلة . ثم قال تعالى : { وَٱجْعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً } . أي : حجة تنصرني بها على من ناوأني ، وعزاً أقيم به دينك ، وملكاً تقوى به أمتي . قاله : الحسن ، قال : يوعده الله [ عز وجل ] لننزعن ملك فارس عن فارس ولنجعلنه لك ، وعن الروم ولنجعلنه لك ، أي لأمتك . وقيل معناه : حجة بينة ، قاله مجاهد . قال ابن زيد : نصيراً ينصرني .