Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 85-87)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } إلى قوله { [ كَانَ ] عَلَيْكَ كَبِيراً } . المعنى : ويسألك يا محمد ، كفار أهل الكتاب عن الروح ، قل لهم يا محمد الروح من أمر ربي . قال ابن مسعود : كنت مع النبي في حرث بالمدينة ، ومعه عسيب يتوكأ عليه . فمر بقوم من اليهود فقال بعضهم : سلوه عن الروح . وقال بعضهم : لا تسألوه . فسألوه عن الروح ، فقام متوكئأ على عسيبه فقمت خلفه ، فظننت أنه يوحى إليه . فقال : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } . فقال بعضهم : ألم أقل لا تسألوه . وقال عكرمة : سأل أهل الكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح فأنزل الله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } الآية . فقالوا : أتزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلاً وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة { وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً } [ البقرة : 269 ] فنزلت : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ [ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ] } [ لقمان : 27 ] الآية . وقال قتادة : لقيت اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فعنتوه وقالوا : إن كنت نبيأً فستعلم ذلك . فسألوه عن الروح ، وعن أصحاب الكهف ، وعن ذي القرنين ، فأنزل الله [ عز وجل ] في ذلك كله . وعن ابن عباس : " أن اليهود قالوا : / للنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا ما الروح ؟ وكيف يعذب الروح الذي في الجسد وإنما الروح من الله عز وجل ؟ ولم يكن نزل إليه في شيء . فلم يجد إليهم فيه شيئاً . وأتاه جبريل عليه السلام فقال له : { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } . الآية فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقالوا من جاءك بهذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم جاء به جبريل من عند الله [ عز وجل ] . فقالوا والله ما قاله لك إلا عدونا فأنزل الله [ عز وجل ] { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ } " . وقال بعض أهل العلم : علم الله [ عز وجل ] أن الأصلح ألا يخبرهم ما هو لأن اليهود قالت لقريش في كتابها أنه إن فسر لكم ما الروح فليس بنبي . وإن لم يفسره فهو نبي . وهذا القول : أولى بالآية لأن السورة مكية . وقد روى أن قريشاً اجتمعت بمكة فقال بعضهم لبعض : والله ما كان محمد كذاباً ، ولقد نشأ فينا بالصدق والأمانة فابعثوا منكم جماعة إلى يهود يثرب يسألونهم عنه . فخرجت طائفة حتى لقوا أحبار يهود ، وكانوا يومئذ ينتظرونه ويرجون نصرته . فسألهم قريش عنه : فقالت : لهم اليهود : اسألوه عن ثلاث : فإن أخبركم باثنين وأمسك عن الثالثة فهو نبي . تسألوه عن أهل الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح . فقدموا مكة وسألوه عن ذلك . وقيل : أنهم سألوه عن عيسى عليه السلام . فقيل : لهم الروح من أمر الله ، أي : هو شيء أمر الله [ عز وجل ] به وخلقه لا كما تقول النصارى . وكان ابن عباس يكتم تفسير الروح . وقال قتادة : هو جبريل عليه السلام . وعن ابن عباس : أنه ملك . وعن علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه ] إنه ملك من الملائكة له سبعون ألف وجه ، لكل وجه منها سبعون ألف لسان ، لكل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله [ عز وجل ] بتلك اللغات كلها ، يخلق من كل تسبيحة ملكاً يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة . وقيل الروح القرآن ، لقوله : { أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] . وإنما سمي القرآن روحاً لأنه حياة للقلوب والنفوس لما تصير إليه من الخير بالقرآن . وقيل إن اليهود وصوا قريشاً يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ليمتحنوا علمه وهذا أحسن ما قيل لآن السورة مكية . وقال أبو صالح : الروح خلق كخلق بني آدم وليسوا بني آدم ، لهم أيد وأرجل . ومعنى { مِنْ أَمْرِ رَبِّي } أي من الأمر الذي يعلمه دونكم . وقوله : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } . يعني الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم خاصة . وقيل عني به الخلق كلهم ولكنه غلب المخاطب على الغائب . قال عطاء : نزلت بمكة { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } فلما هاجر ، " أتى أحبار اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له : يا محمد ألم يبلغنا أنك تقول { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } أفعنيتنا أم قومك ؟ فقال : كلا قد عنيت . قالوا فإِنك تتلو / إنا قد أوتينا التوراة وفيها بيان كل شيء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هي في علم الله قليل . وقد آتاكم ما إن عملتم به انتفعتم وأنزل الله [ عز وجل ] : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ } الآية " . ثم قال : { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ } . أي لو أردنا لذهبنا بالقرآن ثم لا تجد لك بذهابه علينا قيماً ولا ناهراً يمنعنا من ذلك . قال ابن مسعود : معنى ذهابه رفعه من صدور قارئيه . وقال : تطرق الناس ريح حمراء من نحو الشام فلا يبقى منه في مصحف رجل شيء ولا في قلبه آية ، ثم قرأ الآية { وَلَئِن شِئْنَا } . وروي عنه أيضاً : أنه قال : يسري عليه ليلاً ولا يبقى منه في مصحف ولا في صدر رجل شيء . ثم قرأ : { وَلَئِن شِئْنَا } الآية . وروي عنه أنه قال : فيصبح الناس منه فقراء مثل البهائم . فيكون معنى الآية على هذا : ولئن شئنا لمحوناه من الكتب ومن الصدور حتى لا يوجد له أثر ولكن لا نشاء ذلك . رحمة من ربك وتفضلاً منه . { [ إِنَّ فَضْلَهُ ] كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً } باصطفائه إياك لرسالته ووحي كتابه وغير ذلك من نعمه . وقال ابن مسعود : أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما يبقى منه الصلاة . وإن هذا القرآن الذي بين أظهركم يوشك أن يرفع . قالوا كيف يرفع وقد أثبته الله في قلوبنا ، وأثبتناه في مصاحفنا ؟ قال يسرى عليه ليلة ويذهب بما في قلوبكم وبما في مصاحفكم ثم قرأ الآية . ومعنى : { بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً } أي : لا تجد من يمنعك من ذلك ولا من يتوكل [ لك ] برد شيء منه . وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته .