Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 109-110)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي } إلى آخر السورة . والمعنى ، قل يا محمد لهؤلاء الكافرين بك ، السائلين عن المسائل ، لو كان ماء البحر مداداً للقلم الذي يكتب به كلمات ربي لنفد ماء البحر قبل أن تنفد كلمات ربي . ثم قال : { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } . أي : لو مددنا البحر بمثل ما فيه من الماء ، ما فرغت كلمات ربي ، والمدد الزيادة والمعونة ، يقول جئتك مدداً لكم ، أي زيادة ومنه قيل لما يكتب به مِداد : لأنه يمد الكاتب شيئاً بعد شيء . والمداد جمع واحدته مدادة . ويجوز أن يكون المداد مصدر مد . وقرأ ابن عباس { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } على معنى ولو زدنا مثل ما فيه من المدد الذي يكتب به مداداً . ثم قال : { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } . أي : قل لهؤلاء المشركين ، إنما أنا إنسان مثلكم من بني آدم ، لا علم لي إلا ما علمني الله ، يوحي إلي إنما معبودكم معبود واحد لا ثاني له . قوله : { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ } . أي : يخاف لقاء ربه يوم القيامة ويخاف عقابه { فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً } فليخلص العبادة لله ويعمل بطاعته ، قال : ابن جبير : { يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ } أي لقاء ثواب ربه . فعلى قول ابن جبير يرجو بمعنى ينظر ويطمع ويوقن وعلى القول الأول يرجو بمعنى يخاف كقوله : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [ نوح : 13 ] أي لا تخافون لله عظمة كقوله { قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } [ يونس : 15 ] أي لا يخافون . ويحتمل أن يكون { لاَ يَرْجُونَ } لا ينتظرون ولا يوقنون بلقائنا . وقد فسر أكثر الناس ترجو بمعنى تطمع . وقال : مقاتل في قوله : { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ } أي يخشى لقاء ربه ، ويخشى بمعنى يخاف ، وقال : الفراء وغيره من الكوفيين لا يكون الرجاء بمعنى الخوف إلاّ مع الجحد . كقولك ما رجوت ولم أرج ولا أرجو . وقال : ابن المبارك : { يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ } هو النظر إلى الله جل ذكره . فالرجاء في هذا بمعنى الطمع ، وذكر الزجاج وغيره الرجاء بمعنى الخوف ، فلا جحد معه . وأصل الرجاء وبابه أن يأتي بمعنى الطمع الذي يقرب من اليقين ، يقع بمعنى الخوف على ما ذكرنا من الاختلاف والمعنيان متداخلان لأن من أيقن وطمع بلقاء ربه وثوابه خاف عقابه . ولا يخاف عقاب ربه إلا من طمع وأيقن بلقاء ثواب ربه . وكل واحد من المعنيين مرتبط بالآخر على ما ترى . ثم قال : { وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً } . أي : لا يعبد معه غيره / . وقيل : لا يراني بعمله الذي يعمله لله أحداً . وسأل رجل عبادة بن الصامت رحمه الله وقال : أرأيت رجلاً يصلي يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد ؟ ويتصدق ويبتغي وجه الله ، ويحب أن يحمد ؟ ويحج ويبتغي وجه الله ، ويحب أن يحمد ؟ فقال : عبادة : ليس له شيء . إن الله عز وجل يقول أنا خير شريك . فمن كان له معي شريك فهو له كله لا حاجة لي فيه . وروى طاوس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله إني أحب الجهاد في سبيل الله وأحب أن يرى موطني ويرى مكاني . فأنزل الله عز وجل : { فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ } الآية ، وقال : سفيان رضي الله عنه : الشرك هنا الرياء . وقال : معاوية بن أبي سفيان على المنبر وقد قرأ هذه الآية : إنها آخر آية نزلت من القرآن ، يعني والله أعلم بمكة لأن السورة مكية . وقال : الحسن رحمه الله : نزلت هذه الآية في المؤمنين ، والشرك الرياء . وقال : ابن عباس : هي في المشركين . أي لا يعبد مع الله احداً . والرياء إنما يكون في التطوع فأما في الفرائض فقد استوى الناس فيها فليس فيها رياء . وقال : بكر القاضي : سمعت سهل بن عبد الله الزاهد يقول : الرياء في أهل القدر ، لأنهم يعتقدون أن أعمالهم من أنفسهم واستطاعتهم . فأما أهل السنة فيعتقدون في أعمال البر كلها أنها من فضل الله عليهم ولولا ذلك ما قدروا عليها . فليس يكون الرياء فيهم إلا خاطراً لا يبطل بما يعتقدوه . فلا رياء يصح عليهم إن شاء الله . وصلى الله على محمد نبيه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرياته وسلم تسليماً .