Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 48-50)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَعُرِضُواْ عَلَىٰ رَبِّكَ صَفَّاً } إلى قوله : { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } . أي وعرض الخلق صفاً أي ظاهرة ترى جماعتهم كما ترى كل واحد منهم ، لا يسترهم شيء . { لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } . أي أحياء كهيئتكم حين خلقناكم أول مرة ، يحشرون حفاة عراة غرلاً . وغرل جمع أغرل وهو الأقلف . والمعنى يقال : لهم يوم القيامة إذا عرضوا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة . ثم قال : [ تعالى ] : { بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِداً } . هذا خصوص للمنكرين البعث يقال : لهم بل زعمتم أن لن تبعثوا . ثم قال : [ تعالى ] : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } . في هذا الكلام اختصار وحذف . والتقدير ووضع الكتاب الذي فيه عمل [ كل ] امرئ أي وضع الكتاب في يد كل امرئ في يمينه أو في شماله . { فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } . أي : ترى المشركين [ بالله ] خائفين وجلين مما فيه من أعمالهم السيئة { وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا } أي يقولون إذا قرءوا كتاب أعمالهم ورأوا ما كتب عليهم من كبائر ذنوبهم ومغائرها { يٰوَيْلَتَنَا } دعوا بالويل لما أيقنوا بالعذاب . وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : لكعب : ويحك يا كعب حدثنا من حديث يوم القيامة ، فقال : نعم يا أمير المؤمنين إذا كان يوم القيامة رفع اللوح المحفوظ ، فلا يبقى أحد إلا وهو ينظر إلى عمله فيه . ثم يؤتى بالصحف التي فيها أعمال العباد فتنشر حول العرش فذلك قوله : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يٰوَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا } لما رأوا ما رأوا ولم يقدروا أن ينكروا منها شيئاً . قال : قتادة : اشتكى القوم كما تسمعون الإحصاء ولم يشتك أحد منهم ظلماً ، فإياكم والمحقرات من الذنوب فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه . وروي عن ابن عباس أن الصغيرة التبسم ، والكبيرة الضحك . وقيل : الصغيرة ما دون الشرك والكبيرة الشرك . وقوله : { إِلاَّ أَحْصَاهَا } أي إلاّ حفظها الكتاب وأثبتت فيه . وقال : أحصاها على معنى أحصاهما ، وعلى معنى / أحصى كل واحد منهما . وقيل المعنى : لا يغادر صغيرة إلا أحصاها ولا كبيرة إلا أحصاها ، لكن حذفت إحدى الجملتين لدلالة الأخرى عليها اختصاراً وإ [ يـ ] ـجازاً . ثم قال : { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً } . أي : ما عملوا في الدنيا من عمل حاضراً في كتابهم مكتوباً مبيناً . { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } . أي : لا يجازي ربك يا محمد أحداً بغير ما هو أهله ، أي لا يجازي بالإحسان إلا أهل الإحسان ، ولا بالسيئات إلا أهل السيئة . وتحقيقه : لا يضع ربك العقوبة إلا في موضعها لأن الظلم في اللغة وضع الشيء في غير موضعه . ثم قال : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ } . أي : واذكر يا محمد إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ترك السجود حسداً لآدم . وقوله : { كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ } أي : من الملائكة الذين يقال : لهم الجن . وقيل كان من خزان الجنة فنسب إليها . وقيل : كان من الجن الذين استخفوا عن أعين الناس أي استتروا . وقال : ابن عباس كان اسم إبليس قبل أن يركب المعصية عزازيل . وكان من الملائكة من سكان الأرض من أشد الملائكة عبادة واجتهاداً فدعاه الكبر إلى ترك السجود وكان من حي يسمون جنا . وعنه أيضاً أنه قال : كان إبليس من حي من أحياء الملائكة يقال : لهم الجن خلقوا من نار السموم من بين الملائكة . وكان اسمه الحرث ، وكان خازناً من خزان الجنة ، قال : وخلقت الملائكة من [ نور ] غير هذا الحي وخلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار السموم وهي لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت . وقال : ابن المسيب : كان إبليس رئيس الملائكة ، ملائكة سماء الدنيا . وعن ابن عباس كان إبليس من خزان الجنة ، وكان يدير أمر سماء الدنيا . وعنه كان إبليس من أشراف الملائكة و [ أ ] كرمهم قبيلة وكان خازناً على الجنان ، وكان له سلطان السماء الدنيا ، وكان له سلطان الأرض . وكان فيما قضى الله عز وجل أنه رأى أن له بذلك شرفاً وعظمة على أهل السماء فوقع في قلبه من ذلك كبر لا يعلمه إلا الله [ عز وجل ] فلما كان عند السجود ، حين أمر أن يسجد لآدم [ صلى الله عليه وسلم ] استخرج الله عز وجل كبره عند السجود فلعنه وأخره إلى يوم الدين . وعن ابن عباس أنه قال : إن الملائكة قبيلة من الجن وكان إبليس منها ، وكان يسوس ما بين السماء والأرض فعصى ، فسخط الله [ عز وجل ] عليه فمسخه شيطاناً رجيماً لعنه الله ممسوخاً . وقال : إذا كانت خطيئة الرجل في كِبْر فلا ترجه ، وإن كانت خطيئته في معصية فارجه . وكانت خطيئة آدم [ صلى الله عليه وسلم ] في معصية وخطيئة إبليس في كبر . وقال : ابن عباس : لو لم يكن من الملائكة لم يؤمر بالسجود . وقال : قتادة إنما سمي من الجن لأنه جن عن طاعة ربه . يريد أنه استتر عنها فلم يفعلها . وقال : الحسن : ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وأنه لأصل للجن ، كما أن آدم [ صلى الله عليه وسلم ] أصل للإنسان . وقال : ابن / جبير : كان من الجنانين الذين يعملون في الجنان فلذلك قال : { [ كَانَ ] مِنَ ٱلْجِنِّ } . فمن جعله ليس من الملائكة ينقض قوله قول الله [ عز وجل ] { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمََ } لم يأمر غير الملائكة . وقال : من أجاز ذلك : إن معنى أن الله أمره مع الملائكة بالسجود فاستثني ، فهو استثناء ليس من الأول . ثم قال : { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } . أي : فعدل عن أمر ربه وخرج عنه ، والفسق العدول والخروج عن الاستقامة . وقال : قطرب معناه ففسق عن [ رده ] أمر ربه [ عز وجل ] . والمعنى عند الخليل وسيبويه أتاه الفسق لما أمر فعصى . وكان سبب فسقه الأمر بالسجود . ثم قال : { أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ } . أي : فتوالون يا بني آدم من استكبر على أبيكم وأغواه حتى أخرجه من الجنة فكان ذلك سبب خروجكم منها . وتتركون طاعة ربكم الذي أنعم عليكم وأسجد ملائكته لأبيكم آدم [ صلى الله عليه وسلم ] . وذرية إبليس هم الشياطين الذين يغوون بني آدم . ثم قال : { بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً } . أي : بيس ما استبدل الظالمون من طاعة الله [ عز وجل ] طاعة ابليس .