Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 51-54)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } إلى قوله : { أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } . أي : ما أشهدت إبليس وذريته { خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، أي ما أحضرتهم ذلك فاستعين بهم على خلقهما . { وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ } . أي : ولا أحضرت بعضاً منهم خلق بعض فأستعين به على ذلك . بل هو منفرد بخلق جميع ذلك بغير معين ولا ظهير . وقيل معنى : { مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } : أي لم يكونوا موجودين إذ خلقتهما . ثم قال : { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } . أي : وما كنت متخذ من لا يهدي إلى الحق أعواناً وأنصاراً وهو من قولهم فلان يعضد [ فلاناً ] إذا نصره وأعانه وقواه . وقرأ أبو جعفر وعاصم الجحدري : " وما كنتَ " بفتح التاء على المخاطبة للنبي عليه السلام . أي لست يا محمد متخذاً المضلين أنصاراً . وفي عضد ستة أوجه وعَضُد وعَضْد وعُضُد بضمتين وبه قرأ الحسن . وحكى هارون القارى " عَضِدٌ " . ويجوز عند أبي إسحاق عُضْداً على قراءة الحسن بسكون الأوسط . والسادس عُضْداً على لغة من قال : كِتْف في كتف . ثم قال : { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ } أي : نقول للمشركين نادوا الآلهة والأنداد التي عبدتموها ، وجعلتموها شركاء لله ووعدتم أنفسكم بنصرتها لكم من عذاب الله . { فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ } : أي : فاستغاثوا بها ولم تغثهم . ثم قال : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } . أي جعلنا بين المشركين ، وما كانوا يعبدون في الدنيا عداوة يوم القيامة ، قاله الحسن . وقال : ابن عباس معنى : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً } الموبق المهلك الذي أهلك بعضهم بعضاً . كأنه جعل فعلهم ذلك لهم مهلكاً . فـ " بين " اسم على هذا القول لأظرف ، وانتصابه انتصاب / المفعول بجعل . قال : الضحاك : موبقاً هلاكاً . وقال : مجاهد : موبقاً واد في جهنم . وقال : عبد لله بن عمرو : يفرق يوم القيامة بين أهل الهدى والضلالة بواد عميق وهو الموبق . وقال : أبو عبيدة : موبقاً موعداً . وأحسن الأقوال ، قول من قال : الموبق المهلك والهلاك . لأن العرب تقول : وبقَ يَبِق : إذا هلك . [ ومنه ] قوله : { [ أَوْ يُو ] بِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } [ الشورى : 34 ] أي : يهلكهن . فالمعنى وجعلنا تواصلهم في الدنيا مهلكاً لهم في الآخرة . وقد يسمى الوادي موبقاً لأنه يهلك فيه . فـ " بين " على هذا اسم لا ظرف ، وانتصابه بجعلنا انتصاب المفعولات لا انتصاب الظروف ، ومن جعله وادياً فهو ظرف ، وكذلك على قول موبقاً عداوة وموعداً . وروى أبان عن عكرمة أنه قال : [ " موبقاً " ] نهر في النار يسيل ناراً ، على حافتيه حيات كالبغال الدهم ، فإذا ثارت إليهم لتأخذهم استغاثوا بالاقتحام في النار منها ، أعاذنا الله من النار . ثم قال : [ تعالى ] : { وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا } . أي عاين المجرمون النار يوم القيامة فأيقنوا بأنهم داخلوها . روى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة " . ثم قال : { وَلَمْ يَجِدُواْ عَنْهَا مَصْرِفاً } . أي : [ و ] لم يجدوا عن النار معدلاً إلى غيرها . ثم قال : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } . أي : ولقد مثلنا في هذا القرآن [ للناس ] من كل مثل فيه موعظة وحجة ليتعظوا ويتذكروا فينيبوا ويزدجروا عمّا هم فيه من الكفر { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } ، أي خصومة لا ينيب لحق ولا ينزجر لموعظة . [ و ] الإنسان هذا الكافر ، دل عليه قوله { وَيُجَٰدِلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلْبَٰطِلِ لِيُدْحِضُواْ بِهِ ٱلْحَقَّ } [ الكهف : 56 ] وإنما قيل : { وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ } . لأن إبليس أيضاً قد جادل والجن تجادل . والمعنى : وكان الإنسان أكثر هذه الأشياء جدلاً .