Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 88-96)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } إلى قوله : { سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } . معناه : وقال هؤلاء الكفار بالله : اتخذ الرحمن ولداً ، فقال لهم جلّ ذكره : { لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً } . أي : عظيماً . أي : قلتم قولاً عظيماً . قاله : ابن عباس ومجاهد وقتادة . ويقال : أد واد واد على فاعل بمعنى واحد . ثم قال تعالى : { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } . أي : يتشققن مما قلتم . { وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ } أي : تتصدع . { وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً } أي : يسقط بعضها على بعض سقوطاً . وقال ابن عباس : " هداً " هدماً . والهد الأنقاض . وقال ابن عباس : إن الشرك فزعت منه السماوات ، والأرض ، والجبال ، وجميع الخلائق ، إلا الثقلين ، وكدن أن يزلن منه لعظمة الله . وكما لا ينفع مع الشرك إحسان المشرك كذلك نرجو أن يغفر الله ذنوب الموحدين مع التوحيد . قال القرظي : لقد كاد عباد الله أن يقيموا علينا الساعة . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لقنوا موتاكم شهادة أن لا إله إلا الله . من قالها عند موته وجبت له الجنة ، قالوا : يا رسول الله ، فمن قالها في صحته ؟ قال : تلك أوجب وأوجب . ثم قال : والذي نفسي بيده ، لو جيء بالسماوات والأرض وما فيهن وما بينهن ، وما تحتهن ، فوضعن في كفة الميزان ، ووضعت شهادة أن لا إله إلا الله في الكفة الأخرى ، لرجحت بهن " . قال كعب : غضبت الملائكة ، واستعرت جهنم حين قالوا ما قالوا . ثم قال تعالى جل ثناؤه : { أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } . أي : من أجل أنهم جعلوا له ولداً . قال أبو ذؤيب : " دعوا " بمعنى " جعلوا . ثم قال تعالى : { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } . أي ما يصلح له أن يتخذ ولداً ، لأن كل ولد يشبه أباه ، والله لا يشبهه شيء . ثم قال : { إِن كُلُّ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ آتِي ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } . أي : إلا هو عبد لله ، خاضعاً ، ذليلاً . وهذه الآية تدل على أن الرجل لا يملك ، ولده ، فإذا صار إليه بشراء أو إرث أو هدية عتق عليه ، إن شاء أو أبى . ومعنى : { وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } أن الرحمن لا شبيه له ، والولد يشبه والده ومن جنسه يكون . فلو كان له ولد لأشبهه ، ولكان من جنسه ، وهو لا شبيه له ولا مثل ، فهذا أمر لا يتمكن ، ولا ينبغي أن يكون ، فهو مستحيل ممتنع سبحانه لا إله إلا هو . ثم قال : { لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً } . أي : علمهم ، وعدهم أجمعين ، فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم { وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَرْداً } . أي : جميع الخلائق يعرضون على الله يوم القيامة منفردين ، لا ناصر لأحد منهم ، فيقضي الله فيهم ما هو قاض . ثم قال تعالى ذكره : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } . أي : إن الذين صدقوا الله ورسله ، وعملوا بما أمرهم ، وانتهوا عما نهاهم ، سيجعل لهم / الرحمن في الدنيا في صدور عباده المؤمنين محبة ، قاله ابن عباس . وقال مجاهد : يحبهم ويحببهم إلى المؤمنين ، وكذا قال ابن جبير عن ابن عباس . وكان هرم بن حيان يقول : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل ، إلا أقبل الله تعالى بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ومحبتهم . وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول : " ما من الناس أحد يبذل خيراً أو شراً ، إلا كساه الله رداء عمله . ويروى أن هذه الآية نزلت في عبد الرحمن بن عوف ، وذلك أنه لما هاجر إلى المدينة ، وجد في نفسه على فراق أصحابه بمكة ، فأنزل الله جل وعز ، الآية يعزّيه بها ويخبره أنه سيحدث له في قلوب المؤمنين الذين هاجر إليهم محبة . وقيل : إن الله تعالى جعل [ له ] في قلوب المؤمنين محبة ، فلا ترى مؤمناً إلا يحبه .