Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 81-87)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً } . إلى قوله : { عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } . المعنى : واتخذ هؤلاء المشركون من دون الله آلهة يعبدونها ، لتكون لهم منعة من عذاب الله . ومعنى " كلا " أي : ليس الأمر على ذلك ، لا تمنعهم من عذاب الله . ثم قال : { سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ } . أي : ستجحد الآلهة يوم القيامة عبادتهم لها . وهو قوله تعالى : { تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ } [ القصص : 63 ] فتبرؤها منهم هو جحدها لعبادتهم إياها . ثم قال : { وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } . قال ابن عباس : " ضداً " : أعوانا . يعين على عذابهم . وقال مجاهد : عوناً عليهم ، تخاصمهم وتكذبهم . قال قتادة : " ضداً " قرناء في النار ، يلعن بعضهم بعضاً ، ويتبرأ بعضهم من بعض . وقال الضحاك : " ضداً " أعداء . وقال ابن زيد : معناه : ويكونون عليهم بلاء . وقيل : معناه أن آلهتهم التي عبدوها من دون الله [ يوم القيامة ] تلعنهم وتدعو عليهم ، لأنهم عبدوا الملائكة ، فهي تلعنهم وتتبرأ منهم . وقيل : بل هي الأصنام يحييها الله تعالى [ لهم ] يوم القيامة لتوبخهم وتكذبهم . " والضد " في كلام العرب " المخالف " . ووحد " ضد لأنه في معنى عوناً . وعون مصدر ، فلذلك لم يجمع . ثم قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً } . أي : تزعجهم على المعاصي ، وتقودهم إليها قياداً ، وتغويهم بها . وقال ابن عباس : تغويهم أغواء . وقال ابن زيد : تشليهم إشلاء على المعاصي . ومنه أزيز القدر ، وهو صوت غليانها . وهذا يؤكد تحقيق القدر . ثم قال تعالى : { فَلاَ تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً } أي : فلا تعجل يا محمد ، على هؤلاء الكافرين بطلب العذاب لهم والهلاك ، إنما نعد أعمالهم وأنفاسهم لنجازيهم على جميعها ولم نترك تعجيل هلاكهم لخير نريده بهم ، ولكن ليزدادوا إثماً . قال ابن عباس : " إنما نعد لهم عداً " يعني نعد أنفاسهم في الدنيا كما نعد سنيهم وآجالهم . ثم قال تعالى : / { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } . التقدير : إنما نعد أعمالهم لنجازيهم عليها يوم نحشر المتقين . فالعامل في " يوم " ما دل عليه الكلام الأول وهو " نجازيهم " يوم كذا . ومعنى الآية : يوم يجمع الله الذين اتقوا في الدنيا ، وخافوا عقابه إلى جزاء الرحمن ووعده . " وفداً " هو بمعنى جمع وافد ، ونصبه على الحال ، ووحد لأنه مصدر ، " والوفد " : الركبان . قال علي رضي الله عنه : اما والله ما يحشر الوفد على أرجلهم ، ولا يساقون سوقاً ، ولكنهم يوتون بنوق ، ولم تر الخلائق مثلها ، عليها رحال الذهب ، أزمتها الزبرجد ، فيركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة . وقال أبو هريرة : " وفداً " على الإبل . وروى محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يبعث الله الأنبياء يوم القيامة إذا حشروا ، على الدواب ، ويبعث صالح نبي الله على ناقته ، حتى يوافوا بالمؤمنين من أصحابهم المحشر ، ويبعث أبنائي الحسن والحسين على ناقتي العضباء والقصواء وأبعث أنا على البراق ، وخطوها عند أقصى طرفها . ويبعث بلال على ناقة من نوق الجنة ، ينادي بالأذان ، غضا ، حتى إذا بلغ . أشهد أن محمداً رسول الله ، شهد بها جميع الخلائق من المؤمنين والكافرين ، فيقبل ذلك من المؤمنين ، ويرد على غيرهم من أهل الشك والتكذيب " . وقيل : معنى " وفداً " أي : وافدين على ما تحبون . من كان يحب ركوب الخيل ، وفد على الله على خيل لا تروث ، ولا تبول ، لجمها من الياقوت الأحمر ، ومن الزبرجد الأخضر ومن الدر الأبيض ، وسرجها من السندس والاستبرق . ومن كان يحب الإبل ، فعلى نجائب لا تبعر ولا تبول ، أزمتها الياقوت والزبرجد ، ومن كان يحب السفن ، فعلى سفن من زبرجد أخضر ، وأمواج مثل ما بين السماء والأرض قد أمنوا الغرق والأهوال . وروى عمرو بن قيس الملائي أن المؤمن إذا خرج من قبره ، استقبله أحسن صورة وأطيبه ريحاً . فيقول : هل تعرفني ؟ فيقول : لا ، إلا أن الله عز وجل قد طيب ريحك ، وحسن صورتك ، فيقول : كذلك كنت في الدنيا ، أنا عملك الصالح ، طالما ركبتك ، فاركبني أنت اليوم ، وتلا { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } . قال قتادة : " وفداً " إلى الجنة . وقال ابن جريج : على النجائب . وقال الثوري : على الإبل والنوق . وفي هذا الخبر إيماء إلى الجزاء والثواب ، لأن الوفد هم الواردون على الملوك ، المنتظرون العطاء والبر والإكرام منهم . ورويَ أن المؤمن يستقبله عند خروجه من قبره أحسن صورة رآها وأطيبه ريحاً ، فيقول : من أنت ؟ فيقول : أما تعرفني ؟ فيقول لا ، إلا أن الله تبارك وتعالى [ قد ] طيب ريحك ، وحسن وجهك ، فيقول : أنا عملك الصالح ، هكذا كنت في الدنيا حسن العمل ، طيبه ، فطالما ركبتك في الدنيا ، فهلّم اركبني ، فيركبه . فذلك قوله تعالى : { يَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } قال : ويستقبل الكافر أو قال الفاجر عند خروجه من قبره أقبح صورة رآها ، وأنتنها ريحاً فيقول : من أنت ؟ فيقول : أما تعرفني ؟ فيقول : لا ، إلا أن الله تبارك وتعالى قد قبح وجهك ، وأنتن ريحك . فيقول : أنا عملك الخبيث ، هكذا كنت في الدنيا خبيث العمل منتنه ، فطالما ركبتني في الدنيا فهلمّ أركبك ، فيركبه ، فذلك قوله تعالى : { وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ } [ الأنعام : 31 ] . ثم قال تعالى ذكره : { وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } . أي : عطاشاً ، قاله ابن عباس وأبو هريرة والحسن وقتادة والثوري . فيكون تقديره : ذي ورد يقال للواردين الماء ورد وروداً ، مصدر وصف به الجمع ، فلذلك لم يجمع . وروى المقدام بن معد يكرب : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يحشر المؤمنون يوم القيامة فيحشر السقط إلى الشيخ الفاني أبناء ثلاث وثلاثين سنة ، في مثل خلق آدم ، وحسن يوسف وقلب أيوب ، مرداء مكحلين ، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكافر فقال : يعظم للنار حتى يصير غلظ جلده أربعون ذراعاً وحتى يصير ناب من أنيابه مثل أحد " . ثم قال تعالى { لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً } . أي : لا يملك أحد من المجرمين الشفاعة لأحد ، لكن من اتخذ عند الرحمن عهداً بالإيمان ، فإنه يملك الشفاعة . فـ " من " في موضع نصب على الاستثناء المنقطع . وقيل : هي في موضع رفع على البدل من الضمير في " يملكون " . فيكون التقدير : لا يملك الشفاعة إلا المؤمنون ، فإنهم يشفعون . وقيل : التقدير : لا يملك أحد من المتقين الشفاعة إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهداً ، أي : من آمن في الدنيا ، فلما حذفت اللام ، صارت " من " في موضع نصب . وقال ابن عباس : " العهد " شهادة أن لا إله إلا الله ، ويتبرأ إلى الله من الحول والقوة ، ولا يرجو إلا الله . وقال ابن جريج : " عهد " عمل صالح . وقال الليث : " العهد " حفظ كتاب الله . وقال مقاتل : " عهدا " صلاة . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الشهيد ليشفع في سبعين من أهل بيته " . وأنه قال : " إن من أمتي رجلاً ليدخلن الله بشفاعته الجنة أكثر من بني تميم " . وقال صلى الله عليه وسلم : " إن شفاعتي لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً " . فيكون قوله : " لا يملكون " … وما بعده . في موضع نصب حال من المجرمين ، أو من المتقين .