Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 106-107)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } . أي : من حكم آية ، قرأ ابن عامر : ما نُنسِخْ - بضم النون الأولى وكسر السين ، بمعنى : " ننسخك " . قال أبو غانم : " يقال : نسخته وأنسخته مثل قبرته وأقبرته ، [ فقبرته دفنته ، وأقبرته جعلت له ] قبراً " . قوله : { أَوْ نُنسِهَا } . من ضم / النون الأولى وَكَسَر السين ، فمعناه : نتركها لا نبدلها . وهو مروي عن ابن عباس على معنى : نأمرك بتركها . ويلزم على هذا المعنى فتح النون ليصح معنى الترك إذ هو غير معروف في اللغة : أَنْسَيْتُ الشيء تركته ، إنما يقال : " نسيت " ، كما قال { نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] ، أي : تركوه فتركهم . / وهذا إنما يصح على قراءة من قرأ " نَنْسِهَا " بالفتح . والصواب في معنى : " نُنْسِها " بضم النون أن يكون من النسيان على معنى : " ننسكها " يا محمد فتذهب من حفظك " . وعن ابن عباس أن في الآية : [ تقديماً وتأخيراً ] ، والتقدير : ما نبدل من حكم آية نأت بخير منها أي بأنفع منها لكم أو مثلها . ثم قال : { أَوْ نُنسِهَا } أي نؤخرها فلا ننسخها ولا نبدلها . وقيل : معناه : نأمرك بتركها كأنه : " أو ننسكها " ، أي : نجعلك تتركها . وقيل : معناه : ننسكها من النسيان أي : نزيل ذكرها من قلبك فلا تذكرها . والفرق بين إباحة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم النسخ ، وبين إباحته الترك ، أن النسخ أن تنسخ آية / بآية أخرى كنسخ قوله : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [ البقرة : 185 ] لقوله : { وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ البقرة : 184 ] . والترك هو ترك الآية من غير آية تنسخها كإباحة الله / للمؤمنين ترك امتحان من أتاهم بعد أن قال : { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ } [ الممتحنة : 10 ] . فأما قراءة من قرأ " نَنْسَأَهَا " بالهمز ، فمعناه أو نؤخرها فلا ننزلها البتة . وقيل : معناه نؤخرها بعد إنزالها وتلاوتها فلا تتلى . وقيل : معناه نؤخر العمل بها [ وننسخه ويبقى لفظه متلواً غير معمول ] به . ولكل واحد من هذه المعاني أمثلة في كتاب الله عز وجل قد بيناها في كتاب : " الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه " . فالنسخ يكون فيما نزل ، والنَّسْءُ فيما لم ينزل فيؤخر . يقال : " نسَّأَ الله في أجلك وأَنسأَ " أي : أخر فيه . وقيل : معنى هذا القول : ما ننسخ من آية من اللوح المحفوظ فننزلها على محمد صلى الله عليه وسلم " أو ننسأها " أي نؤخرها في اللوح فلا ننزلها ، فالمنسوخ جميع القرآن ، والمنسوء ما أخر ، فلم ينزل هذا على هذا التأويل . وفيها قول ثان : وهو أن يكون معناه : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } أي : نرفعها ، " أو ننسأها " : أي نؤخرها فلا نرفعها . وفيها قول ثالث : وهو أن يكون " ننسأها " [ معناه نؤخرها عن ] التلاوة ويبقى الحكم بها نحو آية الرجم . وفيها قول رابع : وهو أن يكون " ننسأها " معناه نؤخره إلى وقت ما ، نحو ما روي في قوله ، { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } [ المائدة : 105 ] . وقرأ الضحاك بن مزاحم " أو تُنْسَها " - بالتاء مضمومة وفتح السين - على ما لم يُسَمَّ فاعله ، أي : " ينسكها الله أو الشيطان " بدلالة قوله : { وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ } [ الأنعام : 68 ] . / وقوله : { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا } . معناه عند أبي إسحاق وقطرب : / " نأت منها بخير " وهو غلط عند النحويين . لأن من حقها أن تكون بعد " أفعل " لا قبله " وخير " أفعل فإن جعلت " خيرا " فعلاً الذي هو ضد الشر ، ولم تجعله أفعل ، جاز ذلك . وقيل : المعنى : نأت بخير منها لكم ، إما في تخفيف وإما في زيادة أجر في الآخرة . وقيل : معنى { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا } أي : بأنفع لكم منها في زيادة الأجر إذا صح من الأصل إذا [ عملتم بها ] . وقوله : { أَوْ مِثْلِهَا } . أي : مثلها في الآخرة ، لكنها أحب إليكم من المنسوخة نحو نسخ القبلة إلى بيت المقدس ، نسخت بالتوجه إلى الكعبة فهي مثلها ، وهو أحب إليهم من بيت المقدس فلذلك قال : { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } [ البقرة : 144 ] . فنسخت القبلة بمثلها ، والناسخة أحب إليهم من المنسوخة . وقيل : المعنى نأت بأنفع لكم منها في الوقت الثاني ، وأصلح لِحَالِكُم في النفع وصلاح الحال . وقال السدي وغيره : " { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا } أي : من التي نسخنا ، { أَوْ مِثْلِهَا } : أي : مثل التي تركنا فلم ننزلها " . وقيل : بخير من هذه أو هذه . ولا يجوز لذي علم ودين أن يتأول بهذا النص تفضيل بعض القرآن على بعض لأن القرآن كلام الله جل ذكره / ليس بمخلوق وإنما يقع التفضيل بين المخلوقات فاعلمه . قوله : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . معناه أن النبي [ عليه السلام ] قد كان عالماً بذلك فضلاً من الله عليه ، فخرج هذا الكلام مخرج التقرير على عادة العرب . تقول العرب للرجل : " ألم أكرمك ، ألم أفضل عليك " يخبره بذلك ، وينبهه عليه ، وهو عالم به . ومعناه : قد علمت ذلك ، فكذلك هذا . ومعناه : قد علمت يا محمد أن الله على كل شيء قدير وعلمت أن الله له ملك السماوات والأرض . وقال الطبري : " حرف الاستفهام في هذا داخل لمعنى الاستثبات والتنبيه لأصحاب النبي [ عليه السلام ] الذين قيل لهم : لا تقولوا راعنا . ويدل على صحة ذلك قوله بعد ذلك : { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } ، فأتى بلفظ / الجماعة . وقد قال تعالى : { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } [ الطلاق : 1 ] ، ثم قال : { إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } [ الطلاق : 1 ] . وقال : { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ } [ الأحزاب : 1 ] . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } [ الأحزاب : 1 ] . ومعنى ذلك : " أَلَمْ تعلموا أن الله قادر على تعويض ما ينسخ من أحكامه وفرائضه للتخفيف عليكم أو لزيادة أجر لكم " . وهذا كله إنما هو تنبيه لليهود على أن أحكام التوراة جائز أن [ تُنسخ على يدي ] نبي ، أو بكتاب آخر لأنهم أنكروا ما أتى به صلى الله عليه وسلم مما ليس في التوراة ، فنبهوا على أن التوراة يجوز نسخها على لسان نبي / غير موسى كما كانت التوراة ناسخة لما تقدمها من الكتب . ومعنى " يَنسخ بعض كتب الله بعضاً " : أنه إنما ينسخ بعضها بعضاً في الشرائع لا غير ، كما قال : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً } [ المائدة : 48 ] . فالدين في الكتب كلها واحد وهو التوحيد ، وهو دين الإسلام . والشرائع / مختلفة يتعبد / الله جل ذكره أهل كل كتاب بما شاء وبما أراد لا معقب لحكمه لا إله إلا هو .