Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 11-12)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } . كل النحويين على أن " إذا " ظرف زمان مستقبل . وقال المبرد : " هي في المفاجأة ظرف مكان إذا قلت : " خرجت فإذا زيد " . واستدل على ذلك بأنها قد تضمنت الجثة ، وظروف الزمان لا تتضمن الجثة ، لو قلت " اليوم زيد " لم يجز إلا على حذف مضاف تقديره / : اليوم حدوث زيد . وقال أكثر النحويين : " إذا " : في المفاجأة ظرف زمان على أصلها والتقدير : " خرجت فإذا حدوث زيد وظروف الزمان تتضمن المصادر كظروف المكان . وأصل " قيل " : " قول " فألقيت حركة الواو على القاف وانقلبت الواو ياء لسكونها / وانكسار ما قبلها . وكذلك " بِيعْ " أصله " بِيِعَ " ، فألقيت حركة الياء على الباء ، فصارت ذوات / الواو والياء بلفظ واحد ، وهي اللغة المشهورة المستعملة . ولك أن تشم القاف والياء بالضم الذي هو أصلها ، وقد قرئ به . ولك في غير القرآن أن تقول : " قُوْل " : فتسكن الواو استثقالاً للكسر عليها ، وتترك القاف على ضمتها ، وكذلك يجوز لك فيما كان عينه ياء ، نحو : " بُوع المتاع " ، فيصير ذوات الواو والباء بلفظ واحد ، كما صار في اللغة الأولى المستعملة بالياء فيهما . قوله : { لاَ تُفْسِدُواْ } . أي : لا تعبدوا إلا الله ، وعبادة غير الله من أعظم الفساد . وحكى الكسائي " اللَّرض " بتشديد اللام وعوض من الهمزة لاماً ، وإدغامها في لام التعريف . وقال الفراء في هذه اللغة : " إن لام التعريف لما ألقي عليها حركة الهمزة استكره ذلك فيها إذ أصلها السكون ، فزيد بعدها لام أخرى وأسكن الأولى فردها إلى أصلها وأدغمها في اللام المزيدة ، فرجعت لام التعريف إلى أصلها وهو السكون " . قوله : { قَالُوۤاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } . هذا قولهم على دعواهم وليسوا كذلك ، لأن من أبطن الكفر وأظهر الإيمان فهو من أعظم المفسدين . وهذا كله خبر عن المنافقين . قال مجاهد وغيره : " أربع آيات من أول سورة البقرة / نزلت في نعت المؤمنين وآيتان بعد ذلك في نعت الكافرين ، [ وثلاث عشرة ] آية بعد ذلك في نعت المنافقين . وقال مقاتل بن سليمان : " الآيتان الأوليان من سورة البقرة اللتان آخرهما { يُنْفِقُونَ } نزلتا في المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين . والآيتان اللتان آخرهما { ٱلْمُفْلِحُونَ } نزلتا في المؤمنين من أهل التوراة ، والآيتان اللتان بعدهما ، اللتان آخرهما { وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ } نزلتا في الكفار . [ وثلاث عشرة ] آية بعدهما نزلن في المنافقين من أهل الكتاب " . قوله : { نَحْنُ } . هو اسم مضمر يقع للواحد الجليل القدر ، وللاثنين وللجماعة . وحقه البناء على السكون لأنه مضمر ، والمضمرات كلها مبنية ؛ وإنما بنيت لأنها مشابهة للحروف ، إذ لا تخص شيئاً بعينه ، ولأنها تكون على حرف واحد ، وحرف واحد لا يعرب . وإنما حرك " نحن " وحقه السكون لأن قبل آخره ساكن يحرك الآخر لالتقاء الساكنين . واختير لها الضم في قول المبرد لأنها مشبهة بِـ " قَبْلُ " و " بَعْدُ " ، وذلك لأنها تتعلق بالإخبار عن اثنين فأكثر . وقال هشام الكوفي : " أصل " نَحْنُ " : نَحُن ، فردت حركة الحاء على النون بعدها " . وقال أحمد بن يحيى : " ضمت " نحن " لقوتها لأنها تضمنت التثنية [ والجمع ] ، وقد تكون للواحد فأعطيت أقوى الحركات وهي الضم " . وقيل : إنما ضمت لتضمنها تثنية وجمعاً ، فصارت مشبهة بـ " حيث " لانها تضمنت مكائن . وقال الزجاج : " لما كانت الواو من علامات الجماعة واحتيج إلى حركة النون من " نحن " لسكونها وسكون ما قبلها ، حركت بما يشبه الواو وما هو منها ، وهي الضمة . ولهذا ضموا واو الجمع إذا احتاجوا إلى حركتها في نحو قوله : { ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ } [ البقرة : 16 ] . وقال علي بن سليمان : " نحن " من علامات المضمر المرفوع فلما احتيج إلى حركته حركوه بأخت الرفع وهو الضم " . ومعنى قولهم : { إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } أي هذا الذي تسمونه / فساداً هو صلاح عندنا . وقيل : إن معناه : [ أنهم قالوا ] : نريد الإصلاح بين المؤمنين وأهل الكتاب . وعن سلمان الفارسي أنه قال : " لم يجىء هؤلاء بعد " . وأكثر المفسرين على أن هذا نزل في المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : معنى قول سلمان : " لم يجئ هؤلاء بعد " أي لا يأتون لأنهم قد انقرضوا . فإن قيل : ما على من لم يعلم أنه مفسد من الذم ، فقد أخبر الله عنهم أنهم لا يعلمون أنهم مفسدون / فالجواب أن القوم كانوا يبطنون الفساد وهم يعلمون به ، ويظهرون / الصلاح الذي ادعوا ، وهم لا يشعرون أن الله يظهر ما يبطنون ، فإنما معنى { وَلَـٰكِن لاَّ يَعْلَمُونَ } : أي لا يعلمون أن الله يظهر ما يبطنون من النفاق والكفر . والهاءات من : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } إلى { يَشْعُرُونَ } يعدن على " من " في قوله : { مَن يَقُولُ آمَنَّا } وهم المنافقون . وعلى هذا أكثر الناس . ودخلت الألف واللام في ( المُفْسِدينَ ) ، لأنه جواب كلام سبق منهم إذ قالوا : محمد وأصحابه مفسدون في الأرض . فأخبر الله أنهم هم المفسدون ، ولو كان على غير جواب لم يدخله الألف واللام . ألا ترى لو أنك قال لك قائل : " أنت ظالم " ، فأردت أن ترميه بغير الظلم لقلت : " أنت كاذب أنت فاسق " ، ولا تقوله بالألف واللام ، لأنه غير جواب قوله . فإن أردت أن ترميه بمثل ما رماك به ، قلت له : " أنت الظالم " ، ولو أضمرت / لقلت : " أنت هو " . ولو رميته بمثل ما رماك به لم يجز الإضمار في جوابك ، إنما تضمر إذا رميته بمثل ما رماك به ، لأنه معرفة ، فالجواب معرف أبداً إذا كان رد اللفظ / الأول .