Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 131-135)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ } إلى قوله { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } . أي واذكروا إذ قال له ربه أسلم ، أي أخلص لي العبادة والطاعة . { قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } : أي قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم [ و ] على محمد مجيباً لربه عز وجل : خضعت بالطاعة وأخلصت العبادة لِمالِك جميع الخلق . ومدبرهم . ويجوز أن يكون العامل في : { وَلَقَدِ ٱصْطَفَيْنَاهُ } أي ولقد اخترناه في الدنيا إذ قال له ربه أسلم ، قال أسلمت ، وهذا كان منه حين قال : { يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً } [ الأنعام : 78 - 79 ] . قال الطبري : " وذلك في الوقت الذي قال له ربه فيه : أسلم ، من بعد ما امتحنه بالكوكب والقمر والشمس " . ثم قال تعالى : { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ } . أي : وأوصى بقوله : { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } إبراهيم - صلى الله عليه وسلم [ و ] على محمد - بنيه ، وأوصى بها يعقوب صلى الله عليه وسلم [ و ] على محمد [ بنيه ] . والهاء في " بها " تعود على كلمة الإسلام وهي قوله : { أَسْلَمْتُ } . وقيل : تعود على الملة ، وكلمة الإسلام أقرب إليها . [ وقيل : بل ] أوصاهم باتباع الملة ، فـ " يعقوب " على هذا معطوف على " إبراهيم " . وقيل : إن يعقوب مرفوع بإضمار فعل . والتقدير " وقال يعقوب : يا بني إن الله " . والمعنى في " أَوْصَى " عهد إليهم بذلك ، وأمرهم به . قال ابن عباس : " وصّاهم بالإسلام " . وفي التشديد في " وصَّى " معنى تكرير الوصية . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ } . معناه : اختاره لكم . ودخلت الألف واللام في " الدين " لتقدم علمهم به وتكرير الوصية عليهم . ثم قال : { فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } . أي : فاتقوا الله أن تموتوا إلا على الإسلام . والمعنى : لا تفارقن هذا الدين أيام حياتكم لأن أحداً لا يدري متى تأتيه منيته ، فلذلك قال لهم : لا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، لأنكم لا تدرون متى يأتيكم الموت ، ولم ينههم عن الموت / لأن ذلك ليس إليهم . وقيل : المعنى : الزموا الإسلام ، فإذا أدرككم الموت صادفكم مسلمين . وعرف المعنى كما عرف في قول العرب / " لا أَرَيَنَّكَ هَا هُنَا " . فالنهي في اللفظ للمتكلم ، وفي المعنى للمتكلم أي : لا تكن ها هنا ، فإنه من يكن ها هنا أراه . قال الأخفش : " { بَنِيهِ } ، قطع ، ثم يبتدئ : { وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ } ، أي : وقال يعقوب : يا بني " . وقال أبو حاتم وغيره : " الوقف { وَيَعْقُوبُ } ، ثم يبتدئ { يَابَنِيَّ } " . أي : وقال كل واحد منهما : { يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ } . ثم قال : " عز وجل { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ } . { أَمْ } بمعنى الألف ، أي : أكنتم حاضرين يا معشر اليهود والنصارى المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم / إذ نزل بيعقوب الموت حين قال لبنيه : ما تعبدون من بعد موتي ؟ قالوا : نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وهو جده - وإسماعيل - وهو عمه - وإسحاق - وهو أبوه - صلوات الله عليهم [ و ] على محمد . وقدم إسماعيل لأنه أكبر من إسحاق . { إِلَـٰهاً وَاحِداً } ؛ أي : معبوداً واحداً ، لا نشرك به شيئاً . { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } : أي : خاضعون متذللون بالعبادة له . وروي أنه لم يقبض الله نبياً قط حتى يخيّره بين الموت والحياة ، فلما خيّر يعقوب عليه السلام قال : أنظرني / حتى أسأل ولدي ، وأوصيهم ففعل الله ذلك . فجمع يعقوب ولده وهم إثنا عشر - وهم الأسباط - ، وجمع أولادهم فقال لهم : إنه قد حضرتْ وفاتي ، وأنا أريد أن أسألكم وأوصيكم : فما تعبدون من بعدي ؟ فأجابوه بما حكى الله تعالى عنهم ، فدعا لهم ثم قبضه الله صلوات الله عليه وعليهم أجمعين وعلى محمد . فمعنى الكلام : إنكم يا أهل الكتابين لم تحضروا ذلك - ولا شاهدتموه فكفرتم بغير علم ولا يقين فادَّعَيْتُمْ على أنبياء الله الأباطيل ونحلتموهم إلى اليهودية والنصرانية ، وإنما بعثهم الله [ بالحنيفية المسلمة ، وبذلك وصّوا بنيهم ] فلو حضرتم ذلك وسمعتموه لعلمتم أنهم على غير ما تنحلونهم من الدين . وهذه الآيات نزلت تكذيباً من الله لليهود والنصارى في دعواهم إبراهيم / ويعقوب أنهما كانا على ملتهم . وقرأ يحيى بن يعمر والحسن وأبو رجاء والجحذري " وإله أبيك " بلفظ التوحيد . فيحتمل أن يكون جمعاً مسلماً ، فيكون كالقراءة التي عليها الجماعة . ويحتمل أن يكون موحداً وإبراهيم بدل منه وإسماعيل وإسحاق عطف على الأب وهما في القول الأول بدل الجمع الذي قبلهما . وجمع " إبراهيم " وإسماعيل " عند سيبويه والخليل : " بَرَاهيمُ " و " سَمَاعِيلُ " . وحكى الكوفيون " بَرَاهِمَةٌ " و " سَمَاعِلَةٌ " ، فالهاء بدل من الياء كزنادقة وزناديق . وجمعهما عند المبرد : " أَبَارِهٌ " و " أَسَامِعٌ " و " أَبَارِيهٌ " و " أَسَامِيعٌ " . قال : لأن الهمزة ليس هذا موضوع زيادتها . وأجاز أحمد بن يحيى : " بِرَاهٌ " / كما يجوز في التصغير " بُرَيْهٌ " . وجمع إسحاق أَسَاحِيقٌ . وحكى الكوفيون أَسَاحِقَةٌ وأَسَاحِيقٌ وَيَعْقُوبٌ وَيَعَاقِيبٌ ، وَيَعَاقِبَةٌ وَيَعَاقِبٌ " . ولا يجوز عند أحد حذف الهمزة من " إسرائيل " ، ويقال في جمعه : " أساريل " . وحكى الكوفيون " أَسَارِلَةٌ " و " أَسَارِلٌ " ، وجمعه كله مسلماً أحسن . وقوله : { إِلَـٰهاً وَاحِداً } . نصب على الحال أو على البدل من " إله " الأول . فإذا كان حالاً كان تقديره : نعبد إلهك في حال انفراده ووحدانيته . وأجاز يعقوب الوقف على { آبَائِكَ } ويبتدئ : { إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ } ، ينصب ذلك على إضمار فعل . ومن قرأ ( أَبِيكَ ) بالتوحيد وقف على ( إِسْحَاقَ ) . ثم قال تعالى : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } . أي : قد مضت ، أي : إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب صلوات الله عليهم وعلى محمد ، وولدهم / قد مضوا ، فَدَعُوا ذكرهم والكذب عليهم يا معشر اليهود والنصارى ، ولا تنحلوهم الكفر واليهودية والنصرانية . والأمة الجماعة هاهنا . وإنما قيل لمن مضى وانقرض : " قد خلا " لتخليه من الدنيا وانفراده من الإنس والبشر . وأصله : من " خَلاَ الرَّجُلُ " إذا صار بالمكان الذي لا أنيس به . ثم قال : { لَهَا مَا كَسَبَتْ } أي : عملت . { وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } . أي : لا تؤاخذون بذنوبهم ولا يؤاخذون بذنوبكم ، فدعوا ما تنحلونهم من الأديان . قال الأخفش : " { قَدْ خَلَتْ } وقف التمام " . وقال أبو حاتم : " { لَهَا مَا كَسَبَتْ } هذا الوقف الكافي الحسن " . ثم قال تعالى : { وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ } . أي : قالت اليهود : كونوا هوداً ، وقالت النصارى : كونوا نصارى تهتدوا . وقال بعض العلماء : " أو " هذه [ يقال لها المصنفة ] ليست التي للتخيير ولا للإباحة ولا للشك " . والمعنى : " وقال صنف : كونوا هوداً ، وقال صنف : كونوا نصارى . وروي أن ابن صوريا الأعور قال لرسول الله [ عليه السلام ] ما الهدى إلا ما نحن عليه فاتّبِعنا يا محمد تهتدي . وقالت النصارى مثل ذلك . فأنزل الله عز وجل هذه الآية ، ثم قال لرسوله عليه السلام : { قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } ، أي : بل نتبع ملة إبراهيم حنيفاً لأن معنى { كُونُواْ هُوداً } : اتّبعوا دين اليهودية ] . والتقدير : بل نتبع أهل ملة إبراهيم . وقال أبو عبيدة : " هو نصب على الإغراء ، و { حَنِيفاً } نصب على الحال " . وقيل : على " أعني " ، لأن الحال لا يكون من المضاف إليه . وقوله : { هُوداً } جمع هائد كحالٍ وحُولٍ . وقيل : هو مصدر يؤدي عن الجمع كقولك : " قوم صُومٌ " ، و " قوم عدلٌ " ، فيكون / المعنى ذوي هود . وقيل : الأصل يهود ثم حذفت الياء . ومعنى { حَنِيفاً } / مائلاً عن الكفر إلى الإيمان . وقيل : الحنيف الحاج . وقيل : الحنيف المخلص . ثم قال : { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } . أي : لم يكن ممن يدين بعبادة الأوثان . قال ابن / مسعود : " سميت اليهود يهوداً لقول موسى صلى الله عليه وسلم { إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 156 ] . وسميت النصارى نصارى لقول عيسى صلى الله عليه وسلم : { مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } [ آل عمران : 52 ] .