Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 136-141)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله { قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا } إلى قوله { عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } معناه : قولوا أيها المؤمنون لهؤلاء اليهود والنصارى الذين قالوا لكم كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا : " آمنا بالله " ، أي : صدقنا به ، وصدقنا بما أنزل إلينا وهو القرآن ، وبما أنزل إلى إبراهيم وإلى إسماعيل وإلى إسحاق وإلى يعقوب وإلى الأسباط ، وهم اثنا عشر ولداً ليعقوب أنبياء كلهم ، ولد كل واحد منهم أمة من الناس فسموا الأسباط . والسبط في اللغة الشجرة . أي : هم في الكثرة مثل الشجر . قال ابن عباس : " كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح وهود وصالح ولوط وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمد صلى الله عليه وسلم وعيسى صلى الله عليهم / أجمعين " . ثم قال : { وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } . أي : وصدقنا بما أوتي موسى وعيسى ، يعني : التوراة والإنجيل ، وصدقنا بما أوتي النبيون من ربهم يعني : من [ الكتب ، كل ذلك حق ] { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } أي : لا نفرق بين أحد من النبيين فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى ، بل نؤمن بالكل وبما جاء به الكل . وقال ابن عباس ووهب بن منبه : " الأنبياء كلهم مائة وأربعة وعشرون ألف / نبي كلهم من بني إسرائيل إلا عشرين نبياً . وإسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل صلوات الله عليهم أجمعين . وعدد الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر كلهم من بني يعقوب إلا عشرين رسولاً " . وقال غير ابن عباس مثل قوله وزاد ، فقال : " عدد الأنبياء صلوات الله عليهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبي ، أولهم آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين . والرسل منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً ، ذكر الله منهم في القرآن ستة وعشرين وهم : آدم وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسى وهارون والأسباط واليسع وإلياس ويونس / وأيوب وداود وسليمان وزكرياء وعزير ويحيى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين . ومنهم خمسة لم تذكر أسماؤهم وذكروا بغير أسمائهم وهم : الذي مرّ على القرية قيل هو أرميا ، وصاحب موسى وهو الخضر ، وقيل إنه ليس بنبي ، وثلاثة ذكرهم الله في سورة " يس " ولم يذكر أسماؤهم ، فأما ذو القرنين ، فأكثر الناس على أنه ليس بنبي . وكذلك اختلف في ذي الكفل . ثم قال { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } . أي : خاضعون بالطاعة لله . وروى ابن عباس أن النبي [ عليه السلام ] سأله نفر من اليهود : بمن تؤمن من الرسل ؟ فقرأ عليهم الآية . فلما ذكر عيسى جحدوا نبوّته ، وقالوا : لا نؤمن بعيسى ولا بمن آمن بعيسى ، فأنزل الله جل ذكره : { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } [ المائدة : 59 ] إلى { وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } [ المائدة : 59 ] . [ ثم قال ] : { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } . إي : إن صدقوا بجميع الأنبياء وبجميع الكتب التي أنزلها الله كما آمنتم فقد اهتدوا إلى الحق ، يعني به اليهود والنصارى . { وَّإِن تَوَلَّوْاْ } : أي : إن لم يؤمنوا بذلك وأعرضوا ، { فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ } : أي : في مشاقة ومباعدة من الحق وفراق له ومحاربة له . وقيل : المعنى : قد صاروا في شق غير شق المسلمين . والمماثلة في الآية إنما وقعت بين التصديقين ، أي : إن صدقوا بمثل تصديقكم وأقروا بمثل إقراركم . ولم يقع التمثيل بين المؤمن به وهو الله عز وجل وسبحانه وتعالى ؛ هذا كفر لا يجوز . فإن قيل : وهل للإيمان مثل ، هو غير الإيمان فتصح المماثلة به ؟ فالجواب : أنه محمول على المعنى ، والتقدير : فإن أتوا بتصديق مثل تصديقكم فقد اهتدوا : أي : صاروا مسلمين . وهذا من كلام العرب ، يقول الرجل لمن يتلقاه : " بشر استقبل مثلي بهذا " . وقد قال تعالى : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] . وتقول : " ليس كربنا شيء " ، " وليس كمثل ربنا شيء " . والمعنى سواء . هذا قول أبي حاتم وغيره . ثم قال تعالى : { فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ } / . أي : فسيكفيك الله يا محمد هؤلاء المخالفين لك من اليهود والنصارى إما بقتل وإما بجلاء عن جوارك . { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } : أي يسمع ما يقولون بألسنتهم ويعلم ما يبطنون لك ولأصحابك من البغضاء والحسد . فأنجز الله لرسوله وعده في اليهود وفي غيرهم وكفاه إياهم وسلَّطه عليهم وخذلهم ، فقتل بعضاً ، وأجلى بعضاً ، وأذل بعضاً بالجزية . ثم قال تعالى : { صِبْغَةَ ٱللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ } . " صبغة " منصوب على البدل من { مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } / فيكون المعنى : " بل صبغة الله " ، وذلك / أن النصارى إذا أرادت / أن تنصر أطفالها جعلتهم في ماء لهم يزعمون أن ذلك تقديس " لهم بمنزلة الختانة لأهل الإسلام ، ويقولون : إن ذلك صبغة لهم في النصرانية . فلما قالوا للمسلمين : { كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُواْ } قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم : بل نتبع ملة إبراهيم ، صبغة الله التي هي أحسن الصبغ وهي الحنيفية المسلمة ، لا ما تغمسون فيه أبناءكم . وأجاز الكسائي نصبه على الإغراء والتقدير : الزموا تطهير الله بالإسلام لا ما تفعله اليهود والنصارى . وقيل : هو محمول على المعنى لأن معنى : { وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } ونحن متبعون صبغة الله . وقال قتادة : { صِبْغَةَ ٱللَّهِ } : " دين الله " . وكذا قال ابن عباس وغيره . قال قتادة : " إن اليهود تصبغ أولادها يهوداً ، والنصارى تصبغ أولادها نصارى ، وإن صبغة الله الإسلام ، فلا صبغة أحسن من الإسلام / ولا أطهر ، وهو دين الله الذي بعث به نوحاً والأنبياء بعده صلوات الله عليهم " . وقال مجاهد : " صبغة الله : فطرة الله ؛ وهي فطرة الإسلام التي فطر الناس عليها " . والفطرة ابتداء ما خلق عليه الخلق وهو الإسلام ، ثم غيّروا دين أنبيائهم بدين آخر . وأصل الصبغ حدوث شيء فكأنهم أحدثوا ديناً غير ما خلقوا عليه . وقوله : { وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ } ، أي : خاضعون في اتباع أمره وتصديق كتبه ورسله . ثم قال تعالى : { قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } ، أي : قل يا محمد لهؤلاء اليهود والنصارى : أتخاصموننا في دين الله وهو معبودنا ومعبودكم وإلهنا وإلهكم واحد ، ونحن له مخلصون العبادة والطاعة ، وأنتم قد عبدتم معه غيره ، عبدت اليهود العجل ، وعبدت النصارى المسيح . فكيف تخاصموننا وتزعمون أنكم أولى به منا وقد عبدتم غيره ونحن أخلصنا العبادة له . ثم قال : { أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ } إلى قوله : { أَوْ نَصَارَىٰ } . أي : أتقول اليهود : إن هؤلاء الأنبياء كانوا هوداً ؟ أو أتقول النصارى : إن هؤلاء الأنبياء كانوا نصارى ؟ قل لهم يا محمد : أنتم أعلم أم الله ؟ فإن الله قد أعلمنا أنهم على الملة الحنيفية المسلمة . ومن قرأ بالتاء ، جعله خطاباً لهم . ومن قرأه بالياء أجراه على الإخبار عنهم . ثم قال : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ ٱللَّهِ } . أي : لا أحد أظلم ممن كتم شهادة / عنده من الله . أي : لا أحد أظلم منه . وقيل : عني بذلك كتمانهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وهم يعلمون ذلك ويجدونه في كتبهم . قاله قتادة وغيره . وقيل : إنما كتموا ما في كتبهم من اتباع ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم ومن ذُكِرَ معه ، وقد علموا أنهم كانوا حنفاء مسلمين فكتموا ذلك . وادّعت اليهود أنهم كانوا يهوداً ، وادّعت النصارى أنهم كانوا نصارى ، وهم مع ذلك قد علموا أن اليهودية والنصرانية إنما حدثت بعد موت [ هؤلاء ] الأنبياء صلى الله عليهم وسلم . والهاء في { عِندَهُ } تعود على الظالم ودل عليه { أَظْلَمُ } . والأسباط من ولد يعقوب كالقبائل من ولد إسماعيل صلى الله عليه وسلم وهم اثنا عشر سبطاً من اثني عشر ولداً ليعقوب عليه السلام . ثم قال تعالى : { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } . أي : ليس الله بغافل عن فعلكم وكتمانكم / ما قد علمتموه ، بل يحصيه عليكم ويجازيكم به . ثم قال تعالى : { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ } . أي : إبراهيم ومن ذكر معه من الأنبياء صلوات الله عليهم أمة قد مضت بعملها . لها ما عملت ، ولكم ما عملتم . { وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } : أي : لا يسأل أحد عن ذنب أحد .