Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 174-177)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْكِتَابِ } . [ إلى قوله : { ٱلْمُتَّقُونَ } . هذه الآية عند قتادة وغيره نزلت في أهل الكتاب . كتموا ما أنزل الله عز وجل في كتابهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم . قال ابن عباس : " هم اليهود كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم وأخذوا عليه طمعاً قليلاً " . وهو قول السدي والربيع . وقال عكرمة في هذه الآية وفي قوله : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً } [ آل عمران : 77 ] : نزلت جميعاً في يهود " . قال ابن مسعود : / " قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْطَعُ بِها مالاً لَقِيَ اللهَ ، وهُوَ عَلَيْهِ غَضْبانٌ " وتصديقه في كتاب الله عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً } . ومعنى { يَشْتَرُونَ } يبتاعون به . والهاء في : " به " تعود على الكتمان ، أي : وابتاعوا بكتمانهم ما أنزل الله عز وجل في كتابهم / من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم . { ثَمَناً قَلِيلاً } : أي : أخذوا عليه طمعاً قليلاً ، أي : أخذوا الرشوة وكتموا ما أنزل الله عز وجل وبدلوه وحرفوه . ثم قال تعالى : { أُولَـٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ ٱلنَّارَ } . أي : ما يأكلون في بطونهم من الرشا إلا ما يؤديهم إلى النار ، ومثله : { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [ النساء : 10 ] أي : ما يوردهم النار . فاستغنى في الآيتين بذكر النار لفهم السامعين المعنى لأنه لما كان ما يأكلون من الطيبات بالرشا يوردهم النار كانوا كأنهم يأكلون النار . وإنما قال { فِي بُطُونِهِمْ } ، وقد علم أن الأكل لا يكون إلا في البطن لأن العرب تقول : " جُعْتُ فِي غَيْرِ بَطْنِي " و " شَبِعْتُ في غَيْرِ بَطْنِي " . فقيل في الآية : { فِي بُطُونِهِمْ } / للفرق والتأكيد . وقوله : { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } . أي : لا يكلمهم بما يحبون ولا بما يشتهون ، ويكلمهم بما يكرهون لأنه قد أخبر بأنه يقول لهم { قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] وقيل : معنى { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ } : يغضب عليهم . يقال : " فُلانٌ لا يُكَلِّمُ فُلاناً " إذا غضب عليه . وقيل : المعنى : لا يسمعهم كلامه لأن الأبرار يسمعون كلامه . وقيل : معناه : لا يرسل لهم الملائكة بالتحية . وقوله : { وَلاَ يُزَكِّيهِمْ } : أي لا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم . { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } : أي موجع . ثم قال تعالى : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلاَلَةَ بِٱلْهُدَىٰ } . أي : أولئك الذين أخذوا الضلالة ، وتركوا الهدى ، وأخذوا ما يوجب لهم عذاب الله يوم القيامة ، وتركوا ما يوجب لهم عفوه . فاستغنى بذكر العذاب والمغفرة عن ذكر السبب الذي يوجبهما لفهم سامعي ذلك . ثم قال تعالى : { فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } . قال ابن عباس : " معناه : ما الذي صبرهم على النار " . وقال أبو عبيدة : " معناه : ما الذي أصبرهم على النار ، ودعاهم إليها ، وليس بتعجب " . وهو قول السدي . فَـ " ما " استفهام في القولين جميعاً . وقال مجاهد والحسن وقتادة : " هو تعجب " . ومعنى التعجب في هذا أن الله جل ذكره يعجب خلقه منهم ، ومن جرأتهم على عمل يوردهم النار . وقال مجاهد : " معناه : / ما أعملهم بأعمال أهل النار " . أي : ما أشد جرأتهم على عمل يوجب لهم النار . وقيل : معناه : ما أبقاهم في عذاب الله . وقيل : معناه : ما أصبرهم على الأعمال التي توجب لهم النار . ثم قال تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ } . أي : بالواجب . وحيثما ذكر الحق فمعناه الواجب . أي : ذلك فعلهم ، لأن الله نزل الكتاب بالحق . وقيل : المعنى : ذلك العذاب المذكور لهم ، لأن الله نزل الكتاب بالحق . فَـ " ذلك " في موضع رفع في القولين . وقيل : المعنى : فعلنا ذلك لأن الله نزل الكتاب بالحق ، فكفروا به ، فـَ " ذَلِكَ " في موضع نصب في هذا القول . ثم قال : { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } . يعني به اليهود والنصارى ؛ اختلفوا في الكتاب فكفرت اليهود بما قص الله فيه من قصص عيسى صلى الله عليه وسلم وأمه ، وصدقت النصارى ببعض ذلك . [ و ] كفروا جميعاً بما أنزل الله فيه من الأمر بتصديق / محمد صلى الله عليه وسلم . / والمعنى : [ وإنهم لفي ] منازعة ومباعدة للحق ، بعيدة مِنَ الصواب والرشد . قال السدي : " { لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } : لفي عداوة بعيدة " . ثم قال تعالى : { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } . أي : ليس البر الصلاة وحدها ، ولكن البر الجمع لفعل هذه الخلال المذكورة بعده . قال ابن عباس : " هذا حين نزلت الفرائض وحدت الحدود " . وقاله الضحاك وغيره . وهو اختيار الطبري ، وهو قول الربيع بن أنس . وقال قتادة : " كانت اليهود / تصلي قبل المغرب ، والنصارى تصلي قبل المشرق ، فأعلموا أن البر ليس هو كله ما يصنعون ، ولكن البر عمل هذه الخصال التي بيَّنها بعد " . وقد قيل : إن هذه الآية خصوص في الأنبياء وحدهم صلوات الله عليهم ، لأن هذه الأشياء التي وصفت في الآية لا يؤديها بكليتها على حق الواجب فيها إلا الأنبياء صلوات الله عليهم ، ولكن الله قد أمر جميع الخلق بالعمل بجميع ما فيها . وقوله : { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ } . أي : على محبته إياه وشحه عليه . فالهاء في " حبه " تعود على المؤمن ، أي : على حبه إياه ، يعني المال . وقيل : هي راجعة على المال ، أي : على حب الرجل المال . فأضيف الحب إلى المال فهو المفعول به . كما تقول : " أَعجبني أكلُ الخبز وشربُ الماء " ، أي : أكلُ الرجلِ الخبزَ وشربُ الرجلِ الماءَ . وقيل : الهاء ترجع على الإيتاء ، ودل عليه : " وَآتَى " ، والتقدير : على حب الإيتاء أي : على حب الرجل الإيتاء . وقيل : / الهاء تعود على المؤمن ، وتنصب " ذَوِي الْقُرْبَى " في هذا الوجه بالحب ، أي : على حب المؤمن ذوي القربى . وتنصب " ذَوِي " في الوجوه المتقدمة بـ " آتَى " . وقيل : الهاء ترجع على الله جل ذكره ؛ أي : على حُبِّ / الله " ، وتنصب ذوي بـ " آتَى " . قال ابن مسعود : " هُوَ أنْ يُؤْتِيَهُ وَهُوَ صَحيحٌ شَحِيحٌ يَأْمَلُ العَيْشَ وَيَخَافُ الْفَقْرَ " . ورواه ابن مسعود عن النبي [ عليه السلام ] . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " فِي المالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكاةِ " وتلا هذه الآية . قوله تعالى : { ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ } : أي ذوي الأرحام . وسئل النبي [ عليه السلام ] عن أفضل الصدقة فقال : " جُهْدُ المُقِلِّ عَلَى ذِي القَرَابَةِ الكاشِحِ " . وقوله : { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } . قال قتادة : " هو الضيف " . وقيل : " هو المسلم يمر عليك من بلد إلى بلد " . قاله مجاهد وقتادة . وقيل للمسافر : " ابن السبيل " ، لملازمته السبيل وهي الطريق ، كما يقال لطير الماء : ابن الماء لملازمته الماء . ويقال للرجل الذي أتت عليه الدهور : هو ابن الأيام والليالي . وعلى هذا يُتأول حديث النبي [ عليه السلام ] في قوله : " لا يَدْخُلْ الجَنَّةَ وَلَدُ زِنا " ، معناه اللازم للزنا ، جعل ابن زنا لملازمته له ، كما قيل : ابن السبيل ، وابن ماء ، وابن الأيام . وقوله : { وَٱلسَّآئِلِينَ } . يعني به المعترضين الطالبين للصدقة . وقوله : { وَفِي ٱلرِّقَابِ } . يعني : يعان به المكاتبون الذين يسعون في فك رقابهم من العبودية . وقوله : { وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ } . أي : أدام العمل بها بحدودها في أوقاتها . قوله : { وَآتَى ٱلزَّكَاةَ } . أي أعطاها على ما فرضها الله تعالى عليه . وقوله : { وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ } . رفعت { ٱلْمُوفُونَ } على العطف على " مَنْ " في قوله : { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ } ، أي : " ولكن البارُّ من آمن " على قراءة من خفف أو شدد . وبعده : { وَٱلصَّابِرِينَ } هو نصب على المدح . وقيل : { ٱلْمُوفُونَ } رفع على إضمار مبتدأ " وهم الموفون " ، تجعله مدحاً للمضمرين داخلاً في صلة " من " . وتنصب " الصابرينَ " على العطف على { ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ } أو على " أعني " . وأجاز الكسائي رفع { ٱلْمُوفُونَ } / على العطف على " مَنْ " في قوله : { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ } على ما تقدم . وتنصب { وَٱلصَّابِرِينَ } على العطف على { ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ } . وهو خطأ لأنه يفرق بين الصلة والموصول ، فيعطف على الموصول ، ثم / يعطف بعده على ما في الصلة ، فيفرق بين الصلة وهي : { وَٱلصَّابِرِينَ } والموصول وهو : " مَنْ " ، بـِ " المُوفُونَ " : وليس بداخل في الصلة . إنما هو معطوف على الموصول . وقيل : إن " المُوفُونَ " عطف على المضمر في " آمَنَ " ، و " الصَّابِرِينَ " عطف على " ذَوِي القُرْبَى " أو على " أَعْنِي " على المدح . وقيل : إن " الصَّابِرِينَ " عطف على " السَّائِلِينَ " ، ومعنى الكلام : والذين لا ينقضون عهد [ الله ] بعد المعاهدة ، ولكن يوفون به . وقوله : { وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ } . أصل الصبر الحبس عن الشيء . فالمعنى : والحابسين أنفسهم عن ما يكرهه الله عز وجل في البأساء وفي الفقر ، والضراء وهي السقم . قاله ابن مسعود . وعنه : " أن البأساء : الجوع ، والضراء : المرض " . وعنه : " البأساء : الحاجة " . وقال قتادة : " كنا نحدث أن البأساء : البؤس والفقر ، والضراء : السقم " / وهو قول الربيع . وقال قتادة أيضاً : " البأساء : البؤس ، والضراء : الزمانة في الجسد " . قال الضحاك : " البأساء : الفقر ، والضراء : المرض " . وقوله : { وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } . قال ابن مسعود : " وحين القتال " . والضُّراء - بالضم - في اللغة الزمانة والمرض . والضَّراء بالفتح ضد النفع . و " البأْساءُ " و " الضَّرَّاءُ " جاءا على " فَعْلاءَ " وليس لهما " أفْعَلُ " لأنه اسم وليس بصفة ، كما جاء " أَفْعَلُ " في الكلام وليس له " فَعْلاءُ " نحو " أَحْمَدَ " . وقد قالوا في الصفة : " أَفعَلَ " ، ولم يأت منه " فَعْلاءُ " ؛ قالوا : " أنْتَ مِنْ ذَلِكَ أوْجَلُ " ، ولم يقولوا : " وَجْلاءَ " . وقد قيل : البأساء والضراء اسمان للفعل بمعنى المصدر ، فهما بمعنى البؤس والضر ، يقعان " لمؤنث ولمذكر " . ثم قال : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ } . أي : صدقوا الله في إيمانهم به وحققوا قولهم بفعلهم ، لا مَن ولى وجهه قِبَل المشرق والمغرب وهو يخالف أمره ويكتم وحيه ويُكذِّب رسله . ثم قال : { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } . أي هم الذين اتقوا عقاب الله ، فتجنبوا معاصيه ، ولم يتعدوا حدوده .