Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 186-188)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي } إلى قوله : { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } . قال الحسن : " هذه الآية نزلت في سائل سأل النبي [ عليه السلام ] فقال : أين ربنا ؟ فأنزل الله عز وجل : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي } الآية " . وروي أن / سائلاً سأل [ النبي عليه السلام ] فقال : يا محمد : أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ فأنزل الله [ جل ذكره ] : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي } . الآية . وروي أن المشركين قالوا : كيف يكون الله قريباً وبيننا وبينه سبع سماوات غلاظ ، كل سماء مسيرة خمسمائة عام ، وبين كل سماءين كذلك ؟ فأنزل الله سبحانه : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي } . الآية . وقال عطاء : " لما نزلت : { وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر : 60 ] ، قالوا : يا رسول الله ، في أي ساعة ؟ قال : فنزلت : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي } . الآية . قال السدي : " ليس من عبد مؤمن يدعو الله إلا استجاب له ، فإن كان الذي يدعو به رَزقه في الدنيا ، وإن لم يكن له رزقاً في الدنيا ، ادُّخِر له إلى يوم القيامة أو دفع [ به عنه ] مكروه . وكذلك قال ابن عباس . وعن النبي عليه السلام : أنه قال : " ما أُعْطِيَ أَحَدٌ الدُّعاءَ فَمُنِعَ الإِجَابَةَ لأنَّ اللهَ يقُولُ : { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } " . والمعنى عند الطبري : " فإني قريب في كل / وقت أجيب دعوة الداعي إذا دعان " . وقال مجاهد : " لما نزلت : { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ، قالوا : إلى أين ؟ فنزلت : { فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } [ البقرة : 115 ] . " . وقال قتادة : " لما نزلت : { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ، قال قوم : كيف ندعو يا رسول الله ؟ فنزلت : { وَإِذَا سَأَلَكَ } " الآية . وقوله : { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } . فمعناه : إذا شئت كما قال : { فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ } [ الأنعام : 41 ] . وقوله : { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي } . أي فليستجيبوا إلى طاعتي ، يقال : " استَجبْتُ لَهُ واسْتجَبْتُهُ " بمعنى أجبته . وقال أبو عبيدة : " معناه : فليجيبوني " . وتحقيق اللفظ عند / أهل العلم : فليستدعوا الإجابة ، / كما يقال : " استنصر " ، إذا استدعى النصر . وعن أبي رجاء الخراساني أنه قال : " { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي } فليدعوني " . وقيل : هو التلبية . وقوله : { وَلْيُؤْمِنُواْ بِي } : أي وليصدقوا بي إذا هم استجابوا لي بالطاعة أني لهم من وراء طاعتهم لي في الثواب عليها ، وإجزال الكرامة عليها . وقال أبو رجاء : { وَلْيُؤْمِنُواْ بِي } : معناه : و " ليصدقوا بي " أني أستجيب لهم . وقوله : { لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } . معناه : لعلهم يهتدون . و " لعل " من الله واجبة . وقيل : معنى الإجابة هنا ، هو الإجابة بالثواب على الأعمال [ والطاعات ] ، فمعنى الدعاء هنا مسألة العبد ربه ، إتمام ما وعده إياه من الجزاء على الطاعة . وروي عن النبي [ عليه السلام ] . أنه قال : " " الدُّعَاءُ هُوَ العبادَةُ " . ثم قرأ { وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } " . وقيل : معناه : أجيب دعوة الداعي إن شئت . وقال الحسن في قوله تعالى : { ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } : " اعملوا وأَبشروا فإنه حق على الله أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله " . وقوله : { فَإِنِّي قَرِيبٌ } . وقْف عند يعقوب . وقال نصير : الوقف " دعانِ " و " يَرْشُدُونَ " . والفعل من " يرْشُدونَ " : رَِشَدَ يَرْشُدُ رُشْداً ، ويقال : رَشَدَ يَرْشَدُ رَشَداً ، فيقال : الرُّشْدُ وَالرَّشَدُ ، كما يقال : البُخْلُ والبَخَلُ ، والشُغْلُ والشَّغَلُ ، وَالسُّقْمُ وَالسَّقَمُ ، وَالعُدْمُ والعَدَمُ ، وَالحُزْنُ وَالحَزَنُ ، وَالسُّخْطُ وَالسَّخَطُ ، وَالخُبْرُ وَالخَبَرُ ، وَالعُرْبُ وَالعَرَبُ ، وَالْعُجْمُ والعَجَمُ . ثم قال : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ } . أي أبيح لكم أيها المؤمنون أن تجامعوا نساءكم في ليالي الصيام قبل النوم وبعد النوم ما لم / يطلع الفجر . وحَدُّ [ الليل من مغيب الشمس ] إلى طلوع الفجر الثاني . وَحَد النهار من طلوع الفجر الثاني إلى مغيب الشمس . والرفث هنا كناية عن الجماع . قال ابن عباس : " الرفث الجماع ولكن الله كريم يكني " . وهو قول جميع المفسرين . وقال الزجاج : " الرفث كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من امرأته " . والرفث في غير هذا الموضع الإفحاش في المنطق ، ومنه قوله : { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي ٱلْحَجِّ } [ البقرة : 197 ] . قوله : { فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ } . المباشرة في هذا الموضع الجماع بدليل قوله : { وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } ، يريد الولد بإجماع من المفسرين . وقد تكون المباشرة في غير هذا الموضع غير الجماع ، وذلك المماسة / ويدل [ أيضاً على ذلك ] أن الرفث عند جميع المفسرين كناية عن الجماع . ثم قال تعالى : { هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ } . سمَّى كلَّ واحد لباساً لصاحبه لتجردهما عند النوم وتضامهما واجتماعهما في ثوب واحد ، حتى يصير كل واحد منهما في التصاقه إلى الآخر بمنزلة الثوب الذي يلبسه الإنسان . وقال الربيع : " معناه : هن لحاف لكم ، وأنتم لحاف لهن " . وقد [ سُمي الفرش ] لباساً والخاتم لباساً ، وتقلد السيف لباساً . وهذا يدل على تحريم استعمال الحرير في الوطئ لتحريم النبي [ عليه السلام ] لباس الحرير . وقيل : إنما / جعل كل واحد منهما لصاحبه لباساً لأنه يسكن إليه ، كما قال تعالى : { جَعَلَ لَكُمُ / ٱلَّيلَ لِبَاساً } [ الفرقان : 47 ] ، أي سكناً تسكنون فيه ، فكذلك زوجة الرجل سكنه [ يسكن إليها كما قال ] { وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا } [ الأعراف : 189 ] . فيكون كل واحد منهما لباساً لصاحبه لسكونه إليه . وهو معنى قول مجاهد . والعرب تقول لما يستر الشيء ويواريه عن أبصار الناظرين : " هو لباسه وغشاؤه " فيكون قد قيل لكل [ واحد ] من الزوجين لباس للآخر لأنه يستر له فيما يكون بينهم من الجماع عن أبصار الناظرين . قال مجاهد وقتادة : " معناه : هن سكن لكم ، وأنتم سكن لهن " . وقال ابن عباس أيضاً . وقوله : { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ } . أي علم الله أيها المؤمنون أنكم كنتم تريدون أن تجامعوا النساء بعد النوم وتأكلوا وتشربوا بعد النوم ، وذلك محرم عليكم فتاب عليكم مما [ أضمرتم من مواقعة ] الذنب / وعفا عنكم . وذلك أن الله قال : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ البقرة : 183 ] يعني أهل الكتاب . وكانوا لا يجامعون في ليالي الصيام ولا يأكلون ولا يشربون بعد النوم ، فصعب ذلك على المسلمين ؛ حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يريد امرأته فقالت له : قد كنتُ نمتُ . فظن أنها تعتل ، فوقع بها ، وجاء رجل من الأنصار فأراد أن يطعم ، فقالت له امرأته : نسخن لك شيئاً . فغلبته عينه فنام ، فلما انتبه امتنع من الطعام لنومه فجعل يُغشى عليه ، فنزلت هذه الآية ناسخة لذلك ، فأبيح الأكل والشرب والجماع في ليالي الصيام ما لم يطلع الفجر . وقال معاذ بن جبل : " كانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا ، فإذا ناموا لم يحل لهم شيء من / ذلك . فكان رجل من الأنصار يدعى أبا صرمة يعمل في أرض له ، فلما كان عند فطره نام فأصبح صائماً قد جهد ، فلما رآه النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : ما لي أرى بك جهداً ؟ . فأخبره بما كان من أمره . واختان رجل نفسه في شأن النساء ، فأنزل الله : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ } الآية . وقال ابن عباس في الآية : " كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء ، حرم عليهم الطعام والنساء إلى مثلها من القابلة . ثم إن ناساً من المسلمين أصابوا الطعام [ والنساء ] في رمضان بعد النوم ، منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله : { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ } الآية . وقال كعب بن مالك : " كان الناس في رمضان إذا صام الرجل منهم فأمسى فنام ، / حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد . وإن عمر بن الخطاب رجع من عند النبي [ عليه السلام ] ذات ليلة وقد سمر عنده ، فوجد امرأته قد نامت فأرادها ، فقالت : [ إني قد نمت ، فقال : ما ] نمت ، فوقع بها . وصنع كعب بن مالك مثل ذلك فغدا عمر إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم فأخبره فأنزل الله عز وجل : { عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ } الآية . وعن ابن عباس أيضاً أنه قال : " كان الناس أول ما أسلموا يصوم أحدهم يومه ، حتى إذا أمسى طعم من الطعام ، وجامع فيما بينه وبين العتمة ، حتى إذا صُليت العتمة حرم ذلك عليهم إلى الليلة القابلة وإن عمر بن الخطاب بينما هو نائم إذ سولت له نفسه فأتى أهله ليقضي حاجته ، فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه كأشد ما رأيت من الملامة ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني أعتذر إلى الله وإليك مع نفسي هذه الخاطئة ؛ فإنها زيَّنت لي فواقعت أهلي . هل تجد لي من رخصة يا رسول الله ؟ [ قال : لم تكن حقيقاً ] بذلك يا عمر ، فلما بلغ بيته أرسل إليه [ فأنبأه الله بعذره ] في آية من القرآن ، وأمره الله أن يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة وهي قوله : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ } الآية " . وبهذه المعاني فسرها مجاهد وعكرمة وقتادة . وقال قتادة : " [ كان بدء الصيام أنهم ] أمروا بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتين غدوة ، وركعتين عشية ، ثم افترض عليهم رمضان وخمس صلوات ، وكان الأكل والشرب والجماع [ لهم مباحاً ] ما لم يرقدوا ، فإذا رقدوا حرم ذلك عليهم / إلى مثلها من القابلة . وكانت خيانة القوم أنهم يأكلون ويشربون ويغشون نساءهم بعد النوم ، ثم أباح الله عز وجل ذلك لهم إلى طلوع الفجر " . وقال السدي : " كتب الله على النصارى صوم شهر رمضان ، وكتب عليهم ألا يأكلوا ولا يشربوا ولا ينكحوا النساء بعد النوم . وكتب على المؤمنين مثل ذلك ، فوقع قوم من المؤمنين في الأكل والشرب والجماع بعد النوم فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنسخ الله عز وجل ذلك عنهم فقال : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ } الآية . قال أبو العالية وعطاء : " هذه ناسخة لقوله : { كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . وقوله : { فَٱلآنَ بَٰشِرُوهُنَّ } . أي جامعوهن في ليل / الصيام ما لم يطلع الفجر إذا شئتم . فباشروهن كناية عن الجماع . وقوله : { وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } . هذا لفظه لفظ أمر ، ومعناه التأديب والندب . قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن والسدي والربيع والضحاك : { وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } : هو الولد " . وقاله أنس بن مالك . وعن ابن عباس أيضاً أن معناه : " وابتغوا ما كتب الله لكم من ليلة القدر " . وقال قتادة : " معناه : وابتغوا ما رخص الله لكم وأحل لكم ، يعني الجماع " . وقيل معناه : " ابتغوا الذي كتب الله لكم في اللوح المحفوظ أنه يباح / لكم وهو الوطء بعد النوم في ليالي الصيام . والولد هو [ مما كتبه الله في اللوح ] المحفوظ أيضاً . وقوله : { حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ } . أي بياض النهار من سواد الليل بطلوع الفجر . وقال الحسن : " معناه : حتى يتبين لكم النهار من الليل " . وقاله ابن عباس أيضاً . وهو مروي عن النبي [ عليه السلام ] . ويروى " أن عدي بن حاتم أخذ / خيطين أسود وأبيض فنظر فيهما عند الفجر فرآهما سواء ، فأتى النبي [ عليه السلام ] فقال له : يا رسول الله : فتلت خيطين من أسود وأبيض فنظرت فيهما من الليل فوجدتهما سواء . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأى نواجذه ، ثم قال له : " ألَمْ أَقَُلْ لَكَ مِنَ الفَجْرِ ، إنّما هُوَ ضوءُ النَّهارِ مِنْ ظُلْمَةِ الليلْ " . وقال سهل بن سعد . " نزلت هذه الآية : { وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلأَسْوَدِ } ، ولم ينزل { مِنَ ٱلْفَجْرِ } . قال : فكان رجال إذا أراد أحدهم الصوم ربط في رجله الخيط الأبيض والخيط الأسود ، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له أحدهما من الآخر ، / فأنزل الله عز وجل بعد ذلك ( من الفجر ) فعلموا أنه إنما عني بذلك من الليل والنهار " . وفي الكلام حذف وتقديم وتأخير / والتقدير : " حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الفجر من الخيط الأسود من الليل " . وفي هذا دليل بالنص على أن الصائم إذا أصبح جنباً لا يضر ذلك صيامه . لأن له الوطء ما كان له الأكل والشرب ، فإذا وطىء إلى الفجر أصبح جنباً ضرورة لا شك فيه ، وصيامه تام بهذا النص من القرآن والسنة . والفجر فجران : فجر [ أول وهو الضوء ] الساطع في السماء ، يقال له الصبح الكاذب ، فلا يمنع ذلك أكلاً ولا جماعاً . والفجر الثاني هو المنتشر الذي يملأ ببياضه وضوئه الطرق ، فذلك يمنع الأكل والجماع ، يسمى الفجر الصادق . والفجر الأول يذهب في السماء طولاً كأنه ذنب السرحان مستدق صاعد في غير اعتراض . والثاني يضرب إلى حمرة ، وينتشر ضوؤه على الجبال ، يقال له : المستطير أو المنتشر في الأفق وهو معترض . وكل شيء انتشر فقط استطار ، ومنه قوله تعالى : { يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } [ الإنسان : 7 ] : أي منتشراً فاشياً . والفجر في اللغة مصدر ، " فجر الماء ، يفجر فَجْراً " إذا بعثه وأجراه فكأنه اسم للمصدر ، فقيل للطالع من تباشير ضياء الشمس من مطلعها : " فَجْرٌ " ، لانبعاث ضوئه ونوره عليهم . والخيط في اللغة : اللون . وقوله : { مِنَ ٱلْفَجْرِ } معناه الذي هو من الفجر ، وليس هو جميع الفجر . وقال التيمي : " هو ضوء الشمس من سواد الليل " . وحكي عن حذيفة أنه كان يتسحر بعد طلوع الفجر . وحكى سالم مولى أبي حذيفة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يتسحر بعد طلوع الفجر . وكذلك ذكره البراء عن ابن مسعود قال : " تسحرت أنا وابن مسعود ثم خرجنا والناس في صلاة الصبح " . وليس العمل عند جميع الفقهاء على شيء من هذه الأقوال . وعن التيمي أنه قال : " الوتر بالليل والسحور بالنهار " . وعنه : " السحور بالليل والوتر بالليل " . وبهذا العمل عند فقهاء الأمصار . وقوله : { ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّليْلِ } . إلى النهاية وليس بحد وإذا كانت نهاية ، انتهى العمل إلى ما بعدها ، ولا يدخل ما بعدها فيما قبلها ، ولا صوم في شيء من الليل . والذي عليه / أهل النظر أن " إلى " إذا كان الذي بعدها من صنف ما قبلها ، دخل في حكم ما قبلها كقوله : { إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } [ المائدة : 6 ] و { إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } [ المائدة : 6 ] . والمرفقان والكعبان داخلان في الغسل . وإذا كان ما بعدها ليس من جنس ما قبلها ، لم يدخل في حكم ما قبلها نحو : { إِلَى ٱلَّليْلِ } . وقد بينا هذا / في المائدة بأشرح من هذا . وقوله : { وَلاَ تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَٰكِفُونَ فِي ٱلْمَسَٰجِدِ } . أي لا تجامعوا أو تلامسوا وأنتم معتكفون . فهذا يدل على جواز الاعتكاف . وفيه دليل عند قوم على أنَّ الاعتكاف جائز في كل مسجد تقام فيه الصلاة وفي كل وقت ، مفطراً كان أو صائماً ، لأن الخطاب خرج مطلقاً . ولا يعتكف عند مالك وغيره إلا صائم ، ولا يعتكف إلا في مسجد تقام فيه الجمعة . ثم قال : { تِلْكَ حُدُودُ / ٱللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا } . أي لا تقربوا ما نهاكم عنه من حدوده . ثم قال : { كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } . أي يبين لهم ما حرم عليهم مما أحل لهم لعلهم يتقون حدوده ويخافون عذابه . ثم قال : { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } ، أي : لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل . { وَتُدْلُواْ بِهَا } أي : وتخاصموا بالأموال إلى الحكام . { لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ } أي : من طائفة من أموالهم . { بِٱلإِثْمِ } أي : بالحرام . { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أي : تعلمون أنكم ظالمون وأنه حرام عليكم . قال ابن عباس : " هذا في الرجل يكون عليه مال ، ولا بينة عليه فيجحد المال ويخاصم صاحبه وهو يعلم أنه إثم " . ويقال : من مشى مع خصمه وهو ظالم فهو آثم / حتى يرجع إلى الحق . وقال عكرمة : " هو الرجل يشتري السلعة فيردها ويرد معه دراهم " . يقال : أدلى فلان إلى فلان بمال : خاصم . كأنه جعله كالرسالة . ويقال : " أدلى فلان بحجته " إذا بيَّنها كأنه يرسلها إرسالاً . وأصله من إرسال الرجل الدلو في حبل ؛ يقال : " أدليت الدلو " إذا أرسلتها ، و " دَلَوْتُها " إذا رفعتها وأخرجتها .