Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 185-185)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ } إلى قوله : { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . أي : المفترض عليكم شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن إلى سماء الدنيا وذلك ليلة أنزل الله جل ذكره القرآن من اللوح المحفوظ جملة إلى سماء الدنيا ، ثم نزل بعد ذلك نجوماً على ما شاء الله . كذلك أتت الرواية عن النبي [ عليه السلام ] . قال ابن عباس : " أنزل الله القرآن جملة من الذكر في ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان فجعل في بيت العزة " . وروى واثلة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نَزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَنَزَلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ . [ وَنَزَلَ الإِنْجِيلُ لِثَلاَثِ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْهُ . وَنَزَلَ الزَّبُورْ لِثَمَانِي عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ . وَنَزَلَ القُرْآنُ لأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ ] . وَكَانَ بَيْنَ نُزُولِ أَوَّلِ الْقُرْآنِ وآخِرِهِ عِشْرُونَ سَنَةً " . وقيل : معناه شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن بفرضه على الناس . فأما إعرابه على هذا المعنى ، فيكون فيه معدّى إليه الفعل بحرف جر ، لا ظرفاً . وعلى القول الأول ، يكون فيه ظرفاً للنزول . وروى جابر بن عبد الله أن النبي [ عليه السلام ] قال : " أَنْزَلَ الله أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صُحُفَ [ إبْرَاهِيمَ ، وأنْزَلَ التَّوْراةَ عَلَى مُوسَى ] لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأَنْزَلَ الزَّبورَ عَلَى داوُدَ لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأَنْزَلَ الإنْجِيلَ عَلى عِيسَى لِثمَانِي عَشْرَةَ ليلةً خَلَتْ مِنْ رَمَضانَ ، وأنزل القرآن لأربع وعشرين [ ليلة خلت من رمضان " . / وأكثر الناس على أن القرآن أنزل ] ليلة القدر من رمضان ، والله أعلم أي ليلة كانت ، وذلك كله إلى سماء الدنيا ، ثم نزل متفرقاً على ما ذكرنا . فأما إعراب { شَهْرُ رَمَضَانَ } ؛ فيجوز أن يكون " شَهْرُ " رفع بالابتداء ، و ( الَّذِي أُنْزِلَ ) الخبر . ويجوز أن يكون التقدير : الأيام التي تصام شهر رمضان وشبهه . وقرأ مجاهد وشهر بن حوشب : " شَهْرَ . " بالنصب . ورويت عن عاصم ونصبه عند البصريين على الإغراء ، وعند الكوفيين بالصيام ، وهو قبيح للتفرقة بين الصلة والموصول . وإنما سمي الشهر شهراً لشهرته ودخوله وخروجه ، ومنه " شَهَرَ فُلانٌ سَيْفَهُ " إذا أخرجه من غمده . فمن قال : " شَهْرُ رمضان " قال في التثنية " شهرَا رمضان " / وفي الجمع " أَشْهُرَ رمضان " ، و " شَهْرَات رمضان " . ومن قال : " رمضان " بغير شهر قال في الجميع " رَمَضَاناتٍ " . وحكى الكوفيون " رماضين " ، وحكوا " أَرْمِضَة " ، وحكي " رُمَاضٌ " . ولم ينصرف لأن فيه ألفا ونوناً زائدتان ، وهو معرفة . قال قطرب : " سمي رمضان رمضان لأنهم كانوا يصومونه في الحر . فهو مشتق من الرمضاء ، والرمضاء الرمل الحامي من الشمس " . وكره مجاهد أن يقال رمضان للشهر ، ولا يقال إلا " شهر رمضان " ، كما قال الله . وقال : " لعل رمضان اسم من أسماء الله " . / وقاله عطاء . / وقد أتت الآثار عن النبي عليه السلام بذكر رمضان من غير لفظ شهر . روى مالك أن ابن عباس قال : " إن رسول الله ذكر رمضان ، فقال : " لا تَصُومُوا حَتَى تَرَوُا الهِلالَ " . وقال أنس بن مالك : " سافرنا مع رسول الله [ عليه السلام ] في رمضان كثيراً " . وإنما سمي القرآن قرآناً لأنه يجمع السور الكثيرة من قولهم : " قَرَاْتُ الماءَ في الإناءِ " ، أي جمعته وضممته . وقيل : إنما سمي بذلك لأنهم يقولون : " قَرَأَتِ المَرْأَةُ " ، و " قرأت " إذا حاضت وإذا ولدت ، فكأنها / تظهر شيئاً كان مستوراً . والقارئ إذا أظهر شيئاً وبيَّنه ، فهو من إظهار الشي وتبيينه . وقوله : { هُدًى لِّلنَّاسِ } . أي رشاد للناس إلى طريق النجاة . وقوله : { وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ } . أي : والقرآن أيضاً آيات واضحات من الرشاد ، والفرق بين الحق والباطل . ثم قال : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } . أي فمن شهد منكم الشهر في المصر وهو صحيح فليصمه . و " شَهِدَ " بمعنى " حضر " . ومن كان مريضاً في المصر أو على سفر ، فليفطر إن شاء ، وعليه عدة من أيام أخر . وقيل : المعنى : فمن دخل عليه الشهر وهو مقيم في المصر لزمه الصوم [ سافر بعد ذلك أو أقام ] . رواه الضحاك عن ابن عباس قال : " إذا شهدت أوله في المصر فصم وإن سافرت " . وكذلك قال السدي . ورواه أيضاً قتادة عن علي رضي الله عنه ، وقاله عبيدة . وروي أيضاً / عن عائشة رضي الله عنها . وعلى القول الأول كل العلماء : إن للمسافر الإفطار ، وإن أخذه أول الشهر في المصر ، ولا يجزي صيام إلا بتبييت قبل الفجر . ومذهب [ مالك أنه إذا بيت الصيام ] في أول الشهر أجزأه عن أن يبيته في كل ليلة من بقية الشهر . وقال الشافعي وأحمد بن حنبل : " لا بد من تبييت الصوم في كل ليلة " وثبت عن / حفصة أنها قالت : " لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُجْمِع الصِّيامَ قَبْلَ الفَجْرِ " وأسندته إلى النبي [ عليه السلام ] . ثم قال تعالى : { [ وَمَن كَانَ ] مَرِيضاً } . أي مريضاً بمرض يشق عليه الصوم ويشتد عليه أفطر ، وكذلك المسافر ، لهما أن يفطرا ويقضيا جميعاً ، ولا إطعام عليهما . ومن أكل أو شرب ناسياً في رمضان فعليه القضاء ولا كفارة عليه . وهو قول مالك وربيعة بن عبد الرحمن وأهل المدينة . وعن علي وأبي هريرة وابن عمر أنه : " لا قضاء عليه " . و [ به ] قال عطاء وطاوس والنخعي والثوري والأوزاعي وابن أبي ذيب والشافعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور وأصحاب الرأي . ومن وطىء نهاراً في رمضان ناسياً فعليه القضاء عند مالك ولا كفارة عليه ، وهو قول عطاء والليث بن سعد والأوزاعي . وقال مجاهد والحسن والثوري والشافعي وإسحاق وأبو ثور وأصحاب الرأي : " لا قضاء عليه ولا كفارة " . وقال أحمد بن حنبل : " عليه القضاء والكفارة " . وأجمعوا على أن من أكل ناسياً فظن أن ذلك قد فطره فجامع عامداً أن عليه القضاء ولا كفارة عليه . ومن أكل أو شرب عامداً في نهار رمضان فعليه القضاء والكفارة كالمجامع عامداً . وهو قول مالك والزهري ، وبه قال الحسن وعطاء . وهو قول الثوري والأوزاعي وأبي ثور وإسحاق وأصحاب الرأي . وقال ابن المسيب : " عليه صوم شهر " . وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن : " عليه صوم اثني عشر يوماً على عدة الشهور " . وعن عطاء أنه " لا قضاء عليه ، وعليه تحرير رقبة ، فإن لم يجد فبدنة ، أو بقرة ، أو عشرون صاعاً طعاماً للمساكين " . وعن النخعي أن " عليه ثلاثة آلاف يوم " . وعن ابن عباس / أن " عليه عتق رقبة ، أو صوم شهر ، أو إطعام ثلاثين مسكيناً " . وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : " مَن أفطر يوماً في رمضان متعمداً لم يقضه أبداً طول الدهر " . وروي ذلك عن ابن مسعود . وعن الزهري أيضاً أنه قال : " إن كان فعل ذلك ابتداعاً لدين غير الإسلام ، ضربت عنقه ، وإن كان فعل ذلك فسقاً جلد " . ومن استقاء فقاء ، فعليه القضاء ولا كفارة عليه . وهو قول علي بن أبي طالب وزيد بن أرقم ، وابن عمر وعلقمة ، وهو قول الزهري ومالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي . وقال عطاء وأبو ثور : " عليه الكفارة مع القضاء " . فإن دَرعه القيء فقاء فلا شيء عليه عند الجميع . ثم قال : { يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ } . أي يرخص الله عليكم إرادة التيسير ، ولا يريد بكم العسر في دينكم . ثم قال : { وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ } : أي تكملوا عدة ما أفطرتم / فتقضوه في أيام أخر . ثم قال : { وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ } . قال ابن عباس : " حق على المسلمين أن يكبروا إذا نظروا إلى هلال شوال " . وقيل : هو التكبير في العيد عند الغدو إلى المصلى . قاله علي بن أبي طالب ، وزيد بن أسلم . وكذلك كان النبي [ عليه السلام ] يفعل إذا خرج إلى المصلى . فهو سنة عند الزهري وغيره . يقول الرجل : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر . ثم قال : { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } . أي [ تشكرون على تسهيله عليكم وهدايته ] لكم .