Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 196-196)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } . " ما " في موضع رفع ، أي : فعليه ذلك . وقيل : فوجب عليه ما استيسر . والمعنى واحد . وقيل : هي في موضع نصب تقديره : فَليُهدِ ما استيسر من الهدي . قال أبو عمرو : " الهدي جمع . واحده : هَدْيَةٌ ، كَتَمْرَةٍ وتَمْرٍ " . وقيل : هو مصدر لا واحد له كرجال صَومٍ . فهو يقع للواحد والجمع والتأنيث كأنه مصدر " هدى إلى البيت هدياً " وبنو تميم يُثقلون ياء الهدي . وقال الفراء : " لا واحد له " . قوله : { فَفِدْيَةٌ } أي فعليه فدية . ويجوز النصب على معنى : فليُفد فديةً ، وفليأت فدية . قوله : { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } . الثاني يجوز فيه ما جاز في الأول . قوله : { ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ } أي ذلك الفرض على من هذه حالته . قوله : { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ } . أي : أتموا الحج إلى أقصى مناسكه ، والعمرة إلى البيت ، وفي قراءة عبد الله : " وأَتِمُّوا الحَجّ والعُمْرَةَ إلَى البَيْتِ لله عز وجل " . وقرأ الشعبي : " والعُمْرَةُ لله " بالرفع / وكأنه تأول أن النصب يوجب فرض العمرة ، وليس كذلك عند أكثر العلماء ، وإنما معنى النصب هو الفرض بإتمام ما قد دخل فيه الرجل . فالعمرة ليست بفرض ، وإتمامها إذا دخل فيها الداخل فرض . فالقراءة بالرفع تخرج وجوب إتمام العمرة عند الدخول فيها أن يكون فرضاً بالآية . ومعنى النصب : " أتموا الفرض والتطوع . والفرض قد بُيِن بقوله : { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ } [ آل عمران : 97 ] . قال ابن عباس : " مَن أحرم بحج أو عمرة فليس له أن يحل حتى يتمهما " . وقال مجاهد : " إتمامهما أن يقضي مناسكهما " . وقال علي بن أبي طالب : إتمامهما أن تحرم من دويرة أهلك " . ويرد هذا فعل النبي [ عليه السلام ] إذ لم يحرم إلا من الميقات . وقال طاوس : " إتمامهما أن تفرد / ولا تقرن " . وقال قتادة : " إتمام العمرة / أن يحرم بها في غير أشهر الحج " . وإتمام الحج : أن تأتي بمناسكه حتى لا يلزمك دم القِران ولا متعة لأن من أحرم من غيرها بعمرة في أشهر الحج ، ثم حج عامة فهو متمتع وعليه دم . وقال سفيان : " إتمامهما أن تخرج من بيتك لا تريد غيرهما ، وتهل من الميقات . ليس أن تخرج لتجارة أو لحاجة / حتى إذا صرت قريباً من مكة قلت : لو حججت أو اعتمرت " . وروي عن عثمان أنه قال : " إتمامهما ترك الفسخ وأن تكون النفقة حلالاً " . وليست / العمرة بواجبة عند مالك وأبي حنيفة ، وهي واجبة عند الشافعي . وقال عطاء وطاوس ومجاهد : " العمرة فرض كالحج " . وهو قول ابن جبير وعلي بن الحسين . وروي ذلك عن ابن عباس وعن ابن عمر . وروى جابر أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] سئل عن العمرة : أواجبة هي ؟ فقال : " لا ، وأنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك " . وعنه أنه قال : " الحجُّ جِهادٌ ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ " . وهو قول نافع ، والقاسم بن محمد . وقال ابن مسعود : " الحج فريضة ، والعمرة تطوع " . وليس في هذا دليل على فرض الحج ، ولا العمرة ، إنما افترض في قوله : { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ } [ آل عمران : 97 ] . إنما في هذه الآية فرض إتمام ما دخل فيه من حج أو عمرة . وهو داخل تحت قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } [ المائدة : 1 ] . فمن عقد عقداً من حج أو عمرة أو غير ذلك من الطاعات فعليه إتمامه فرضاً من الله بآية العقود . فبان من هذا أن العمرة غير فرض إذ لم تأت بذلك آية ، كما أتت في الحج . ومعنى " اعتمر " : قصد ، كأنه افتعل من " عَمَرَ " . والحج القصد . وقيل : اعتمر ، معناه : زار . والإحصار عند مجاهد هو الحبس بمرض . وهو عند عطاء الحبس من كل شيء مرض أو خوف أو غيره . وقال ابن عباس : " هو منع العدو لا غير " . وإنما أنزل الله الآية في إحصار العدو لرسول الله [ عليه السلام ] ومنعهم إياه أن يتم عمرته حين رجع ، و [ أحل في موضعه وعاد ] في العام القابل . وأكثر الناس على أن العلل العارضة المانعة من الحج غير داخلة في الإحصار ، وحكمها حكم من فاته الحج ، وليس حكم من منعه العدو حكم من فاته الحج . قوله : { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } . " هو شاة " قال ذلك علي وابن عباس . وقال قتادة : " أعلاه بدنة ، وأوسطه بقرة " . وقال ابن عمر : " هو البقرة دون البقرة في السن ، والبعير دون البعير " . وهو قول ابن الزبير وعائشة . فمعنى ذلك أن من حبسه شيء عن إتمام حجه أو عمرته ، فعليه إذا أراد أن يحل شاة / أو بقرة أو بعير على ما ذكرنا من الاختلاف . ومذهب مالك أن الشاة تجزي . ولا هدي عند مالك على من أحصر بعدو ، ولا قضاء لحجه ولا لعمرته إلا أن يكون ضرورة فعليه الحج . فإن كان الإحصار بمرض ونحوه فلا يحله إلا البيت ، وعليه الهدي ، إذا فاته الحج ويفسخ حجه في عمرة ، وعليه حج قابل يكون معه الهدي الذي لزمه لفوات الحج . قوله : { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ } . أي من أراد أن يحل ، فلا [ يحلق رأسه حتى يبلغ الهدي ] محله لأن حلقه إحلال . وبلوغ الهدي محله هو نحره أو ذبحه في أي موضع كان ، إذا أحصر بخوف أو عدو ، لأن النبي [ عليه السلام ] حل بالحديبية ونحر بها حين صد ، وحلقوا رؤوسهم . والحديبية ليست من الحرم . فالنحر مقدم على حلق الرأس بهذه الآية . قوله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } أي بمرض أو نحوه ، فمحله بعد الطواف بالبيت ، والسعي بين الصفا / والمروة . وليس على من أحصر بعدو أو خوف قضاء ولا هدي ، ويحل في موضعه ، [ وينحر في موضعه من حل ] أو حرم إذا فاته الحج بحصر العدو بخلاف حصر المرض ونحوه الذي يلزم / فيه القضاء ولا يحله إلا البيت ، ويلزمه الهدي عند قضاء ما فاته من حج أو عمرة ؛ هذا مذهب مالك . إنما القضاء على من فاته الحج من غير إحصار عدو بمرض أو فوات . فإن كان الذي أحصر لم يحج فعليه الحج لازم ، وإن كان الذي أحصر بمرض لا يقدر على الوصول ، ويخاف على الهدي أن يعطب ، أرسله يُنحر بمكة ، ويبقى هو على إحرامه حتى يطوف ويسعى وإن أقام سنين . قوله : { أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ } . أي شقيقة أو وجع أو كثرة قمل . " وهذه الآية نزلت في كعب بن عَجُرَة إذ شكا إلى النبي [ عليه السلام ] كثرة قمله وذلك عام الحديبية ، فأمره النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بحلقه ، وأمره بالهدي ، فقال : لا أجد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " صُمْ ثلاثَةَ أيامٍ أوْ [ أطْعِمْ ستَّةَ مَساكينَ ] . لكل مِسْكِينٍ نِصْفُ صاعٍ " ، ففي ذلك نزلت الآية " . وقال الحسن : " عليه صوم عشرة أيام ، أو إطعام عشرة مساكين " . وقاله عكرمة قياساً على المتمتع . قوله : { فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ } . ومعنى التمتع عند الفقهاء المدنيين والكوفيين أن يعتمر الرجل الذي ليس من أهل مكة ، ويحل من عمرته في أشهر الحج ثُمّ يحج من عامه ولم يرجع إلى أُفقه ، أو أُفق مثل أفقه / بين الحج والعمرة . فمن حصل له ذلك فهو متمتع ، وعليه شاة . وقيل : بقرة ، وقيل : / بدنة . فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى بلده ، وهو معنى قوله : { ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي هذا الحكم يجب على الغرباء إذا حلوا من عمرتهم في أشهر الحج ثم حجوا من عامهم . يعني من ليس بقاطن من الغرباء بمكة / يلزمه ذلك ، خاصة على ما فسرنا . قال ابن عباس : " الثلاثة الأيام ما بين إحرامه إلى عرفة " . وعن ابن عمر : " هن [ يوم قبل ] التروية ، ويوم التروية ويوم عرفة " . وروي ذلك عن علي . وروي عن علي أنه قال : " آخرها انقضاء أيام منى " . وقالت عائشة رضي الله عنها : " يصوم أيام منى " . وقال مالك : " يصوم ثلاثة أيام قبل النحر ، فإن لم يصم صام أيام التشريق و [ هي ثلاثة أيام ] بعد يوم النحر ، فإن لم يصبها صام بعد ذلك " . ولا اختلاف بين الفقهاء أن يوم النحر ويوم الفطر لا يجوز صومهما لأحد . وقال ابن عباس : " إذا فاته الصوم في العشر ، فعليه دم " . وهو قول سعيد بن جبير . وهو قول أصحاب الرأي . وقال ابن عباس : " صيامه الثلاثة الأيام ما بين إحرامه إلى يوم عرفة وليس له صوم ، قبل إحرامه . وقال مالك : " يصومهن إذا أهلّ متى ما أهل " . وقال مجاهد وطاوس : " له صومهن في أشهر الحج متى صام ، وإذا دخل في الصوم ثُم وجد هدياً ، وتمادى على الصوم أجزأ " . واستحب مالك أن يهدي إذا وجد قبل أن يتم قبل الصوم ، إن كان صام يوماً أو يومين . فإذا صام أكثر من ذلك استحب أن يهدي . فإن لم يفعل فلا شيء عليه . وروي عنه إيجاب الهدي إذا وجده ، وقد صام يوماً أو يومين ، ويصوم السبعة متى شاء ؛ إن شاء أخرها حتى يعود إلى مصره ، وإن شاء عجل صيامها . وقوله : { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } . إنما قال تعالى : " عَشَرَةٌ " لجواز أن يظن أن علية ثلاثة أو سبعة فبيّن إيجاب العددين بقوله : { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } . وقال المبرد : " إنما قيل : { تِلْكَ عَشَرَةٌ } / لأنه يجوز أن يظن السامع أن ثم شيئاً آخر بعد السبعة ، فأزال اللبس " . فأما قوله : { كَامِلَةٌ } ، فقال الحسن : " معناه : كاملة من الهدي " . أي قد كملت في المعنى الذي جعلت بدلاً منه . وقيل : معناه الأمر ، كأن معناه : " تلك عشرة فأكملوا صومها ولا تقصروا فيها . وقيل : معنى " كاملة " التوكيد ، كما تقول : " سمعته بأذني ، ورأيته بعيني " ، وكما قال : / { فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ } [ النحل : 26 ] . وقيل : معناه : تلك عشرة وافية للهدي . وقيل : إنه قد كان جائزاً أن يقول : " وعليكم عشرة من قابل ونحوها " فلما قال : { كَامِلَةٌ } ، علم أنه لا فرض بعد ذلك ، كما تقول في آخر الحساب : " فذلك كذا وكذا " لتدل على أنه لم يبق شيء . وقيل : لما كانت العشرة / تتركب من عددين عَيَّنَ الثلاثة والسبعة ، ولو صامها أحد على غير [ ثلاثة وسبعة ] لم يكن بمكمل لما أراد الله عز وجل من الترتيب ، فقال : { كَامِلَةٌ } ، أي إذا صامها أحدهم على هذا الترتيب كانت كاملة . وإن لم يفعل ، فليست بكاملة في الفرض ، وهي كاملة في العدد . فـ " كاملةٌ " ليس بتأكيد للعشرة ، وإنما هو تأكيد للكيفية في صومها وترتيبها . وقيل : لما كانت الواو قد تقع بمعنى " أو " ، فتكون مخيرة في صيام سبعة أو ثلاثة . أتى بـ { عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } ليبين أن الواو ليست بمعنى " أو " ، وأن السبعة والثلاثة يلزم صيامها ، فبين بـِ " عشرة " ذلك ، وأزال اللبس والاحتمال . وهذا مبني على مذهب الكوفيين في إجازتهم لوقوع الواو بمعنى " أو " ، وليس هو مذهب البصريين ، لا تقع عندهم الواو بمعنى " أو " لاختلاف مَعْنيهما وحكميهما . قوله : { ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } . قيل : اللام بمعنى " على " أي ذلك الحكم على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، كما قال : { لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ } [ الرعد : 25 ] أي [ و ] عليهم . ومنه قول النبي [ عليه السلام لعائشة ] : " اشتَرِطِي لَهُمْ الوَلاءَ " أي عليهم . وقيل : اللام على بابها ، وأن المعنى : أن التمتع لمن هو من غير أهل مكة ليس بقاطن بها ، لأنهم تمتعوا بأحد السفرين إذا اعتمروا وحجوا في سفر واحد وانتقال واحد في أشهر الحج . وقيل : يراد بذلك أهل الحرم كلهم ، لا متعة عليهم . وقال مالك : " هم أهل مكة وأهل ذي طوى لا متعة عليهم ، وليس أهل منى منهم ، بل يكونون متمتعين كغيرهم من غير أهل مكة والحرم " . وقيل : هم مَن منزلُه دون الميقات في حرم أو غيره . رواه ابن جريج عن عطاء . وقال الزهري : " هو الذي بينه وبين مكة اليوم واليومان لا متعة عليه " . وكان الطبري يقول : " هو الذي ليس بينه / وبين مكة ما تقصر فيه الصلاة " . وقيل : التمتع لبس الثياب وأخذ الطيب فيما بين العمرة والحج . من فعله ، فعليه ما استيسر من الهدي ، وذلك إذا كانت عمرته في أشهر الحج ، فتمتع ؛ فلبس الثياب وأخذ الطيب ، ثم حج / من عامه ، فهو متمتع إذا كان من غير أهل مكة . وهو خلاف قول أهل المدينة .