Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 219-220)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } . من قرأ بالثاء فقراءته مختارة ، لأن الكثرة تشتمل على العظم والكبر ، والكبر والعظم لا يشتمل على الكثرة فبالثاء أعم وأولى . وكل ما كثر فقد عظم وليس كل ما عظم بكثير ، فوصف الإثم بالكثرة أبلغ من وصفه بالعظم ، وقد قال تعالى : { وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً } [ الفرقان : 14 ] وأيضاً فإن الإثم الأول بمعنى الآثام لقوله : " ومنافع " ولم يقرأ " ومنفعة " . والآثام فبالكثرة توصف أولى من العِظم . وأما الثاني فهو إجماع بالباء لأنه يراد به التوحيد لا الجمع . ومن قرأ بالباء فحجته إجماعهم على { أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } بالباء ، أي أعظم . وقوله : { حُوباً كَبِيراً } [ النساء : 2 ] ، وقول العرب : " إِثْمٌ صَغِيرٌ " ، يدل على جواز " كبير " وحُسْنِه وترك استعمالهم " لإثم قليل " ، يدل على بعد " كثير " . وإجماع المسلمين على قولهم : " صغائر وكبائر " ، يدل على حسن " كبير " . ونزلت الآية جواباً لمن سأل النبي [ عليه السلام ] عن الخمر والميسر . / والخمر : ما خامر العقل أي ستره ، فكل شراب ستر العقل وأحاله فهو خمر ، يقال : " دخل فِي خِمَارِ النَّاسِ " أي هو مستتر في الناس ، ويقال للضبع : " خَامِرِي أُمِّ عَامِر " ، أي استتري . وخمار المرأة قناعها لأنه يسترها . وقولهم : " اخْتَمَرَ الْعَجِينُ " ، أي غطى فطورته الاختمار . والميسر القمار سمي بذلك لما كانوا ييسرون من الجزور وغيرها للقمار عليها . وقال مجاهد : " كل القمار من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز " . وقال عطاء : " حتى لعب الصبيان بالكعاب " . وقال القاسم : " كل ما أنهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر " . قال ابن عباس : " كان الرجل في الجاهلية يخاطر عن أهله وماله ، فأيهما قامر صاحبه ذهب بأهل الآخر وماله " . وأشعار العرب : تدل على أن الميسر كان قماراً بينهم في الجزور خاصة . وقيل : سمي ميسراً لأنهم كانوا يجزرون الجزور . وكل / شيء جزرته فقد يسرته والياسر الجازر . فقيل للضاربين بالقداح : ياسرون ، لأنه سبب لتجزئة الجزور . ويقال للضارب بالقداح " يَسَرٌ وأَيْسَارٌ " . وقيل : إن " يَسْراً " جمع " لِيَاسِرٍ " ، ثم يجمع " يَسَرٌ " على " أَيْسَارٍ " وكانت العرب أهل المقدرة منهم يقامرون على الإبل في الشدائد ، ويجعلون لحومها للفقراء / منهم لتعدل أحوال الناس ، ولذلك قال : " { وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ } " . والقداح التي كانوا يقامرون بها عشرة : منها سبعة ذوات خطوط ، على كل واحد علامة يعرف بها ، وهي : الفذ ، والتوأم ، والرقيب ، والحلس ، والنافس ، والمسبل ، والمعلى . ومنها ثلاثة لا خطوط فيها ، يقال لها : " الأغفال / والغفل من الدواب الذي لا سمة له ؛ وهي : السفيح والمنيح ، والوغد وليس لها سهام . والسبعة الأول للفذ منها نصيب ، وللتوأم نصيبان ، وللرقيب ثلاثة ، وللحلس أربعة ، وللنافس خمسة ، وللمسبل ستة ، وللمعلى سبعة ، وعلى كل واحد من العلامة على قدر ما له من الأنصباء . وقوله : { وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ } . هي أثمانها وما كانوا يصيبون من الجزور . { وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } . أي الإثم فيهما بعد التحريم أكبر من النفع قبل التحريم . قال سعيد بن جبير : " لما نزلت : { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ } كره الخمر قوم للإثم ، وشربها قوم للمنافع وهو الفرح الذي فيها حتى نزلت { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } [ النساء : 43 ] ، فتركوها عند الصلاة حتى نزلت / { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ } [ المائدة : 90 ] فحرمت " . فهذا يدل على أنها منسوخة بما في " المائدة " . وروي أن عمر رضي الله عنه كان يقول : " اللهم بيّن لنا في الخمر " ، فنزلت : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ } الآية ، فقرئت عليه ، فقال : [ اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ، فإنها تذهب العقل والمال ] ، فنزلت { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } ، فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً ، فنزلت : { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ } الآية التي في المائدة فقال عمر : انتهينا ، انتهينا " . فالخمر محرمة بنص القرآن لأن الله جل ذكره أخبرنا في هذه السورة أن فيها إثماً كبيراً ، وحرم تعالى اكتساب الإثم بقوله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ } [ الأعراف : 33 ] أي واكتساب الإثم . فهذا نص ظاهر في التحريم مع قوله : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } [ المائدة : 91 ] . فهذا تهدد ووعيد ؛ وذلك لا يكون إلا في المحرمات مع قوله : { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ } [ النساء : 43 ] ، فتحريم المسكر منصوص بَيِّنٌ في كتاب الله [ جل وعز ] ، وكل ما أسكر فهو خمر ، لأن كل مسكر يخامر العقل ، وكل ما خامر العقل فهو خمر وهو مسكر . وإنما سميت الخمر خمراً لأنها تخامر العقل ، أي تخالطه . وقيل : سميت بذلك لأنها تخمر ، أي تغطي من الخمار الذي تغطى به . وقيل : سميت بذلك لأنها تخمر العقل ، أي تستره من الخمار الذي يغطى به الرأس . قوله : { قُلِ ٱلْعَفْوَ } . أي تتصدق بما فضل عن أهلك . قال السدي : " كانوا يعملون كل يوم بما فيه ، فإن فضل في ذلك اليوم فضْلٌ عن العيال قدموه " . وقال ابن عباس : " العفو ما لا يتبين / خروجه من المال " . وقال طاوس : " العفو اليسير من كل شيء " . وقال اليزيدي : العفو هو ما أطقته من غير أن تجهد فيه نفسك " . وقيل : ما فضل عن أهلك . وروي أن هذه الآية { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ } " نزلت في رجل أتى إلى النبي [ صلى الله عليه وسلم ] فقال : " إن لي ديناراً " ، فقال : أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ . فقال : إن لي دينارين . فقال : أَنْفِقْهُمَا عَلَى أَهْلِكَ ، فقال : إن لي ثلاثة ، قال أَنْفِقْهَا عَلَى خَادِمِكَ . [ قال : إن ] لي أربعة ، قال : أَنْفِقْهَا عَلَى وَالِدَيْكَ ، قال : إن لي خمسة . قال : أَنْفِقْهَا عَلَى قَرَابَتِكَ قال : إن لي ستة . قال أَنْفِقْهَا فِي سَبِيلِ اللهِ " . يريد لي الدينار غير الدينار ، ولي اثنان غير الاثنين / ، وثلاثة غير الثلاثة ، وكذلك ما بعده . وقيل : العفو ما لا يكون إسرافاً ولا إقتاراً . قاله عطاء والحسن وقال مجاهد : " العفو الصدقة عن ظهر غنى " . وروي عن ابن عباس في حد العفو : " أمر النبي صلى الله عليه وسلم [ أن يأخذ ] ما أتوا به من قليل أو كثير . وقال الربيع : " العفو / ما طاب من المال " . / وقال قتادة : " العفو أفضل المال ، وأطيبه أفضله " . قال ابن عباس : " هي منسوخة بالزكاة " . وقيل : إنما هي الزكاة ، وليست منسوخة . وقيل : إنما في التطوع ، سألوا عنه فأجيبوا ، فهي محكمة وليست بغرض . قوله { كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ } . معناه : مثل ما بين لكم الخمر والميسر وما فيهما يبين لكم الآيات لعلكم تتفكرون في نفاذ الدنيا وزوالها وبقاء الآخرة ونعيمها فتعملون للباقية منهما . وقيل : معناه : لعلكم تتفكرون في فضل ما بينهما . وقيل : / في الكلام تقديم وتأخير ، وتقديره : " يبين الله لكم الآيات في الدنيا والآخرة " ، أي في أمرهما لعلكم تتفكرون . قوله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } . كان سبب نزول هذه الآية أنه لما نزل : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً } [ النساء : 10 ] ، انطلق من كان معه يتيم فعزل طعامه من طعامه ، وشرابه من شرابه ، فكان يفضل الشيء من طعام اليتيم فيحبس له حتى يفسد فاشتد عليهم ذلك ، فذكروا ذلك للنبي [ عليه السلام ] ، فأنزل الله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } . قاله ابن عباس وغيره . وقيل : إنه لما نزل : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ الأنعام : 152 ] ، اجتنب الناس مخالطتهم فنزلت : { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } ، فخالطوهم . { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } . أي يعلم حين تخلط مالك بماله ، أتريد بذلك إصلاح ماله أو إفساده يريد الجنسين . قوله : { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ } . أي : لحرم عليكم مخالطتهم فتتبعون ، ويشق ذلك عليكم . وقيل : معناه : لأَوْبقَكُمْ فأهلككم بما قد أصبتم من أموالهم . قال أبو إسحاق : " معناه : لكلفكم ما يشتد عليكم ، فتعنتون " . وأصله من : " عَنِتَ البَعِيرُ " إذا حدث في رجله كسر بعد جبر . قوله : { أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . أي : عزيز في سلطانه ، حكيم في فعله وأحكامه وتدبيره .