Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 26-26)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً } . حكى الطبري أن " يستحيي " بمعنى " يخشى " ، كما وقع " يخشى " بمعنى " يستحيي " في قوله : { وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } [ الأحزاب : 37 ] . أي وتستحيي من الناس . و " تستحيي " فعل عينه ولامه حرفا علة صحت عينه واعتلت لامه ، فتقول في الاسم : " هو مُسْتَحِي " بحذف لام الفعل في الرفع والخفض كقاض ، وإثبات عينه . وتثبت اللام مع الغين في النصب ، وتقول في التثنية : " رأيتهما مسْتَحْيِيَيْن " بثلاث ياءات فإن جمعت قلت : " هَؤُلاَءِ مُسْتَحْيُونَ " ، بياء واحدة في الرفع . وفي النصب والخفض ، " مُسْتَحْيينَ " بياءين . فالأولى عين الفعل ، والثانية ياء الجمع ، ولام الفعل محذوفة في الجمع المنصوب والمرفوع والمخفوض لأن العلة لحقتها ، بأن استثقلت عليها الحركة وهي كسرة لأن أصلها " مُسْتَحْيُونَ " . فلما سكنت حذفت لسكونها وسكون الحاء قبلها . وبنو تميم يحذفون لام الفعل ، ويعلون العين في الجمع ، فيقولون : / هُمْ مُسْتَحُونَ " . ومن العرب من يحذف إحدى الياءين في الفعل / فيقول : " يَسْتَحِي " ، فيلقي حركة الياء الأولى على الحاء ، فيكسرها ويحذف الياء لالتقاء الساكنين . وقوله : { أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً } . معناه : إن الله جَلَّ ذكره لما ضرب المثل بالصيب وبالذي استوقد ناراً ، قال المنافقون : " الله أعظم من أن يضرب مثلاً بهذا " ، فأنزل الله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً } الآية . قال الربيع : " هو مثل ضربه الله للدنيا ، وذلك أن البعوضة تَحْيَا ما جاعت ، فإذا شبعت ماتت ، فكذلك الكافر إذا امتلأ من الدنيا أخذه الله ، كما قال : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } [ الأنعام : 44 ] . وقال قتادة : " معناه إن الله لا يستحيي أن يذكر شيئاً من الحق قَلَّ أوْ كَثُرَ " . وقيل : إن هذا المثل مردود على " ما " في غير هذه السورة ، وذلك أن الله جَلَّ ذكره لما ضرب المثل بالعنكبوت والذباب تكلموا وقالوا : ماذا أراد الله بهذا مثلاً ، كما حكى الله تعالى عنهم فأنزل الله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً } الآية . واختار الطبري أن يكون مردوداً على إنكارهم للأمثال في هذه السورة دون غيرها . وقوله : { مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً } . " ما " و " ذا " اسم واحد للاستفهام في موضع نصب بـ " أراد " تقديره : أي شيء أراد الله . { مَثَلاً } : نصب على التفسير . ويجوز أن [ تكون " ما " ] استفهاماً في موضع رفع بالابتداء . و " ذا " بمعنى " الذي " ، " وهو " الخبر وصلته ما بعده . وأراد " واقع على هاء محذوفة ، أي أراده الله . ومعنى { فَمَا فَوْقَهَا } أي دونها في الصغر . وقيل : معناه : فما أكبر منها ، وهو اختيار الطبري ، لأن البعوضة متناهية في الصغر ، وإن كان ثم ما هو أصغر منها . قوله : { فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } . أي يعلمون أن هذا المثل حق . قوله : { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً } . أي يضل بهذا المثل خلقاً كثيراً ، وهذا من قول المنافقين . وقيل : هو من قول الله جَلَّ ذكره ، ودَلَّ عليه قوله : { وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } ، وهذا لا يكون من قول المنافقين لأنهم لا يقرون أن هذا المثل / يهدى به أحد ، فهو من قول الله بلا اختلاف . وكذلك قوله : { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ } هو من قول الله ؛ إذ لا يجوز أن يكون من قول المنافقين ، لأنهم قد ضلوا به ، ولا يقرون على أنفسهم بالفسق . فكذلك يجب أن يكون الذي قبله . / ويدل على أنه كله من قول الله عز وجل / قوله في موضع آخر : { وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } [ المدثر : 31 ] يعني المنافقين { وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ } [ المدثر : 31 ] . فقوله : { كَذَلِكَ } يعني به مثل ما قالوا في سورة البقرة ، كذلك قالوا في هذا . وقال القتبي : " لما ضرب الله المثل بالعنكبوت والذبابة ، قالت اليهود : ما هذه الأمثال التي لا تليق بالله ، فأنزل الله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً } / الآية ، فقالت اليهود : ماذا أراد الله بمثل ينكره الناس ، فيضل به فريقاً ، ويهدي به فريقاً ، فقال الله : { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ } . فذكر الضلال والهدى في هذا القول من قول اليهود حكاه الله لنا عنهم . وأصل الفسق الخروج عن الشيء ؛ يقال : " فَسَقَتِ الرَّطْبَةُ " إذا خرجت عن قشرها .