Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 29-29)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } . معناه : أقبل عليها . تقول العرب : " فلان مقبل على فلان ، ثم استوى إليَّ يمشي " ، أي أقبل إليّ . وقيل : معناه / تحول أمره وفعله إلى السماء . وقال القتبي : " استوى ، عمد إليها " . وقال ابن كيسان : " استوى قصد " . قال غيره : " معناه قصد إلى خلقها بالإرادة لا بالانتقال " . يقال : " لما استويت إلى موضع كذا ، ظهر لي كذا " ، / أي لما قصدت بإرادتي إلى أمر كذا ، ظهر لي كذا . وقيل : استوى : استولى . تقول العرب : " استوى فلان على المملكة " . أي استولى عليها واحتوى عليها . واختار الطبري وغيره أن يكون " استوى " بمعنى " علا " على المفهوم في لسان العرب . قال أبو محمد : وليس : " علا " في هذا المعنى أنه تعالى علا من سفل كان فيه إلى علو ، ولا هو علو انتقال من مكان إلى مكان ، ولا علو بحركة تعالى الله ربنا عن ذلك كله ، لا يجوز أن يوصف بشيء من ذلك ، لأنها صفات توجب الحدوث للموصوف بها ، والله جَلَّ ذكره أول بلا نهاية / لكن نقول : إنه علو قدرة واقتدار ولم يزل تعالى قادراً له الأسماء الحسنى والصفات العلا . فإنما دخلت " ثمَّ " في قوله : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ } بمعنى القصد لخلق ما أراد أن يخلق على ما تقدم في علمه قبل ، بلا أمد . والهاء في { فَسَوَّٰهُنَّ } تعود على السماء لأنها جمع سماوة . وقيل : السماء تدل على الجمع . وقيل : لما كانت السماء واسعة الأقطار ، يقع على كل قطر منها اسم سماء جمع على هذا المعنى . والمعنى فَسَوَّى منهن سبع سماوات . وقيل : سبع سماوات بدل من الهاء والنون ، فلا تقدير حرف جر على هذا محذوف منه . وقد روي عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهم في تفسير ذلك : " أن الله جَلَّ ذكره كان عرشه على الماء كما أخبرنا به في كتابه . قالوا : ثم أخرج من الماء دخاناً ، فارتفع الدخان فوق الماء ، فسما الدخان على الماء فَسَمَّاه سماء . ثم إنه تعالى بقدرته أيبس الماء ، فجعله أرضاً واحدة ، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين وذلك في يوم الأحد ويوم الاثنين ، وجعل الأرض على حوت وهو النون ، والحوت في الماء ، والماء على ظهر صفا ، والصفاة على ظهر ملك ، والملك على صخرة ، والصخرة على الريح ، وهي الصخرة التي ذكر لقمان ، فهي ليست في الأرض ، ولا في السماء ، فتحرك الحوت واضطرب ، فتزلزلت الأرض فأرسى عليها الجبال ، فذلك قوله : { وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ } [ الأنبياء : 31 ] . وخلق الجبال في الأرض وجعل فيها أقوات أهلها وشجرها ومصالحها في يومين ، الثلاثاء والأربعاء ، ودل على ذلك قوله : { خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } [ فصلت : 9 - 10 ] - يعني اليومين الأولين والآخرين - ، ثم قال : { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ } [ فصلت : 11 ] . فجعل / الدخان سماء واحدة ، ثم فتقها سبع سماوات ، وذلك في يومين الخميس والجمعة ، ولذلك سمي يوم الجمعة لأنه اجتمع فيه تمام خلق السماوات والأرضين " . وقال مجاهد : " خلق الله الأرض قبل السماء ، فثار منها دخان ، فخلق منه السماوات " . وقد ذكر الله خلق الأرض قبل السماء في سورة السجدة ، ثم ذكر في " والنازعات " دحو الأرض بعد السماء ، فقال : { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } [ النازعات : 30 ] ، فقال ابن عباس في معنى ذلك : " إنه تعالى خلق الأرض بأقواتها قبل السماء غير أنه لم يدحها ، ثم خلق السماوات ، ثم دحا الأرض بعد ذلك " . وقال ابن سلام : " بدأ الله الخلق يوم الأحد / ، فخلق الأرضين يوم الأحد والاثنين ، وخلق الأقوات والجبال في الثلاثاء والأربعاء ، وخلق السماوات في الخميس والجمعة وخلق آدم صلى الله عليه وسلم في آخر ساعة من يوم الجمعة " . قال أبو محمد : ولو شاء تعالى ذكره لخلق ذلك كله في أقل من طرف عين ، يفعل ما يشاء لا إله إلا هو ، لا معقب لحكمه . قوله : { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } / . أي عليم بكل شيء قبل خلقه له ، وقبل حدوثه ، لا أنه علم محدث مع حدوث المعلومات تعالى عن ذلك ، قد علم المعلومات كلها قبل حدوثها وكونها .