Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 3-3)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله : { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } الآية . " الذين " : اسم مبهم ناقص لا بد له من صلة وعائد ، وهو مبني في الجمع والواحد لمشابهة الحروف ، ولأنه بعض اسم ، فإن ثَنَّيْتَهُ أَعْربتَه ، لأن التثنية تخرجه من مشابهة الحروف إذ الحروف لا تثنى . فإن قيل : فأعربه في الجمع إذ الحروف لا تجمع . فالجواب : إن الجمع مشبه بالواحد ، لأنه يأتي إعرابه في آخره كالواحد ، ولأنه يأتي على صور وأبنية مختلفة كالواحد ، فجرى مجرى الواحد في البناء ، والتثنية لا تختلف أبنيتها ، ولا يقع إعرابها في آخرها ، فخالفت الواحد والجمع فأعربت ، هذه لغة القرآن وأكثر كلام العرب . ومن العرب من يعرب الجمع فيقول في الرفع " أَلَّذُون " فهؤلاء أعربوا الجمع إذ الحروف لا تجمع ، وأصل " الذي " تدغم الياء منه محذوفة للتنوين كما تحذف في " عم " و " قاض " في الرفع والخفض . فلما دخلته الألف واللام رجعت الياء لزوال التنوين ، وكتب " الذي " بلام واحدة ، وأصلها لامان ، تخفيفاً ولكثرة الاستعمال . وجرى " الذين " في الجمع على ذلك لقربه من الواحد في المشابهة / المتقدمة الذكر ، وكتبت " اللذين " في التثنية بلامين على الأصل ، لأن التثنية لا تختلف ولا تأتي في جمع الأسماء إلا على نظام واحد . فلما جرت على أصلها ، ولم تختلف كاختلاف الجمع جرت على أصلها في الخط . وأصل الإيمان : التصديق ، فالعبد المؤمن يُصَدِّقُ بما أتاه من ربه ، والله يصدق عبده بانتظاره ما وعده به من المجازاة على إيمانه ، فالله جل ذكره مؤمن ، ولا يقال : بكذا ، والعبد مؤمن بكذا . وقد قيل : إن المؤمن مأخوذ من الأمان ، وذلك أن العبد يُؤَمِّن نفسه من عذاب الله بإيمانه . والله مُؤَمِّن : أي : يُؤَمِّنُ مطيعه من عذابه . والهمز في " يؤمن " الأصل ، وبدل الهمزة بواو لانضمام ما قبلها حسن فصيح . والغيب : كل ما استتر عنك . وهو في هذه الآية البعث ، والحساب ، والجنة ، والنار ، وشبهه . قاله سفيان وغيره . وقيل : معنى { بِٱلْغَيْبِ } : بالقدر . وقال عطاء : " { بِٱلْغَيْبِ } : بالله جل ذكره " . وقيل : بالقرآن . وقال بعض المتصوفة : " الغيب : القلب ، أي يؤمنون بقلوبهم ، لأن المنافق يؤمن بلسانه لا بقلبه " . فالإيمان الصحيح / النافع ما اعتقده القلب . وقال بعض العلماء : { يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } ، أي : يؤمنون إذا غابوا عن الناس ، كما يؤمنون إذا حضروا ، أي ليسوا كمن يؤمن بالحضرة ، ويكفر بالغيب . وقوله : { وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ } . معناه يديمون أداءها / بفروضها في أوقاتها . وقال الضحاك : " إقامتها تمام سجودها وركوعها وخشوعها وتلاوتها وسنتها " . وأصل " يُقيمُونَ ، " يُقْوِمُونَ " على وزن " يُفْعِلُونَ " فألقيت حركة الواو على القاف وأبدل من الواو ياء لسكونها ، وانكسار ما قبلها . / كما قالوا : ميزانٌ وميعادٌ ، وهما من الوَعْدِ والْوَزْنِ . وأصل الصلاة في اللغة : الدعاء ، لكن سمي الركوع والسجود صلاة للدعاء المستعمل فيها . والعرب تسمي الشيء باسم [ ما لابَسَه وقاربه ] . والصلاة من الله : الرحمة لعباده ، ومن الملائكة . والأنبياء : الدعاء ، وكذلك هي من الناس . وروى أبو هريرة أن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال : " إذا دُعِيَ أحَدُكُمْ إلى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ ، فإنْ كَانَ مُفْطِراً فَلْيَأكُلْ ، وإنْ كَانَ صَائِمَاً فَلْيُصَلِّ " أي : فليدع . وقال الأعشى لابنته لما دعت له في قولها : @ … " يا ربِّ جَنِّب أَبي الأوصَابَ والْوَجَعَا . عليك مثل / الذي صليت فاغتمضي نوماً فإن لجنب المرء مضطجعاً . @@ أي : دعوت . وقيل : إنما سميت الصلاة صلاة لأنها مشتقة من الصلويْن وهما عرقان في الردف ، ينحنيان في الصلاة . / وكتبت الصلاة في المصاحف بالواو لتدل على أصلها ، لأن أصل الألف الواو ، وأصلها صلوة . فلما تحركت الواو وانفتح ما قبلها ، قلبت في اللفظ ألفاً ؛ دليله قولهم في الجمع : " صَلَواتٌ " . وقد ذكرنا أن الجمع يرد الأشياء إلى أصولها ولذلك قلنا : إن أصل " ماء " : مَوْهٌ " وإن الألف بدل من الواو ، والهمزة بدل من الهاء . ودل على ذلك قولهم في الجمع : أمْوَاءٌ ، فرد إلى أصله . وقيل : إنما كتبت بالواو لأن بعض العرب يفخم اللام والألف حتى تظهر الألف كأن لفظها يشوبه شيء من الواو . والقول الأول والآخر ، به يعلل ما كتبوه من " الزكوة " و " الحيوة " وشبهه بالواو ، فأعلمه . وهاتان الآيتان نزلتا في مؤمني العرب دون غيرهم ، بدلالة قوله بعد ذلك : { وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ } يريد من آمن من اليهود والنصارى . وقيل : [ بل الأربع ] الآيات نزلت في مؤمني أهل الكتاب . وقيل : بل هي في جميع من آمن بمحمد عليه السلام . إذ لم يؤمن [ أحد به ] إلا وهو مؤمن بالغيب مما أخبره به النبي صلى الله عليه وسلم والكتاب . واختار الطبري القول الأول . وقال مجاهد : " أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين وآيتان بعدها في نعت الكافرين وهم قادة الأحزاب و [ ثلاث عشر ] آية بعد ذلك في المنافقين " . وقوله : { وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } . معناه : يتصدقون ويزكون . وقيل : " هي نفقة الرجل على عياله " . قاله السدي . وأصل " ما " في قوله : { وَممَّا } أن تكتب منفصلة ، لأنها بمعنى " الذي " . والهاء محذوفة من { رَزَقْنَاهُمْ } ، أي وبعض الذي رزقناهم ينفقون منه . فحذفت من صلة " ما " لطول الاسم . فإن كانت " ما " بغير معنى " الذي " ، وإنما هي صلة ، كان أصلها أن تكتب متصلة بما قبلها نحو قوله : { إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [ النساء : 171 ] ، { إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [ الحج : 49 ] وشبهه . وقد وقعت " ما " متصلة بما قبلها من الجار في الخط ، وهي بمعنى " الذي " ، وأصلها الانفصال ، وإنما جاز ذلك فيها لأن الجار والمجرور كالشيء الواحد ، وذلك نحو " مما " و " عما " . وأيضاً فإنه / لما كان حرف الجر الذي على حرف واحد لا ينفصل مما جرى ما كان على حرفين على ذلك لأنها كلها حروف الجر ، فوصلن بما قبلهن من الجار في الخط لارتباط الجار بالمجرور مع كثرة الاستعمال . وقيل : إنه لما أدغمت النون في الميم فلم يظهر للنون لفظ / لم يثبت في الخط في مواضع وثبت في الخط في مواضع لبقاء الغنة ظاهرة ، فمرة حمل على زوال لفظ النون ومرة حمل على بقاء الغنة في اللفظ . واعلم أن " كل ما " ، إذا كانت بمعنى " إذا " و " متى " ، وصلتها مع " ما " ، فإن كانت على غير ذلك فصلتها من " كل " ، تقول : " كلما جاءني زيد أكرمني . أي " إذا جاءني زيد " ، فتصل " ما " " بكل " . وتقول " يسرني كل ما يسرك " فتفصل " ما " من " كل " لأنها بمعنى " الذي " . وقد كتبت " بِئْسَما " و " نِعِمّا " مَوْصُولةَ وأصلها أن تفصل " ما " مما قبلها في الخط لأن " ما " اسم ، وليست بصلة / وكذلك وصلت " حينئِذٍ " و " يؤمَئِِذٍ " . وأصل " إذا " الانفصال مما قبلها ، لكن وصلت لكثرة الاستعمال والاختصار والإيجاز .