Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 2-2)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } . أكثر أهل التفسير على أن " ذلك " بمعنى " هذا " . كما تقول للرجل وهو يحدثك : " ذلك ، والله الحق " ، أي هذا والله الحق . قال الله جل ذكره : { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } [ ق : 19 ] . أي هذا ما كنت منه تحيد . وقال : { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } [ البقرة : 196 ] ، أي هذه عشرة كاملة . وقال : { ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [ البقرة : 196 ] . أي هذا الحكم لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام . وقال : { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ } [ ص : 64 ] أي إن هذا وهو كثير في كلام العرب والقرآن . وقيل : إن { ذٰلِكَ } / على بابها للإشارة إلى شيء / معلوم . واختلف في ذلك المشار إليه . ما هو ؟ فقيل : إن { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما نزل من القرآن قبل سورة البقرة . وقال الكسائي : " { ذٰلِكَ } إشارة إلى الرسالة والقرآن وعمّا في السماء " . وقيل : إشارة إلى اللوح المحفوظ . وحكى الطبري أن بعض المفسرين قال : " { ذٰلِكَ } : إشارة إلى التوراة والإنجيل " . وقيل : { ذٰلِكَ } : إشارة إلى ما وعد به النبي صلى الله عليه وسلم من أنه سينزل عليه كتاب فوقعت الإشارة على ما تقدم من الوعد . وجيء باللام في { ذٰلِكَ } للتأكيد في بعد الإشارة . وقال الكسائي : " جيء بها لئلا يتوهم أن { ذٰلِكَ } مضاف إلى الكاف " . وقيل : جيء بها عوضاً عن المحذوف من " ذا " ، لأن أصل " ذا " أن يكون على ثلاثة أحرف ، لأن أقل الأسماء ما يأتي على ثلاثة أحرف . وقال علي بن سليمان : " جيء باللام لتدل على شدة التراخي ، وكسرت لئلا تشبه لام الملك . وقيل : كسرت لأنها بدل من همزة مكسورة لأن أصل " ذا " " ذاء " على ثلاثة أحرف بهمزة مكسورة ، ومن العرب من يقول في " ذلك " " ذاءك " بالهمز حكاه الفراء وغيره ، قال : " وإنما أبدلوا من الهمزة لاماً لأن " ذاء " خرج عن لفظ المضاف ، وليس بمضاف ، واللام من أدوات المضاف ، فأبدلوا من الهمزة لاماً وكسرت لأن الهمزة كانت مكسورة لالتقاء الساكنين " . كان أصل ذا / أن يكون بألفين ليكون على ثلاثة أحرف إذ هي أقل أصول الأسماء فأبدلت الألف الثانية همزة وكسرت لسكونها وسكون الألف قبلها . وقد قال الكسائي : " إنما أبدلوا من الهمزة لاماً لئلا تشبه المضاف " وقيل : إنما كسرت اللام لالتقاء الساكنين لأنها اجتلبت ساكنة ، وقبلها الألف من " ذا " ساكنة ، وكسرت اللام لالتقاء الساكنين . والاسم من " ذلك " ، ذا وقيل : الاسم الذال ، وزيدت الألف للتقوية . ولا موضع للكاف من الإعراب ، إنما هي للخطاب ، ولو كان لها موضع من الإعراب لكانت في موضع خفض بالإضافة على ظاهر اللفظ . و " ذا " لا يضاف في شيء من كلام العرب ، لأنه معرفة ، ولأن اللام تفصل بينهما ، ولأن المعنى على غير معنى الإضافة . والكتاب مشتق من الكتيبة وهي الخيل المجتمعة ، يقال : " تَكتَّب القَوْمُ " إذا اجتمعوا . فسمي المكتوب كتاباً لاجتماع بعض الحروف إلى بعض . ومنه قول العرب : " كُتِبَتْ القِرْبَة " إذا جُمِعَتْ خُرَزاً إلى خُرَز ، وكَتَبْتُ البَغلَةَ " إذا جَمَعْتَ بين شُفْرَيْهَا بِحَلْقَة . قوله عز وجل : { لاَ رَيْبَ فِيهِ } . / الهاء تعود على ( الكتاب ) / . وقيل على { ذٰلِكَ } . وقيل : على { الۤـمۤ } على أن تكون { الۤـمۤ } إسماً من أسماء القرآن . وقيل : هي راجعة على { هُدًى } مقدمة عليه ، يراد به التقديم . أي ذلك الكتاب هدى لا ريب فيه ، أي في الهدى . ورجوعها على { ٱلْكِتَابُ } أبينها . والكتاب القرآن هو نفي عام نفى الله جل ذكره / أن يكون فيه شك عند من وفقه الله ، وقد ارتاب فيه من خذله الله ولم يوفقه ، ولذلك قال : { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا } [ البقرة : 23 ] . معناه : وإن كنتم على زعمكم في شك من ذلك فأتوا ببرهان على ذلك ، فقد أتيناكم بما لا ريب فيه لمن وفق . والريب مصدر " رَابَني الأَمْرُ رَيْباً " . وحكى المبرد : " رَابَني الشيء تبينت فيه الريبة ، وأَرَابَنِي إذا لم أتبينها فيه " . وحكى غيره : " أَرَابَ الرجل في نفسه ، ورَابَ غيره " . وقوله : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } . الهدى : الرشد والبيان . والتقى : اسم جامع لكل خصلة محمودة العاقبة ، ومن اتقى الشرك فهو من المتقين ، وهو أعظم التقى ، وأصله من التَّوقّي وهو التستر ، فكأن التقي يستر على جميع ما يذم عليه . وقد فسرنا إعراب هذا وما شابهه في كتاب " تفسير مشكل الإعراب " ، فأخلينا هذا الكتاب من بسط الإعراب لئلا يطول إلا أن يقع نادر من الإعراب فنذكره على شرطنا المتقدم . فاعلم ذلك .