Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 1-6)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { طه * مَآ أَنَزَلْنَا } إلى قوله : { وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } . قد قدمت علة الإمالة في هذه الحروف في أول " مريم " . وأتى أول هذه السورة على غير ترتيب أوائل السور ، لأن جميع أوائل السور يحتمل أن يكون ما بعدها خبراً لها ، ولا يجوز أن يكون ما بعد " طه " خبراً لها ، لأنه نفي ، فلذلك تأولوه بمعنى " يا رجل " و " يا إنسان " . وقيل : هو أمر من وطيء . وروي عن بعضهم أنه قرأ " طه " بإسكان الهاء . وهي قراءة مروية عن الحسن وعكرمة ، وفيها تقديران أحدهما أنه أراد الأمر من وطيء . أي : طأ الأرض . ولكن أبدل من الهمزة هاء ، كما قالوا : إياك وهياك . وقيل : إنه أبدل من الهمزة ألفاً ، ثم حذف الألف لدلالة الفتح عليها ، وأتى بهاء للسكت . وقيل : الهاء هاء الكناية عن المكان . أي : طأ يا محمد المكان الذي تصلي فيه برجليك ، ولا تقف على رجل واحدة فتتعب . ودل على هذا المعنى قوله : { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } فأسكنت هاء الكناية على نية الوقف ، أو على التشبيه بهاء السكت . وقد قيل : إن الهاء في قراءة الجماعة تعود على الأرض ، أي : طأ الأرض يا محمد برجليك في صلاتك ، والألف في طأ بدل من همزة ساكنة . ومن قرأ " طه " بحذف الألف ، وإسكان الهاء فهو أمر بالوطء لكنه أبدل من الهمزة ألفاً قبل الأمر ، ثم حذف الألف للأمر ، والهاء تعود على المكان على ما ذكرنا ، أو هي هاء سكت كما ذكرنا ، أو هي بدل من همزة ساكنة على ما قدمنا ، فهذه ثلاثة أقوال في الهاء في قراءة من قرأ " طه " بحذف الألف ، وإسكان الهاء ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لي عند ربي جلّ وعزّ عشرة أسماء " " فذكر أن منها " طه " و " يس " إسمان له . قال ابن عباس : " طه " بالنبطية : يا رجل . وهو قول الضحاك . وقال أبو صالح : هي بالنبطية أيطأ . وقال ابن جبير : هي بالنبطية أيطه : أي يا رجل . وقال ابن جبير : طه بالسريانية : يا رجل . وهو قول قتادة . وقال عكرمة : " طه " بالنبطية : يا إنسان . وعن ابن عباس : أنه اسم من أسماء الله تعالى أقسم [ الله به ] . وهذه الآية نزلت فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه من السهر والتعب والقيام بالليل . قال الضحاك : كانوا يقومون حتى تتشقق ، أقدامهم ، فقال المشركون : ما نزل هذا القرآن إلا للشقاء ، فأنزل الله تعالى ذكره : { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } { إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } . أي : ما أنزلناه إلا تذكرة لمن يخشى . وقيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعب في صلاته ، ويقف على رجل واحدة ، فأنزل الله : { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } . قال مجاهد : هذا في الصلاة . قال : هي مثل قوله تعالى : { فَٱقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } [ المزمل : 20 ] . قال قتادة : " أنزل الله كتابه ، وبعث رسوله رحمة ، رحم بها الله العباد ، ليتذكروا ، وينتفع رجل بما سمع منه . ونصب تذكرة على البدل من " لتشقى " . وقيل : هي مفعول من أجله . وقيل " نصبها على المصدر . وقال الكوفيون : هي تكرير . وقيل : من حروف الهجاء . وقيل : هي حروف مقطعة ، يدل كل حرف منها على معنى ، وقد تقدم ذكر ذلك . وقال الطبري : " طه " : يا رجل ، لغة معروفة في عك . قال الشاعر : @ هَتَفْتُ بِطَهَ فِي الْقِتَالِ فَلَمْ يُجِبْ فَخِفْتُ عَلَيْهِ أنْ يَكُونَ مُوائِلاَ @@ وقال آخر : @ إنَّ السَّفاهَةَ طَهَ مِنْ خَلائِقِكُمْ لا بارَكَ اللهُ في الْقَوْمِ الملاَعِينِ @@ والتقدير على هذا : يا رجل ، ما أنزلن عليك القرآن لتشقى بإنزاله عليك . ولا يوقف على " طه " على هذا القول ، لأن النداء تنبيه على ما بعده . ومن جعلها افتتاحاً وقف عليها ، وهو مذهب أبي حاتم . ثم ابتدأ فخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ } وكذلك لا يقف عليها على قول من جعلها قسماً ، لأن القسم يحتاج إلى جواب ، وجوابه : { مَآ أَنَزَلْنَا } . وأجاز أبو حاتم الوقف على " طا " ويبتدئ ها . وليس عليه عمل عند أهل النقل من المقرئين . وقيل : تقدير الكلام : ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة ، لا لتشقى . ثم قال تعالى : { تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ ٱلأَرْضَ وَٱلسَّمَٰوَٰتِ ٱلْعُلَى } . أي : نزلناه تنزيلاً من الله الذي خلق الأرض والسماوات العلى . " والعلى " جمع " علياً " : كالفضلى . والفضل . ثم قال : { ٱلرَّحْمَـٰنُ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱسْتَوَىٰ } . أي : على عرشه ، ارتفع وعلا . قال أبو عبيدة : استوى : علا . وقال القتبي : استقر . وقيل : معناه : استولى . وأحسن الأقوال في هذه " علا " والذي يعتقده أهل السنة ، ويقولونه في هذا : إن الله جلّ ذكره ، سماواته على عرشه دون أرضه وأنه في كل مكان بعلمه ، وله تعالى ذكره كرسي وسع السماوات والأرض كما قال جل ذكره . وكذلك ذكر شيخنا أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله . وقد سأل رجل مالكاً عن هذا ، فقال له : كيف استوى ؟ فاحمرت وجنتا مالك ، وطأطأ رأسه ، ثم رفع رأسه فقال : الاستواء منه غير مجهول ، والكيف منه غير معقول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ، وإني أخاف أن يكون ضالاً . أخرجوه ، فأخرج ، فناداه الرجل ، يا أبا عبد الله ، والله الذي لا إله غيره ، لقد سألت عن هذه المسألة أهل البصرة ، وأهل الكوفة ، وأهل العراق ، إلى أن وردت عليك ، فلم أجد أحداً وفق لما وفقت له . وروي أن خباب بن الأرت قرأ " طه " على عمر بن الخطاب إلى قوله : " فتردى " فأسلم عمر عند ذلك . و " العلى " تمام إن رفعت " الرحمن على الابتداء ، أو على إضمار مبتدأ ، فإن جهلته بدلاً من الضمير في " خلق " لم تقف عليه . و " استوى " تمام إن جعلت " الرحمن " بدلاً من الضمير في " خلق " أو على إضمار مبتدأ ، فإن جعلت " له ما في السماوات " في موضع خبر الرحمن ، لم تقف على استوى . ثم قال : { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } . أي : هو يملك ذلك كله ويدبره / . وقوله : { وَمَا تَحْتَ ٱلثَّرَىٰ } : الثرى : التراب المبتل الندي يعني : وما تحت الأرضين السبع . وقال محمد بن كعب : الثرى : سبع أرضين . وقال ابن عباس : الأرض على نون ، ونون على البحر ، والبحر على صخرة وهي الصخرة التي ذكر الله تعالى في قوله : { فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ لقمان : 16 ] والصخرة على قرن ثور ، والثور على الثرى ، وما يعلم ما تحت الثرى إلا الله . وروي عن وهب بن منبه أنه قال : على وجه الأرض سبعة أبحر والأرضين سبعة بين كل أرضين بحر ، فالبحر الأسفل مطبق على شفير جهنم ، ولولا عظم ذلك البحر ، وكثرة مائة وبرده ، لأحرقت جهنم كل شيء فوقها . قال : وجهنم على متن الريح ومتن الريح على حجاب من ظلمة لا يعلم غلظه إلا الله ، وذلك الحجاب على الثرى ، وإلى الثرى انتهى علم الخلائق ، لا يعلم ما تحت الثرى إلا الله . وقال الضحاك : الأرض السابعة على الحوت ، والحوت على الماء ، والماء على الصخرة ، والصخرة على قرن ثور ، والثور على الثرى ، ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله . وسئل كعب ما تحت الأرض ؟ قال ماء ، قيل : فما تحت الماء ؟ قال أرض . قيل فما تحت الأرض ؟ قال : ماء ، حتى بلغ سبع أرضين . قيل : له : فما تحت الأرض السابعة . قال : ماء . قيل فما تحت الماء . قال صخرة ، قيل فما تحت الصخرة ؟ قال : هي على منكب ملك . قيل : فما تحت الملك ؟ قال : هو قائم على وسط حوت معلق طرفاه بالعرش . قيل له : فما تحت الحوت قال : هواء وظلمات وانقطع العلم . وروى ابن وهب عن رجاله أن كعب الأحبار قال : إن إبليس يقلقل للحوت الذي على ظهره الأرض كلها . قال : فألقى في قلبه . فقال : هل تدري ما على ظهرك يا لوبيا من الأمم والشجر والدواب والناس والجبال ، لو هضتهم فألقيتهم عن ظهرك كلهم . قال : فهم لوبيا بفعل ذلك ، فبعث الله تعالى دابة ، فدخلت في منخره حتى دخلت في دماغه فعج إلى الله منها ، فخرجت . قال : وكان كعب يقول : والذي نفسي بيده ، إنه لينظر إليها ، بين يديه وتنظر إليه ، إن همَّ بشيء من ذلك عادت حيث كانت . وروى عاصم عن زر عن ابن مسعود أنه قال : ما بين سماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمس مائة عام ، وما بين سماء إلى سماء مسيرة خمس مائة عام ، وما بين السماء السابعة والكرسي خمسة مائة عام ، وما بين الكرسي وبين الماء مسيرة خمس مائة عام ، والعرش فوق ذلك ، والله جل ذكره فوق العرش . وعن ابن عباس : أيضاً أنه قال : حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمس مائة عام ، وذكر أن خطوة ملك الموت ما بين المشرق إلى المغرب .