Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 105-112)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ } إلى قوله : { عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } آخر السورة . المعنى : ولقد كتبنا في كتب الأنبياء كلها والقرآن . وقوله : { مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ } . الذكر : أم الكتاب الذي عند الله في السماء . قاله : مجاهد وابن زيد . وقال ابن جبير : الزبور : القرآن . والذكر : التوراة . وقال ابن عباس : الزبور : الكتب التي أنزلت على الأنبياء بعد التوراة . والذكر : التوراة وقاله : الضحاك . وقال الشعبي : الزبور ، زبور داود ، والذكر : التوراة . وقوله : { أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ } . أي : أثبتنا وقضينا في الكتاب من بعد أم الكتاب ، أن أرض الجنة يرثها العاملون بطاعة الله . قاله : ابن عباس ومجاهد ، وهو قول ابن جبير وابن زيد . وعن ابن عباس أنه قال : أخبر الله تعالى في التوراة والإنجيل وسابق علمه قبل أن يخلق السماوات والأرض أنه يورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأرض المقدسة . وقد قيل : ويدخلهم الجنة ، وهم الصالحون . ويدل على أنها أرض الجنة قوله : { وَقَـالُواْ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا ٱلأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ ٱلْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَآءُ } . قال ابن زيد : فالجنة مبتدؤها في الأرض ، وتذهب درجاً علواً ، والنار مبتدؤها في الأرض وتذهب سفلاً طباقاً ، وبينهما حجاب سور ، ما يدري أحد ما ذلك السور ، وقرأ { بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ } [ الحديد : 13 ] . قال : ودرج النار تذهب سفالاً في الأرض ، والجنة تذهب علواً في السماوات . وقال عامر بن عبد الله : هي الأرض التي تجتمع فيها أرواح المؤمنين حتى يكون البعث . وعن ابن عباس أيضاً أنه قال : هي أرض الكفار ترثها أمة محمد صلى الله عليه وسلم يريد يفتحونها . وقيل : عُني بذلك بنو إسرائيل ، وقد وفى لهم في عز وجل بذلك . وهو قوله : { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ … } الآية . ثم قال تعالى : { إِنَّ فِي هَـٰذَا لَبَلاَغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } . أي : إن في هذا القرآن لبلاغاً لمن آمن به وعمل بما فيه إلى رضوان الله ، أي : يبلغهم القرآن إلى رضوان الله . وقال أبو هريرة : هم الذين يصلون الصلوات الخمس في المسجد . وقال سفيان : الثوري : { لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } بلغني أنهم أصحاب الصلوات الخمس . وقال كعب : { لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ } أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأنهم لأصحاب الصلوات الخمس ، سماهم الله صالحين . وقال ابن عباس : { عَابِدِينَ } عالمين . وقال ابن جريج : { إِنَّ فِي هَـٰذَا } يعني : هذه السورة . وقيل : القرآن ، فيه تنزل الصلوات الخمس ، من أداها كانت له بلاغاً . ثم قال تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } . أي : للمؤمن والكافر : فهو صلى الله عليه وسلم رحمة للمؤمن في الدنيا والآخرة ، يعافى في الدنيا من السيف ، ومن حلول العذاب من الله ، وفي الآخرة من النار ، وهو رحمة للكافر إذ عوفي في الدنيا مما أصاب الأمم الماضية من الخسف والقذف بكفرها ، قاله ابن عباس . وقال ابن زيد : العالمون من آمن به خاصة ، فهو رحمة للمؤمن . ثم قال تعالى ذكره : { قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } أي : إنما معبودكم الذي تجب له العبادة واحد ، لا معبود غيره . { فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } أي : فهل أنتم أيها المشركون مذعنون لله ، تاركون عبادة غيره من الأوثان والأصنام . ثم قال تعالى : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ } . أي : فإن أدبر هؤلاء المشركون عن توحيد الله والإقرار بما جئتهم به ، فقل : آذنتكم على سواء أي : أعلمتكم أني وإياكم على حرب لا صلح بيننا . يعني بذلك قريشاً . وقال قتادة : { عَلَىٰ سَوَآءٍ } على مهل / . ثم قال تعالى : { وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } . أي : قل لهم يا محمد : ما أدري متى يحل بكم عقاب الله على كفركم . أقريب هو أم بعيد . ثم قال تعالى : { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ } . أي : قل لهم يا محمد : إن الله يعلم سركم وجهركم ، لا يخفى عليه من قولكم ولا من أحوالكم شيء . ثم قال : { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ } . أي : ما أدري لعل تأخير العذاب عنكم وإمهال الله إياكم على كفركم فتنة لكم أي : اختبار لكم { وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } . أي : وأمتعكم بالبقاء وتأخير العذاب إلى انقضاء المدة . وقال مجاهد : " إلى حين الموت " . وقال زيد بن أسلم : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في منامه بني أمية يجلسون على المنابر ، فأخبر بذلك فخرج الحكم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر بذلك بني أمية فقالوا له ارجع فاسأله متى يكون هذا . فرجع إليه فسأله ، فأنزل الله تعالى : { وَإِنْ أَدْرِيۤ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ } إلى آخر الآية ، { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } . وروى أن الحسن بن علي خطب على الناس إذ سلم الأمر إلى معاوية ، وقال في خطبته وهو يلتفت إلى معاوية : قال الله جل ذكره : { وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ } . ثم قال تعالى : { قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } أي : قل يا محمد : رب افصل بيني وبين من كذبني بإحلال عذابك بهم ونقمتك ، وهو الحق الذي أمر الله تعالى نبيه أن يسأله إياه ومثله { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ } [ الأعراف : 89 ] . وروى قتادة " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شهد قتالاً يقول : يا رب احكم بالحق " . وقرأ أبو جعفر يزيد : { قَالَ رَبِّ } بالرفع ، وهو غلط عند النحويين لا يجوز عندهم رجل أقبل ، لأنهم جعلوا يا عوضاً عن المحذوف والأصل يا أيها الرجل . وقرأ عكرمة والضحاك : { قَالَ رَبِّ } بفتح الياء { ٱحْكُم } بالرفع والهمز على الابتداء . أو الخبر . واحتجا في ذلك بأن الله تعالى لا يحكم إلا بالحق ، فكيف يأمره أن يسأل أن يحكم له بالحق . ومعنى ذلك عند العلماء رب عجل حكمك بالحق . والتقدير عند أبي عبيد : أحكم بحكمك الحق . ثم قال تعالى : { وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } . أي : وقل يا محمد : { وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ } أي : الذي يرحم عباده المؤمنين . { ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ } . أي : الذي استعينه عليكم فيما تقولون وتصفون من قولكم : { مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [ المؤمنون : 24 ] وقولكم : { بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } [ الأنبياء : 5 ] . وكذبكم على الله جل ذكره في قولكم : { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } [ البقرة : 116 ] وشبهه من باطلكم .