Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 97-104)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ } إلى قوله : { إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } . الواو زائدة في " واقترب " عند الكسائي والفراء . قالا : اقترب جواب " إذا " في قوله : " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج " اقترب الوعد . وأجاز الكسائي أن يكون جواب إذا ، { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ } . وقال أبو إسحاق : الجواب : قالوا يا ويلنا ، ثم حذف " قالوا " كقوله : { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ } [ الزمر : 3 ] أي : قالوا : ما نعبدهم وحذف القول كثير في القرآن ، ومعنى الآية : وقرب بعث الأموات للجزاء لا شك فيه بعد خروج يأجوج ومأجوج . قال حذيفة : لو أن رجلاً افتلى فلواً بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة . وقوله : { فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } . قيل : هي عماد . وقيل : هي إضمار الأبصار ، والأبصار الثانية تبيين لها أي : فإذا أبصار الكافرين قد شخصت عند مجيء الوعد . يقولون { يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا } قبل هذا الوقت في الدنيا { فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } الذي نرى ونعاين ، { بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ } أي : بمعصيتنا ربنا وطاعتنا إبليس وجنوده . ثم قال تعالى ذكره : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } . أي : إنكم أيها الكفار والأوثان التي تعبدونها من دون الله وَقُودُ جهنم ، قاله ابن عباس . وقال مجاهد : حصب جهنم : حطبها . وقال قتادة وعكرمة : حصب جهنم : يقذفون فيها . وقال الضحاك : إن جهنم إنما تحصب بهم ، أي : يرمى بهم فيها ، وقرأ علي وعائشة رضي الله عنهما حطب بالطاء . وعن ابن عباس : { حَصَبُ } بالضاد معجمة . والحضب : ما دكيت به النار وأججتها ، والحصب بالصاد غير معجمة : اسم المرمى به في النار . وقوله تعالى : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } يخرج منه عُزَيرٌ والمسيح والملائكة ، لأن " ما " لما لا يعقل ، فهي للأصنام والأوثان / . وروي عن ابن عباس أنه قال : لما نزل : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } الآية ، قال المشركون : أليس قد عبد عزير والمسيح والملائكة وأنت تقول يا محمد أنهم قوم صالحون . فأنزل الله { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } . وقيل : إن الذي قال هذا هو ابن الزبعري ، وأنزل الله تعالى : { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } [ الزخرف : 57 ] . ثم قال تعالى : { لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا } . أي : لو كان هؤلاء الذين تعبدون من دون الله آلهة ما وردوا جهنم . يقول الله ذلك لهم . فلو كانت آلهة كما تزعمون لدفعت عن أنفسها وعمن عبدها في الدنيا . ثم قال : { وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ } . يعني الآلهة والذين عبدوا ماكثين في النار . ثم قال تعالى : { لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ } . أي : للآلهة ، وللذين عبدوها في جهنم زفير { هُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ } . أي : لا يسمعون ما يسرهم ، لأنهم صم . وقال ابن مسعود : إذا بقي في النار من خلد فيها ، جعلوا في توابيت من حديد ، فلا يرى أحدهم أنه يعذب في النار غيره . ثم قرأ الآية . ثم قال تعالى ذكره : { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } . يعني : كل من سبقت له من الله السعادة من خلقه . أنه مبعد من النار ، وهو مذهب علي بن أبي طالب . وروي عنه أنه قرأ الآية وقال : عثمان منهم وأصحابه ، وأنا منهم . وقيل : عني به كل من عبد من دون الله ، وهو لله طائع ، ولعبادة من يعبده كاره مثل عيسى وعزير والملائكة . وهو مذهب مجاهد وعكرمة والحسن وأبي صالح . وهو قول ابن عباس والضحاك . و " الحسنى " : الجنة والسعادة . { أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } أي : عن جهنم . ثم قال تعالى : { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } . أي : حسها وصوتها إذا دخلوا الجنة . وقيل : معناه : إن ذلك في موطن من المواطن ، وإلا ، فلا بد من سماع زفيرها . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن جهنم يؤتى بها يوم القيامة تزفر زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه خوفاً منها " . وقال أبو عثمان النهدي : على الصراط حيات تلسع أهل النار فيقولون : حس ، حس . ثم قال : { وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } . أي : ماكثون فيما تشتهيه أنفسهم من نعيمها ، لا يخافون زوالاً عنها ولا انتقالاً . ثم قال تعالى : { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } . يعني : النار إذا أطبقت على أهلها وذبح الموت بين الجنة والنار قاله ابن جريج . وقال ابن عباس : هو النفخة الآخرة . وقال الحسن : هو وقت يؤمر بالعبد إلى النار . ثم قال : { وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } . أي : تتلقاهم بالبشرى ، وتقول : لهم : هذا يوم كرامتكم التي وُعِدْتُم في الدنيا على طاعتكم ، وهذا ، قبل أن يدخلوا الجنة . ثم قال تعالى : { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ } أي : لا يحزنهم الفزع الأكبر يوم نطوي السماء كطي السجل ، والسجل في قول عبد الله بن عمر ملك اسمه السجل قاله السدي . والمعنى : نطوى السماء كما يطوي هذا الملك الكتاب . وقال ابن عباس : هو رجل كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وعن ابن عباس : أنه اسم الصحيفة التي يكتب فيها . والتقدير : كطي الصحيفة على الكتاب . وقاله : مجاهد ، وهو اختيار الطبري . قال : واللام بمعنى : " على " . والتقدير : نطوي السماء كما تطوى الصحيفة على ما فيها من الكتاب . وقيل : التقدير : كطي الصحيفة من أجل ما كتب فيها . كما تقول : إنما أكرمك لفلان ، أي : من أجله . ثم قال تعالى : { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } . أي : نعيد الخلق عراة حفاة غرلاً يوم القيامة ، كما خلقناهم في بطون أمهاتهم . قاله مجاهد . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لإحدى نسائه : تأتون حفاة عراة غلفاً ، فاستترت بكم ذرعها وقالت : واسوأتاه : قال ابن جريج أخبرت أنها عائشة . وقالت : يا نبي الله ، لا يحتشم الناس بعضهم من بعض . فقال : { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } . وقال ابن عباس في معنى : { كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ } قال : نهلك كل شيء كما / كان أول مرة . وقيل : ذلك خلق السماء مرة أخرى بعد طيها وزوالها وإفنائها يعيدها في الآخرة كما بدأها في أول خلق فجعلها سماء قبل أن لم تكن سماء { وَعْداً عَلَيْنَآ } أي : لا بد من كون ذلك ، إنه لا يخلف الميعاد . وقال ابن مسعود : يرسل الله جل ذكره ماء من تحت العرش كمني الرجل ، فينبت منه لحماتهم وأجسامهم كما تنبت الأرض المرعى . ثم قال تعالى : { وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } . أي : وعداً حقاً لا بد منه ، إنا كنا قادرين على ذلك ، فاستعدوا له وتأهبوا .