Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 1-2)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ } إلى قوله : { وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } . المعنى : يا أيها الناس احذروا عقاب الله وأطيعوه إن زلزلة الساعة شيء عظيم . قال ابن جريج : زلزلتها : أشراطها في الدنيا . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله جل ذكره لما فرغ من خلق السماوات والأرض ، خلق الصور ، فأعطاه إسرافيل فهو واضعه على فيه ، شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر . قال أبو هريرة : وما الصور ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : قرن . قال : وكيف هو ؟ قال : قرن عظيم ، ينفخ فيه ثلاث نفخات : الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين جل وعز ، يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى ، فيقول انفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السماوات الأرض إلا من شاء الله ، ويأمره فيطوِّلُها ، فلا يفتر ، وهي التي يقول الله عز وجل : { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } أي : من راحة . فيسير الله الجبال فتكون سراباً ، وترج الأرض بأهلها رجاً ، وهي التي يقول الله : { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ } وتكون الأرض كالسفينة الموبقة تضربها الرياح تُكفأ بأهلها ، أو كالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الرياح فيميد الناس على ظهرها ، فتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ويشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة حتى تأتي الأقطار فتلقاها الملائكة ، فتضرب وجوهها ، فترجع ، ويولي الناس مدبرين ، ينادي بعضهم بعضاً ، وهو الذي يقول الله { يَوْمَ ٱلتَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ … } إلى قوله { … هَادٍ } فبينما هم على ذلك إذ تصدعت الأرض من قطر إلى قطر . فرأوا أمراً عظيماً ، فأخذهم لذلك من الكرب ما الله أعلم به . ثم نظروا في السماء ، فإذا هي كالمهل ، ثم خسف شمسها وقمرها ، وانتثرت نجومها ثم كشطت عنهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والأموات لا يعلمون بشيء من ذلك . فقال أبو هريرة : فمن استثنى الله عز وجل حين يقول : { فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } قال : أولئك الشهداء ، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء ، أولئك أحياء عند ربهم يرزقون فرحين وقاهم الله فزع ذلك اليوم ، وأمنهم ، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه ، وهو الذي يقول جل ذكره : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ … } إلى قوله { … شَدِيدٌ } " . وقال الحسن : " بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قفل من غزوة العسر ، ومعه أصحابه ، فقال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ … } إلى قوله : { … شَدِيدٌ } . ثم قال : أتدرون أي يوم ذلك ؟ قيل له : الله ورسوله أعلم . قال : ذلك يوم يقول الله جل ذكره لآدم : قم فابعث بعث النار ، فيقول آدم : يا رب ، وما بعث النار ؟ فيقول : ابعث لكل ألف تسعة وتسعين وتسع مائة إلى النار ، وواحد إلى الجنة قال : فاشتد ذلك على الناس حتى لم يبدوا عن واضحة . فلما رأى ما في وجوههم قال لهم : اعملوا وابشروا ، فوالله ما أنتم في الناس إلا كالرقمة في ذراع الدابة ، أو كالشامة في جنب البعير ، إنه لم يكن رسولان إلا وبينهما فترة من جاهلية ، وأهل الجاهلية أهل النار بين ظهراني خليقتين لا يعادهم أحد من أهل الأرض إلا كثروهم ، يأجوج ومأجوج ، وتكملة العدد من المنافقين " . وروي عن الحسن أنه قال : يخرج من النار رجل بعد ألف عام . فقال الحسن : يا ليتني أنا ذلك الرجل . وقال قوم : يراد بهذا كله يوم القيامة ، فمن قال : هو يوم القيامة قال : المعنى : يوم يرون القيامة . ومن قال : هو قبل يوم القيامة قال : المعنى : يوم يرون أشراطها تذهل . وظاهر النص يدل على أن " الهاء " في " ترونها " تعود على الزلزلة . أي : يوم ترون الزلزلة ، وذلك من أشراط الساعة ، وهو ظاهر النص ، لأن يوم القيامة لا حامل فيها ولا مرضعة . إنما ذلك في الدنيا ، فهو وقت تظهر فيه الزلازل والأشراط والشدائد الدالة على قيام الساعة فتذهب المرضعات عن أولادها ، وتضع الحوامل حملهن لشدة ذلك ، وعظيم خوفه وصعوبته ولما يلقى فيه من الهلع والفزع . وقول من قال : هو يوم القيامة يدل عليه ما رواه عمران بن الحصين قال : " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه وقد فاوت السير بأصحابه إذ نادى رسول الله بهذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ … } فحثوا المطي حتى كانوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل تدرون أي يوم ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ذلك يوم ينادى آدم يناديه ربه ، ابعث بعثة النار من كل ألف تسع مائة وتسع وتسعون إلى النار ، وواحد إلى الجنة . قال : فأبلس القوم ، فما وضح منهم ضاحك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اعلموا وأبشروا ، فإن معكم خليقتين ما كانتا في قوم إلا كثرتاه ، فمن هلك من بني آدم ومن هلك من بني إبليس ويأجوج ومأجوج . ثم قال : ألا أبشروا ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الناقة " ، وكذلك رواه الخدري وأنس بن مالك ، فهذا الحديث أصح من الأول طريقاً وزاد الحسن في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم . قال فيه ولم يكن رسولان إلا كان بينهما فترة من الجاهلية ، فهم أهل النار ، وإنكم بين ظهراني خليقتين لا يعادهما أحد من أهل الأرض إلا كثروهم يأجوج ومأجوج ، وهم أهل النار . وتكمل العدة من المنافقين . وقال ابن مسعود : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟ قلنا : نعم . فقال : " أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ؟ قلنا : نعم . قال : فوالذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ، وسأخبركم عن ذلك . إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، وإن قلة المسلمين في الكفار يوم القيامة كالشعرة السوداء في الثور الأبيض . وكالشعرة البيضاء في الثور الأسود " . ثم قال تعالى : { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ } . أتت مرضعة بالهاء ، لجريانها على الفعل ويجوز مرضع ، كما قال : امرأة حائض وطامث وطالق . والأصل : الهاء . ولكن جرى عند سيبويه على معنى شيء حائض وطامث . وقال الفراء : إنما قالوا : حائض وطامث ، لأن المذكر لا حظَّ له في هذا الوصف . فلم يحتج إلى هاء في المؤنث . وقالوا : قائم وقائمة ، فِأتوا بالهاء في المؤنث لأِنه يقع للمؤنث والمذكر وهذا القول ينتقض على الفراء لأنهم قالوا : ناقة ضامر ، وبعير ضامر ، وناقة ساغل وبعير ساغل ، ورجل عانس وامرأة عانس فلم يدخلوا الهاء في المؤنث ، وقد شاركه المذكر في الفعل . وحذف الهاء عند سيبويه في هذا على أصله على تقديره بشيء عانس وساغل ونحوه ، وينتقض على الفراء قوله بقولهم : حاضت الجارية وطلقت المرأة . فلو كان حرف الهاء من أجل أنه لا يشترك فيه المذكر مع المؤنث ، ولم تدخل علامة التأنيث في حاضت وطمثت وينقض أيضاً قوله في قولهم رجل بالغ وامرأة بالغ ، ورجل آثم وامرأة آثم . ومعنى تذهل : تنسى وتترك ولدها من هول ثقل ما ترى وتضع الحامل حملها قبل بلوغ وقته . { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ } من الخوف { وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } . قالت عائشة رضي الله عنها : " كان النبي صلى الله عليه وسلم في حجري فقطرت دموعي على خده ، فاستيقظ فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : ذكرت القيامة وهولها . فهل يذكرون أهلهم يا رسول الله ؟ فقال : يا عائشة ثلاثة مواطن لا يذكر فيها أحد إلا نفسه ، عند الميزان حتى يعلم أيخف ميزانه أم يثقل . وعند الصحف حتى يعلم ما في صحيفته وعند الصراط حتى يجاوزه " . وروي عن ابن عباس أنه قال : " نزلت هاتان الآيتان على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسير فكف ثم قرأهما على الناس ثلاثة مرات ثم قال : " يا أيها الناس ، أتدرون أي يوم ذلك ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : فإنه اليوم الذي يقول الله فيه لآدم : ابعث بعث النار من ولدك . فيقول : أي رب ، من كل كم ؟ فيقول : من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيسكر الكبير يومئذ من غير شراب ، ويشيب الصغير ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل ونزل الناس ثم راحوا إلى نبي الله ، فقالوا : يا رسول الله ، ما سمعنا شيئاً قط أوجع لقلوبنا ولا أشد علينا من شيء حدثتنا به اليوم . فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبشروا فإني أرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة ، فإن الأمم عرضت علي فرأيت النبي يأتي في الثمانية رهط ويأتي النبي في الأربعة ويأتي الآخر في الاثنين ، حتى رأيت النبي وليس يأتي معه أحد من أمته ، حتى رأيت أمة أعجبني كثرتها فقلت أي رب ، أمتي هذه ؟ فقال : لا ، بل هذا موسى صلى الله عليه وسلم ومن تبعه ، ثم رأيت أمة أخرى أعجبني كثرتها ، فقلت : أي رب ، أمتي هذه ؟ قال : لا . بل هذا يونس ومن تبعه . ثم رأيت أمة أخرى أعجبني كثرتها فقلت : أي رب ، أمتي هذه ؟ قال : لا ، بل هذا عيسى ومن تبعه . فقلت : أي رب ، فأين أمتي ؟ قال لي : انظر ، فنظرت قبل طريق مكة فإذا أنا بناس كثير . ثم قال : انظر : فنظرت قبل طريق الشام ، فإذا أنا بناس كثير ثم قال : انظر ، فنظرت قبل طريق العراق ، فإذا أنا بناس كثير ، ثم قال : انظر ، فنظرت تحتي ، فإذا كل شيء ينتغش من الناس من كثرتهم فقلت : أي رب ، قد رضيت . قال : فإن مع هذا سبعين ألفاً ليس عليهم حساب ولا عذاب ، فقام عكاشة بن محصن الأسدي أخو بني غنم فقال : يا رسول الله ، أدع الله أن يجعلني منهم ، قال : جعلك الله منهم فقام رجل آخر من الأنصار فقال : يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : سبقك بها عكاشة " . وقوله : { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ } . رجع من مخاطبة الجماعة من الناس إلى مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم كما جاز أن يخرج عن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مخاطبة الجماعة في قوله تعالى : { يٰأيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ } .