Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 3-8)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ } إلى قوله : { وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } . هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث كان يخاصم ويزعم أن الله جل ذكره غير قادر على إحياء من بلى وعاد تراباً ، بغير علم له في ذلك . { وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ } . أي يتبع في قوله ذلك كل شيطان مارد . والمريد والمارد : المتجاوز في الشر القوي فيه . ومنه قيل : صخرة مرداء ، أي : ملساء . ومنه : الأمرد . وقيل : نزلت في أبي جهل بن هشام . ثم قال تعالى : { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ } . أي : كتب على الشيطان أي : قضى على الشيطان أنه تولاه . الهاء في " أنه " مجهول تفسره الجملة التي بعده . و " تولاه " . أي : تولى الشيطان . أي : فمن اتبع الشيطان من خلق الله ، فإنه يضله . أي : فإن الشيطان يضل من اتبعه ، { وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ } . أي : يسوقه إليه بطاعته له ، ومعصيته لله ، فالهاء في " عليه " و " تولاه " و " فإنه " تعود على الشيطان . ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ } . أي : إن كنتم في شك من أنكم تبعثون وتعودون كما كنتم فتدبروا خلقكم وابتداءكم ، فإنكم لا تجدون فرقاً بين الابتداء والإعادة ، إذ خلقناكم من تراب ، يعني آدم . " ثم من نطفة " يعني ولد آدم ، ثم من علقة ، ثم من مضغة ، ثم يخرجكم طفلاً . فإذا تدبرتم ابتداءكم وانتقال أحوالكم ، علمتم أن من قدر على هذا أنه قادر على الإعادة ، فالنطفة ماء الرجل ، والعلقة : الدم ، والمضغة : لحمة صغيرة بقدر ما يمضغ . وقوله : { مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ } . قيل : هو من نعت النطفة . فالمخلقة ما كان خلقاً سوياً ، وغير المخلقة ما ألقت الأرحام من النطف قبل أن تكونوا خلقاً . قال ابن عمر : إذا وقعت النطفة في الرحم ، بعث الله ملكاً ، فقال : يا رب مخلقة أو غير مخلقة ، فإن قال غير مخلقة ، مجتها الأرحام دماً وإن قال : مخلقة ، قال يا رب : ما صفة هذه النطفة ؟ أذكر أم أنثى ؟ ما رزقها ؟ ما أجلها ؟ أشقي أم سعيد ؟ قال : فيقال : انطلق إلى أم الكتاب ، فاستنسخ منه صفة هذه النطفة . قال : فينطلق الملك ، فينسخها ، فلا تزال معه حتى يأتي على آخر صفتها . وقيل : معناه ، تامة أو غير تامة ، وهو قول قتادة . وقال مجاهد : هو السقط ، مخلق وغير مخلق . وقال الشعبي : بعد المضغة تكون مخلقة ، وهو الخلق الرابع ، وإذا قذفها الرحم قيل فهي غير مخلقة . وقال ابن مسعود : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : - وهو الصادق المصدوق - " يجمع خلق كل أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً ، ثم يكون علقة أربعين يوماً ، ثم يكون مضغة أربعين يوماً ، ثم يبعث الله إليه ملكاً ، فيقول : أكتب عمله وأجله ورزقه واكتب شقياً أو سعيداً " . وقال عبد الله : والذي نفسي بيده ، إن الرجل ليعمل عمل أهل السعادة ، فيعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ثم يدركه الشقاء ، فيعمل بعمل أهل النار والشقاء ، فيدخل النار . واختار الطبري أن تكون المخلقة المصورة خلقاً تاماً ، وغير مخلقة السقط قبل تمام خلقه فيكون مخلقة وغير مخلقة من نعت المضغة ، لأنه ليس بعد المضغة إلا التصوير . ثم قال تعالى : { لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ } أي : فعلنا ذلك لنبين لكم قدرتنا على ما نشاء . أي : ذكرنا لكم أحوال الابتداء ، لنبين لكم أثر الصنعة والقدرة . فقوله : { لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ } جواب للقصة المذكورة في خلق الإنسان كلها . أي : أخبرناكم بهذه القدرة في خلقكم لنبين لكم أن البعث حق . ثم ابتدأ بخبر آخر فقال : { وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ } ولذلك ارتفع ، ولا يجوز نصبه على العطف على " لنبين " ، لأنه لم يذكر القصة في قدرته ليقر في الأرحام ما يشاء ، إنما ذكرها ليدل على صحة وقوع البعث بعد الموت . والمعنى : { وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } ، أي : ونبقي في الأرحام من نشاء حياته فلا يسقط إلى وقت ولادته فيخرج طفلاً . وقوله : { ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } . أي : يخرج كل واحد منكم طفلاً . وقوله : { ثُمَّ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ } أي : ثم نعمركم لتبلغوا أشدكم . وقيل : معناه : ثم نخرجكم طفلاً لتبلغوا أشدكم . والأول أحسن ، لأن هذا ، يوجب زيادة " ثم " ، ولا يحسن زيادتها ، بل لا بد لها من فائدة ، وهو ما ذكرنا من التعبير ليقع به البلوغ إلى الأشد . ومعنى أشدكم . أي كمال عقولكم { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ } . أي : من قبل بلوغ أشده فيموت . { وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } . أي : من ينسأ في أجله فيعمر حتى يهرم ، فيرد إلى أرذل عمره . وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : أرذل العمر ، خمسة وسبعون عاماً . ثم قال : { لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً } . أي : ليصير لا علم له بالأشياء بعدما كان عالماً بها . ثم قال : { وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً } . أي : يابسة دارسة لا نبات فيها ، وأصل الهمود ، الدروس والدثور . { فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ } أي : تحركت بالنبات . { وَرَبَتْ } أي : وأضعفت النبات بمجيء الغيث . قال قتادة : { ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } حسنت وعرف الغيث في ربوعها . وقيل : التقدير : فإذا أنزلنا عليها الماء ربت واهتزت ، فيكون المهتز الزرع ، يتحرك إذا نبت على الحقيقة ، فيرد المعنى إلى النبات . وظاهر الإخبار عن الأرض . وقوله : { وَتَرَى } رجوع من خطاب جماعة إلى خطاب واحد وهو حسن ، قد تقدم نظائره . وقرأ أبو جعفر القاري : { وَأَنبَتَتْ } بالهمز . أي : ارتفعت حتى صارت بمنزلة الربيئة . وهو الذي يحفظ القوم على شيء مشرف يقال : هو رأبئ القوم وربيئتهم . وفعيل : للمبالغة . ثم قال تعالى : { وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } . أي : من كل نوع حسن ، يعني من النبات . { بَهِيجٍ } بمعنى مبهج أي : يبهج من رآه حسنُه . ثم قال تعالى : { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ } . أي : فعل الله ذلك بأنه الحق ، أو الأمر ذلك بأنه الحق . أي : هذا الذي تقدم ذكره من عظيم القدرة في خلق الإنسان ، والأرض وغير ذلك ، فعله بأنه الحق الذي لا شك فيه ، وإن ما سواه باطل لا يقدر على شيء من ذلك . ومن فعل هذه القدرة ، فهو قادر على قيام الساعة ، وبعث من في القبور ، فهو كله مَثَلٌ بعد مثل في تحقيق قيام الساعة وإحياء الموتى كما أحيا الإنسان من نطفة ، ثم نقله من حال إلى حال . وكما أحيا الأرض بعد دروسها ، وكذلك احتج في قوله : { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ … } إلى { ٱلْقُبُورِ } / وعلى إعادة الموتى وعلى ما يريد ، ولذلك قال : { وَأَنَّهُ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ } . فلا تَشُكُّوا في ذلك . ثم قال تعالى : { ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى } . أي : من يخاصم في توحيد الله بغير علم ولا هدى . أي : وبغير هدى وبغير كتاب منير ، أي ينير حجته ، فتضيء له . ونزلت أيضاً هذه الآية في النضر بن الحارث .