Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 72-78)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ } إلى قوله : { حَقَّ جِهَادِهِ } . أي : وإذا تتلى على المشركين آيات القرآن واضحات حججها وأدلتها ، { تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ } ، أي : تتبين في وجوههم ما ينكره أهل الإيمان بالله من تغيرها بسماعهم القرآن . { يَكَادُونَ يَسْطُونَ } . أي : يبطشون بالذين يتلون عليهم كتاب الله من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لشدة كراهيتهم أن يسمعوا القرآن ويتلى عليهم . قال الضحاك : { يَكَادُونَ يَسْطُونَ } أي : يأخذون المؤمنين بأيديهم أخذاً . والسطو في اللغة : البطش . وروى أحمد عن قالون والأعشى عن أبي بكر " يصطون " بالصاد من أجل الطاء . ثم قال : { قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ } . أي : قل يا محمد للمشركين أفأنبئكم بشر مما تكرهونه من قراءة القرآن عليكم ؟ فقالوا : ما هو فقيل لهم : النار ، أي هي النار ، وعدها الله الذين كفروا ، أي : وعدكم وأمثالكم من الكفار إياها . وروي : أن المشركين قالوا محمد وأصحابه شر خلق ، فقال الله تعالى : قل لهم يا محمد أفأنبئكم بشر من محمد وأصحابه على قولكم وزعمكم ، أهل النار فهم أنتم شرار خلق الله تعالى لا محمد وأصحابه . وقوله : { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي : وبيس المكان الذي يصير إليه هؤلاء المشركون يوم القيامة . ثم قال تعالى ذكره : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } . { ضُرِبَ } هنا بمعنى : جعل : من قولهم : ضربت الجزية على النصارى ، أي : جعلت . وضرب السلطان الخراج على الناس . أي : جعل ، " والمثل " الشبه الذي جعلوه لله من الأصنام . فالمعنى : يا أيها الناس جعل شبه لي في عبادتي ، يعني : الأصنام التي جعلوها شبهاً لله فعبدوها . ثم قال : فاستمعوا الخبر هذا الذي جعل شبهاً لي . { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } من الأصنام والأوثان ، لن يخلقوا ذباباً ، على صغر الذباب ولطفه ، ولو أن الأصنام اجتمعت كلها لم تخلق ذلك ولا استطاعته ، على أن الذباب واحد وهي كثيرة . وأن يسلبهم هذا الذباب على ضعفه وكثرتها شيئاً مما عليها من طيب وغيره ، لا يقدرون بجماعتهم على استنقاذ ذلك الشيء من الذباب الضعيف . روي أنهم كانوا يطلون آلهتهم بالزعفران ، فكانت الذباب تختلس الزعفران ، فلا تقدر الأصنام - وهي آلهة لهم - على استنقاذ ما تأخذ الذباب منها . ثم قال : { ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } . أي : ضعفت الآلهة عن طلب ما أخذ الذباب منها ، وضعف الذباب ، قاله : ابن عباس . وقيل : المعنى : ضعف الطالب من بني آدم إلى الصنم حاجته ، والمطلوب إليه أن يعطي سائله من بني آدم ما سأله - فهذا توبيخ من الله لقريش وتنبيه ، ومعناه : كيف تجعلون الله في العبادة مثل ما لا يقدر على خلق ذباب . { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً } لم يمتنع ولا انتصر ، والله خالق من في السماوات والأرض . ومالك جميع ذلك ، والمحيي جميع ذلك والمفني لهم . ثم قال تعالى : { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } . أي : ما عظموه في العبادة حق عظمته حين عدلوا به من يضعف عن الامتناع من أذى الذباب . هذا معنى قول ابن زيد . وقد قال قوم : قوله تعالى : ضرب مثل ، فأين المثل ، ليس في الآية مثل والمعنى فيه على ما قدمنا أن معناه ، ضربتم لي مثلاً ، أي جعلتم لي شبهاً ونداً . كما قال : { وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً } [ إبراهيم : 30 ] { فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } أي : / فاستمعوا جواب ما ضربتموه شبهاً لله ونداً ، فالضرب إنما هو للمشركين الذين عدلوا الله بالأصنام ، فخبرنا الله تعالى عن ضعف الشبه والند الذي جعلوه له . قال الكلبي : كانوا يعمدون إلى المسك والزعفران ، فيسحقونهما جميعاً ، وهو عطر العرب ويطلون بهما الأصنام ، فإذا يبس تشقق فربما وقع عليه الذباب فيأخذ منه ، فكان يشتد عليهم . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } . أي : قوي على خلق ما يشاء من صغير وكبير ، " عزيز " أي : منيع في ملكه ، لا يقدر أحد أن يسلبه من ملكه شيئاً ، وليس كآلهتهم التي يدعون من دون الله التي لا تقدر على خلق ذباب ، ولا على الامتناع عن الذباب . ثم قال : { ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ } . أي : الله يختار من الملائكة رسلاً يرسلهم إلى من يشاء من خلقه ، كجبريل وميكائيل صلى الله عليهما وسلم . ومن الناس ، أي : يختار من شاء من الناس رسلاً يرسلهم إلى خلقه . ويقال : إن هذه الآية جواب لقول المشركين ، { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } [ ص : 8 ] فأنزل الله تعالى : { ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ } أي : ذلك إليه ، يفعل ما يشاء ، لا معقب لحكمه . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } أي : يسمع ما يقول المشركون في محمد صلى الله عليه وسلم ، وما جاء به وغير ذلك من كلامهم وسرهم ، { بَصِيرٌ } بمن يختاره لرسالته . ثم قال تعالى : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } . أي : ما بين أيدي ملائكته ورسله من قبل أن يخلقهم { وَمَا خَلْفَهُمْ } أي : وما هو كائن بعد فنائهم . { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } أي : إلى الله ترد أمور الدنيا والآخرة . ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } . أي : يا أيها الذين صدقوا الله ورسله وكتبه ، اركعوا واسجدوا في صلاتكم ، { وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ } ، أي : ذلوا له واخضعوا بالطاعة { وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ } الذي أمركم بفعله { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي : تدركون طلباتكم عند ربكم . وقال الطبري : لعل هنا بمعنى كي ، وهي عند غيره على معنى ، الرجاء و " لعل " من الله واجبة . ومذهب أهل المدينة ، مالك وغيره أن لا يسجد في آخر هذه السورة ، وإنما فيها سجدة واحدة عند قوله يفعل ما يشاء . ورأي جماعة من الفقهاء ، السجود في آخر السورة . وروي عن ابن عباس أنه قال : فضلت سورة الحج بسجدتين على سائر القرآن . وعن عمر أنه سجد في آخرها . وعن ابن عباس وابن عمر أنهما لم يعدا الثانية في سجود القرآن . ثم قال تعالى : { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ } . أي : جاهدوا المشركين حق الجهاد . قاله : ابن عباس . وعن ابن عباس : أن المعنى : لا تخافوا في الله لومة لائم ، فذلك حق جهاده . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " المجاهد من جاهد نفسه لله عز وجل " . وعنه أنه قال : " أفضل الجهاد ، كلمة عدل عند سلطان جائر " ، ومعنى : " حق جهاده " هو استفراغ الطاقة . يقول الله تعالى : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } . وأكثر الناس على أنه غير منسوخ وواجب على كل مسلم أن يجاهد في الله حق جهاده على قدر استطاعته ويكون قوله : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ } [ التغابن : 16 ] بياناً لهذا وليس بناسخ له . قوله تعالى ذكره : { هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } إلى آخر السورة . أي : هو اختاركم لدينه ، واصطفاكم لحرب أعدائه . وقال ابن زيد : " هو اجتباكم " أي : هَدَاكم . { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } أي : من ضيق لا مخرج لكم منه ، بل وسع عليكم ، فجعل التوبة من بعض مخرجاً ، والكفارة من بعض ، والقصاص من بعض . فلا ذنب يذنبه المؤمن إلا وله في دين الإسلام منه مخرج ، هذا معنى قول ابن عباس . " وقد سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : هو الضيق " يعني أن الحرج : الضيق . وقيل : معناه ، أن الله جعل للمؤمنين / مكان كل شي يثقل في وقت ما هو أخف منه ، فجعل للصائم الإفطار في السفر ، وتقصير الصلاة وللمصلي إذا لم يطق القيام أن يصلي قاعداً ، أو أن يتزوج أربعاً وما شاء من ملك اليمين . وعن ابن عباس أنه قال : هذا في شهر رمضان إذا شك فيه الناس ، وفي الحج إذا شك في الهلال ، وفي الفطر والأضحى إذا التبس عليكم استهلاله . وعن ابن عباس أيضاً أن معناه : وما جعل عليكم في الإسلام من ضيق بل وسعه عليكم ، وهو قول الضحاك . وقال ابن عباس : وسع الله في الدين ولم يضيقه فبسط التوبة ، وجعل الكفارات مخرجاً . ثم قال تعالى : { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } اختلف في " هو " فقيل : ضمير الله جلّ ذكره . وقيل ضمير إبراهيم صلى الله عليه وسلم أي : الله سماكم المسلمين ، هذا قول : قتادة والضحاك ومجاهد . وقيل : المعنى : إبراهيم سماكم المسلمين ، وهو قول الحسن وابن زيد لأن إبراهيم عليه السلام قال : { رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } . وهذا القول يضعفه قوله من قبل . وفي هذا ، فيكون إبراهيم سمانا مسلمين من قبل القرآن وفي القرآن ، والقرآن إنما نزل بعد إبراهيم ، فهذا بعيد ، وإنما يجوز قول ابن زيد والحسن على معنى ، إبراهيم سماكم المسلمين فيما تقدم وفي هذا ، أي : وفي حكمه أن من اتبع محمداً موحد . والأحسن أن يكون الله سمانا بذلك ، من قبل القرآن ، وفي الكتب المتقدمة وفي القرآن . قال مجاهد سماكم الله مسلمين في الكتب كلها ، وفي الذكر ، وفي هذا القرآن . وكل من آمن بنبيه من الأمم الماضية ، فإنما سميت بالإيمان ولم يسم بالإيمان والإسلام غير هذه الأمة . ثم قال : { لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ } . أي : اجتباكم وسماكم مسلمين ليكون محمد شهيداً عليكم يوم القيامة ، لأنه قد بلغكم ما أرسل به إليكم ، وتكونوا أنتم حينئذٍ شهداء على الرسل أجمعين أنهم قد بلغوا أمتهم ما أرسلوا به إليهم . قال قتادة : أعطيت هذه الأمة ما لم يعطه إلا نبي كان . يقال للنبي : اذهب فليس عليك حرج ، وكان يقال للنبي : إنك شهيد على قومك . وقال الله : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } ، وقال : " لتكونوا شهداء على الناس " وكان يقال للنبي : سل تعطه ، وقال الله جلّ ذكره : ادعوني أستجب لكم . ثم قال : { فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ } . أي : أقيموها بحدودها في أوقاتها ، وآتوا الزكاة الواجبة عليكم . ثم قال : { وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ } أي : ثقوا بالله وامتنعوا به من عدوكم ، وتوكلوا عليه في أموركم ، { فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ } هو لمن فعل ذلك منكم { وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ } ، أي : نعم الناصر هو على من بغاه بسوء . وقوله : { مِنْ حَرَجٍ } وقف ، إن نصبت ملة ، بمعنى اتبعوا ملة فإن نصبته على قول الفراء على معنى كَـ " مِلّةِ " إبراهيم لم تقف على " حرج " ويلزم الفراء في النصب عند عدم الكاف أن يقول زيد الأسد ، فينصب الأسد ، لأن المعنى ، زيد كالأسد ، وهذا لا يجوز عند أحد . " إبراهيم " وقف ، إن جعلت " هو " من ذكر الله جلّ ثناؤه ، وهو مذهب نافع ويعقوب وغيرهما . وإن جعلت " هو " من ذكر إبراهيم لم تقف على " إبراهيم " ، وكان التمام " وفي هذا " إن جعلت اللام من لتكون متعلقة بفعل مضمر ، فإن جعلتها متعلقة بـ : " اجتباكم " و " سماكم " لم يكن التمام إلا على الناس .