Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 64-71)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } إلى قوله : { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } . أي : له ملك ما في السماوات وما في الأرض ، وأن الله لهو الغني عن خلقه . وهم المحتاجون إليه . { ٱلْحَمِيدُ } أي : المحمود عند / عباده في أفضاله ونعمه عندهم . ثم قال : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلأَرْضِ } . أي : سخر لكم ما في الأرض من الدواب والأنعام وغير ذلك تنتفعون وتأكلون وتركبون وتلبسون منه ، وسخر لكم " الفلك لتجري في البحر بأمره " أي : بقدرته وتذليله إياها لكم . ثم قال : { وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } . أي : يمسكها بقدرته لئلا تقع على الأرض . { إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } . أي : لذو رأفة ورحمة بهم . ثم قال : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } . أي : والذي أنعم عليكم هذه النعم المذكورة ، هو الذي خلقكم أجساماً أحياء بحياة أحدثها فيكم ولم تكونوا شيئاً ، ثم يميتكم فيفنيكم عند مجيء آجالكم ، ثم يحييكم عند بعثكم لقيام الساعة ، { إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } أي : إن ابن آدم لجحود لنعم الله عليه ، إذ يعبد غير من أنعم عليه بهذه النعم المذكورة وبغيرها . ثم قال تعالى : { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ } . أي : لكل جماعة قوم لنبي خلا قلبك يا محمد ، جعلنا مألفاً يألفونه ، ومكاناً يعتادونه لعبادة الله تعالى ، وقضاء فرائضه ، وعملاً يلزمونه . وأصل المنسك : المكان المعتاد الذي يعتاده الرجل ويألفه لخير أو شر ، وإنما سميت المناسك مناسك الحج لتردد الناس إليها للعمل الذي فرض عليهم لعمل الحج والعمرة فألفوه . وكسر " السين " لغة أهل الحجاز ، وفتحها لغة أسد . قال ابن عباس : جعلنا منسكاً . أي : عيداً . وقال مجاهد : وهو إراقة الدم بمكة . وقال قتادة : " منسكاً " ذبحاً وحجاً . وقد رويَ أن المشركين جادلوا النبي صلى الله عليه وسلم في إراقة الدم أيام النحر . فهذه الآية في ذلك والله أعلم . دل على هذا التأويل قوله : { فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ } أي : فلا يجادلنك في ذبحك ونسكك قولهم : أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله وهو الميتة . ومعنى : " فلا ينازعنك " ، أي : فلا تنازعنهم لأنهم قد نازعوه في ذلك قبل نزول الآية . ثم قال : { وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ } . أي : ادع يا محمد منازعيك من المشركين بالله في نسكك وذبحك إلى اتباع أمر ربك بأن يأكلوا ما ذبحوه بعد اتباعك والتصديق بما جئتهم به . { إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } أي : طريق غير زائل عن الحق والصواب . ثم قال تعالى : { وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } . أي : إن جادلك هؤلاء المشركون في نسكك ، { فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } " لنا أعمالنا ولكم أعمالكم " { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي : يقضي بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون من أمر دينكم . فتعلمون حينئذٍ المحق من المبطل . ثم قال تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } . أي : يعلم ما في السماوات السبع وما في الأرضين السبع ، لا يخفى عليه من ذلك شيء ، فهو حاكم بين خلقه يوم القيامة على علم منه بجميع ما عملوه في الدنيا ، فيجازى المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته . { إِنَّ ذٰلِكَ فِي كِتَابٍ } أي : إن علمه بذلك في كتاب ، وهو أم الكتاب الذي كتب فيه ربنا جلّ ذكره قبل أن يخلق الخلق ما هو كائن إلى يوم القيامة . { إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي : سهل . يعني : حكمه بين المختلفين يوم القيامة . وقيل : معناه : أن كتاب القلم الذي أمره الله أن يكتب ما هو كائن يسير على الله . أي ، هين . فصاحب هذا القول رده على الأقرب ، وهو : " أن ذلك في كتاب " . وصاحب القول الأول رده على " يحكم بينكم " . قال ضمرة بن حبيب : إن الله جلّ ذكره كان عرشه على الماء ، فخلق السماوات والأرض بالحق ، وخلق القلم فكتب به ما هو كائن من خلقه ، ثم إن ذلك الكتاب سبح الله ومجده ألف عام قبل أن يبتدئ شيئاً من الخلق . وقال كعب الأحبار : " علم الله تعالى ما هو خالق ، وما خلقه عاملون " . وقال ابن جريج : قوله : " إن ذلك في كتاب " يعني : قوله : { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ / فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } . ثم قال تعالى : { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } . أي : يعبد هؤلاء المشركون من دون الله ما لم ينزل لهم به حجة من السماء في كتاب من كتبه التي أنزلها على رسله ، وما ليس لهم به علم ، أي : لا علم لهم أنها آلهة ، فيعبدونها بعد علم ، { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } ينصرهم من عذاب الله .