Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 102-110)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } . إلى قوله : { وَكُنْتُمْ مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ } . أي : فمن ثقلت موازين حسناته ، وخفت موازين سيئاته فأولئك هم الباقون في النعيم ، ومن خفت موازين حسناته وثقلت موازين سيئاته { فأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } ، أي : غبنوا أنفسهم حظها من رحمة الله في جهنم ، { خَالِدُونَ } أي ماكثون { تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } أي : تنفح وجوههم النار . ثم قال : { وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ } . قال ابن مسعود : " الكالح " : الذي قد بدت أسنانه ، وتقلصت شفتاه ، كالرأس المشيط بالنار . وقال ابن عباس : " كالحون " عابسون . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تشوي أحدهم النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته " . قال الحسن : لفحتهم النار لفحة ، فلم تدع لحماً ولا جلداً إلا ألقتهُ عند العراقيب وبقيت العظام بيضاء تلوح . ثم قال تعالى : { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } . أي : يقال لهم : ألم تكن آيات القرآن تتلى عليكم في الدنيا فكنتم بها تكذبون . ثم قال : { قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا } . أي : غلب علينا ما سبق في سابق علمك وخط لنا في أم الكتاب . قال مجاهد : شقوتنا التي كتبت علينا . قال ابن جريج : بلغنا أن أهل النار نادوا خزنة جهنم أن { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ } [ غافر : 49 ] فلم يجيبوهم ما شاء الله ، فلما أجابوهم بعد حين قالوا : { فَٱدْعُواْ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } [ غافر : 50 ] . قال : ثم نادوا مالكاً : { يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } [ الزخرف : 77 ] قال : فسكت عنهم مالك خازن جهنم أربعين سنة ثم أجابهم فقال : { إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } [ الزخرف : 77 ] ، ثم نادى الأشقياء ربهم فقالوا : { رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ } { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } : قال : فسكت عنهم مقدار الدنيا ، ثم أجابهم بعد ذلك { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } . وروى أن لأهل جهنم أربع دعوات ، أولها ما حكى الله جل ذكره في غافر من قولهم : { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } [ غافر : 11 ] ، والثانية ، ما حكى الله عنهم في غافر أيضاً قوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ } [ غافر : 49 ] فأجابتهم الخزنة : { أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } ، قالوا : " بلى " ، قالت لهم الخزنة : { فَٱدْعُواْ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } [ غافر : 50 ] . والثالثة ما حكى الله تعالى عنهم في الزخرف من قوله : { وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } [ الزخرف : 77 ] فأجابهم مالك فقال : { إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } [ الزخرف : 77 ] ، والرابعة في قد أفلح : قوله : { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ } فيجيبهم الرب اخسئوا فيها ولا تكلمون ، فتصير لهم همهمة كنباح الكلاب . ومعنى : " اخسئوا " ابعدوا من رحمتي وعطفي ، يقال : خسأت الكلب ، أبعدته ، وقال تعالى ذكر ، ينقلب إليك البصر خاسئاً " أي مبعداً . وقال / محمد بن كعب : بلغني أن أهل النار استغاثوا بالخزنة : ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب ، فردوا عليهم ما قال الله جل ذكره ، فلما يئسوا نادوا : يا مالك ، وهو عليهم ، وله مجلس في وسطها تمر عليه ملائكة العذاب ، وهو يرى أقصاها كما يرى أدناها ، فقالوا يا مالك ليقض علينا ربك ، سألوا الموت فمكثوا لا يجيبهم ثمانين سنة من سني الآخرة ، ثم لفظ إليهم فقال : إنكم ماكثون ، فلما سمعوا ذلك قالوا : فاصبروا ، فلعل الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله قال : فصبروا ، فطال صبرهم ، فنادوا : { سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ } ، أي : منجى ، فقام إبليس عند ذلك فخطبهم فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ } [ إبراهيم : 22 ] ، إلى قوله : { أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } [ إبراهيم : 22 ] ، فلما سمعوا مقالته ، مقتوا أنفسهم قال فنودوا : { لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ } إلى قوله : { مِّن سَبِيلٍ } … قال فيجيبهم الله جل ذكره فيها : { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ } إلى { ٱلْكَبِيرِ } . قال : فيقولون : ما أيأسنا بعد . قال ثم دعوا مرة أخرى ، فيقولون : { رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا } … إلى … { مُوقِنُونَ } . قال : فيقول الرب : { وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } إلى قوله : { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } . قال : فيقولون : ما أيأسنا بعد قال : فيدعون مرة أخرى : { رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } . قال : فيقول لهم : { أَوَلَمْ تَكُونُوۤاْ أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } … الآية . قال : فيقولون : ما أيأسنا بعد ثم قالوا مرة أخرى : { رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } . قال : فيقول لهم : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ } من تذكر … { مِن نَّصِيرٍ } … قال : ثم مكث عنهم ما شاء الله ثم ناداهم : { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ } ، فلما سمعوا ذلك قالوا : الآن يرحمنا ، فقالوا عند ذلك : ربنا غلبت علينا شقوتنا أي : الكتاب الذي تقدم فيه أنا أشقياء ، { وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ … } إلى { … ظَالِمُونَ } . فقال لهم عند ذلك : اخسئوا فيها ولا تكلمون قال : فلا يتكلمون فيها أبداً . قال : فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء منهم ، وأقبل بعضهم ينبح في وجه بعض ، فأطبقت النار عليهم قال عبد الله بن المبارك : فذلك قوله : { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ * وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } . وروي عن زيد بن أسلم أن أهل النار لا يتنفسون . وقال أبو الدرداء يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب ، فيستغيثون فيغاثون بالضريع ألا يسمن ولا يغني من جوع ، فيستغيثون ، فيغاثون بطعام ذي غصه ، فيغصون به ، فيذكرون أنهم كانوا يجيزون الغصص في الدنيا بالشراب ، فيستغيثون بالشراب فيرفع إليهم الحميم بكلابيب الحديد ، فإذا دنا من وجوههم ، شوى وجوههم ، فإذا دخل بطونهم ، قطع أمعاءهم وما في بطونهم ، فيدعون خزنة جهنم ، فيقولون لهم : ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب كالحديث الأول . وقوله : { وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ } . أي : ضللنا عن سبيل الرشد وقصد الحق . والشقوة والشقاوة لغتان بمعنى عند الكسائي والفراء . وقيل : معنى ذلك : غلبت علينا لذاتنا وأهواؤنا ، فسميت اللذات والأهواء شقوة ، لأنهما يؤديان إليها ، كما قال : { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً } . فسمى أكل مال اليتيم ناراً لأنه يؤدي إلى النار . ومعنى : " اخسئوا فيها " : تباعدوا تباعد سخط . يقال : خسأت الكلب ، إذا زجرته ليتباعد . ثم قال تعالى : { إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا } . أي : كان جماعة من عبادي ، وهم أهل الإيمان بالله . قال مجاهد : هم : صهيب وبلال وخباب وشبههم من ضعفاء المسلمين ، كان أبو جهل وأصحابه يهزؤون بهم ، وكانوا يقولون ربنا آمنا . فاغفر لنا ذنوبنا ، أي : استرها علينا وارحمنا وأنت خير من رحم أهل البلاء . { فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً } أي جعلتم تهزءون منهم . هذا على قراءة من كسر السين / ومن ضمها فمعناه فجعلتم تسخرونهم . هذا مذهب أبي عمرو وأبي عبيدة وقطرب . وهو قول الحسن وقتادة . وهما لغتان عند الكسائي والفراء . بمعنى الهزء ، فإذا كان بمعنى السخرة والتسخير فهو بالضم لا غير ، نحو : { لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } [ الزخرف : 32 ] ، ثم قال : { حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي } . أي : لم تزالوا تستهزءون بهم حتى أنساكم ذلك من فعلكم بهم ذكري فألهاكم عنه . قال ابن زيد : أنساهم الاستهزاء بهم والضحك ذكر الله ، وقرأ : { إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ } [ المطففين : 29 ] … إلى قوله … { لَضَالُّونَ } [ المطففين : 32 ] . ومثله في إضافة الفعل إلى غير فاعله قوله { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاس } [ إبراهيم : 36 ] أي : ضل بهن كثير من الناس لم يكن له صنام فعل يضل به الناس . الناس هم الضالون لعبادتهم الأصنام ، فكذلك أنسوكم ذكري ، لم ينسيهم المؤمنون ذكر الله بل نسوا ذلك ، أي تركوه .