Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 23, Ayat: 96-102)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ } إلى قوله : { وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } . أي : ادفع يا محمد فعل هؤلاء المشركين بالخلة التي هي أحسن ، وذلك الإغضاء والصفح عن جهلهم ، والصبر على أذاهم ، وهذا قبل أن يأمره بحربهم . فهو منسوخ بالأمر بالقتال . والسيئة هنا هي أذى المشركين إياه ، وتكذيبهم له . قال مجاهد : معناه : أعرض عن أذاهم إياك . وروي عنه أنه قال : هو السلام يسلم عليهم إذا لقيهم . ثم قال : { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } . أي : ما يصفون الله به جل ذكره من السوء ، وهو مجازيهم عليه . ثم قال تعالى : { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } . أي : رب استجيرك من وسوسة الشياطين " . وقال ابن زيد : " همزات الشياطين " خنقهم للناس . { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } . أي : يحضرون في شيء من أموري . وقيل : " همزات الشياطين " الجنون الذي يعرض للناس والصرع وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الشيطان ، ويقول : " من همزه ونفثه ونفخه فقيل : يا رسول الله ، وما همزه فذكر هيئة الموتة الذي تأخذ الناس ، وهو الجنون والصرع ، فقيل له : وما نفثه ؟ قال : الشِعر . فقيل له : وما نفخه ؟ قال : الكفر " . ثم قال : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ } . أي : إذا عاين أحد هؤلاء المشركين الموت ونزل به أمر الله تعالى : { قَالَ } لعظيم ما يعاين من عذاب الله : { رَبِّ ٱرْجِعُونِ } إلى الدنيا { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } قبل اليوم من العمل فضيعته وفرطت فيه . وذلك تندماً منه على ما فات وتلهفاً . يقول الجبار : { كَلاَّ } أي : لا ترد ، وذلك لا ينفعه ، لأنه وقت رفع عنه حد التكليف ، فلا تنفع فيه توبة ، وذلك عند اليقين بالموت ، والبشارة بما أعد له من العذاب ، والإعلام بما كان عليه من الخطأ في دينه ، فإذا عاين ذلك كله ، لم ينفعه ندم ولم يتقبل منه توبة ولم يقل من ندامته . وليست " لعل " في هذا للشك ، لم يرد لعلي أعمل أو لا أعمل إنما هي لليقين ، أي : إن رددت عملت ، وهو لا يرد أبداً . قال ابن زيد : ذلك حين تنقطع الدنيا ، ويعاين الآخرة قبل أن يذوق الموت . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إذا حضر الإنسان / الموت جمع له كل شيء كان يمنعه من ماله من حقه ، فجعل بين يديه ، فعند ذلك يقول : { رَبِّ ٱرْجِعُونِ … } الآية . وروى ابن جريج " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا عاين المؤمن الملائكة ، قالوا : نرجعك إلى الدنيا ، فيقول : إلى دار الهموم والأحزان ، فيقول : بل قدماً إلى الله جل ثناؤه ، وأما الكافر فيقول : رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت " . قال الضحاك : يعني به أهل الشرك . وقوله : { رَبِّ ٱرْجِعُونِ } ، بالتوحيد ثم بالجمع فإنما ذلك لأن الكافر ابتدأ سؤاله إلى الله ، ثم رجع إلى خطاب الملائكة الذين يتولون القبض روحه ، فأتى بلفظ الجمع لأنهم جماعة ، ووحد أولاً لأن الله واحد . وقيل : إنه إنما جمع لأن الجبار يخبر عن نفسه بلفظ الجماعة تعظيماً ، فإذا خوطب جرى أيضاً على ذلك ، فجرى أول الكلام على التوحيد وآخره على لفظ الجمع للتعظيم . وقيل : إنما جاء " ارجعون " بلفظ الجمع ، لأنه بمعنى : ارجع ارجع ففيه معنى التكرير ، وكذلك قال المازني في قوله : { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ } [ ق : 24 ] قال : معناه : الق الق . ثم قال : { إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا } . قال ابن زيد : لا بد كل مشرك أن يقولها . ثم قال تعالى : { وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } . البرزخ هو مقامهم تحت التراب إلى يوم البعث فهو حاجز بينهم وبين الرجوع . قال ابن عباس : " برزخ " أجل إلى حين . وقال ابن جبير : برزخ ما بعد الموت . وحضر أبو أمامة جنازة ، فلما وضعت في اللحد قال : هذا برزخ إلى يوم يُبعثون . وقال مجاهد : " البرزخ " . ما بين الموت إلى البعث . وقال الضحاك : " البرزخ " ما بين الدنيا والآخرة . وحقيقة البرزخ في اللغة أنه كل حاجز بين شيئين . وقال رجل بحضرة الشعبي رحم الله فلاناً صار من أهل الآخرة فقال : لم يصر من أهل الآخرة ، ولكنه صار من أهل البرزخ ، وليس من الدنيا ولا من الآخرة . ثم قال تعالى : { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ } . أي : فإذا نفخ إسرافيل في القرن . وقال أبو عبيدة : الصور جمع صورة ، ومعناه : فإذا نفخ في صور الناس الأرواح . قال ابن مسعود : " الصور " : قرن . وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ، ينتظر متى يؤمر " . ثم قال : { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } . وقد قال في موضع آخر : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } فمعنى قول ابن عباس فيه ، أنه إذا نفخ في الصور أول نفخة ، تقطعت الأرحام ، وصعق من في السماوات ومن في الأرض ، وشغل بعض الناس عن بعض بأنفسهم ، فعند ذلك لا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فإذا نفخت النفخة الثانية قاموا ينظرون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ، فذلك في وقتين مختلفين . وقيل : معناه : لا تفاخر بينهم بالأنساب في القيامة كما يتفاخرون في الدنيا بالأنساب . ولا يتساءلون في الآخرة كما يتساءلون في الدنيا فيقولون من أي قبيلة الرجل . وعن ابن عباس : أيضاً أن رجلاً سأله عن الآيتين فقال : أما قوله : { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } فذلك في النفخة الأولى ، لا يبقى على الأرض شيء ، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، وأما قوله : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " فإنهم لما دخلوا الجنة ، أقبل بعضهم على بعض يتساءلون ، وبذلك قال السدي . وعن ابن مسعود أن ذلك في الموقف في النفخة الثانية قال : يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة على رؤوس الأولين والآخرين قال وينادي مناد : هذا فلان بن فلان فمن كان له حق قبلهُ فليأت إلى حقه . قال : فتفرح المرأة يومئذ أن يكون لها حق على أبيها أو على ابنها أو على أخيها أو على زوجها ، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ، فيقول الرب عز وجل للعبد : اعط هؤلاء حقوقهم ، فيقول : أي : رب ، فنيت الدنيا ، فمن أين أعطيهم ، فيقول للملائكة : خذوا من أعماله الصالحة وأعطوا كل إنسان مقدار طلبته ، فإن كان له فضل / مثقال حبة من خردل ضاعفها الله له حتى يدخله بها الجنة ، ثم تلا ابن مسعود : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا } . الآية ، وإن كان عبداً شقياً قالت الملائكة : ربنا فنيت حسناته وبقي طالبون كثير ، فيقول تعالى : خذوا من أعمالهم السيئة فأضيفوها إلى سيئاته ، وصكوا له صكاً إلى النار . وقال ابن جريج في الآية : لا يسأل يومئذ أحد شيئاً ، ولا يمت إليهم برحم ، ولا يتساءلون . وقال قتادة : ليس شيء أبغض إلى الإنسان يوم القيامة من أن يرى من يعرفه مخافة أن يدعى عليه شيئاً ، ثم قرأ : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ } … إلى … { يُغْنِيهِ } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، نادى مناد من تحت العرش . يا أهل المظالم تداركوا مظالمكم وأدخلوا الجنة " . ومعنى : { فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَآءَلُونَ } أي : لا يتفاخرون بالأنساب يوم القيامة ولا يتساءلون بها كما كانوا يفعلون في الدنيا . وقيل : إن يوم القيامة مقداره خمسين ألف عام ، ففيه أزمنة فأحوالهم تختلف فيه ، فمرة يتساءلون ، ومرة لا يتساءلون .