Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 12-22)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ } ، إلى قوله : { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } / هذه الآية عتاب " من الله تعالى لأهل الإيمان فيما وقع في أنفسهم من أمر عائشة ، فالمعنى : هلا إذ سمعتم أيها المؤمنون ما قال أهل الإفك في عائشة ، ظننتم خيراً بمن قذف ، ولا تظنوا الفاحشة . قال ابن زيد معناه : هلا ظن المؤمن أن المؤمن لم يكن يفجر بأمه . ثم قال : { هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } ، أي وقال المؤمنون : هذا الذي جاء به هؤلاء كذب ظاهر . ثم قال تعالى : { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } ، أي هلا جاء هؤلاء المبطلون القائلون في عائشة الكذب بأربعة شهداء على تصحيح قولهم فيها ، فإذ لم يأتوا بالشهداء على ما رموها به فأولئك عند الله هم الكاذبون فيما جاءوا به من الإفك . ثم قال : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ } ، يعني الخائضين في الإفك . { لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، أي لعجل عليكم بالعقوبة ، ولكن تفضل عليكم بتأخيرها ، ورحمكم فقبل توبتكم من ذلك . ثم قال تعالى : { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ } ، أي لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم حين تتلقونه بألسنتكم ، أي تتلقون الإفك : أي يأخذه بعضكم عن بعض ، ويقبله منه . روي أن الرجل منهم كان يلقى الرجل فيقول : أو ما بلغك كذا وكذا عن عائشة ؟ لتشيع بذلك عليها الفاحشة . قال مجاهد : { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ } يرويه بعضكم عن بعض . وقرأت عائشة رضي الله عنها : " إذ تلقونه " بكسر اللام وضم القاف مخففاً . يقال : ولق ، يلق إذا أسرع في الكذب واشتقاقه من الولق ، وهو الخفة والسرعة . وقوله : { وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ } أي تقولون من الخبر الذي تروونه ولا تعلمون حقيقته ولا صحته . وقال { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً } ، أي وتحسبون أن قول ذلك وروايتكم الكذب والبهتان هيناً أي سهلاً ، لا إثم فيه عليكم ، وهو عند الله عظيم ؛ لأنكم تؤذون به النبي صلى الله عليه وسلم وحليلته . ولا يوقف على ذلك { عَذَابٌ عَظِيمٌ } لأنه عامل في " إذا " ، والوقف على { وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ } . ثم قال : { وَلَوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا } ، أي هلا إذ سمعتم الإفك أيها الخائضون فيه قلتم : ما يحل لنا أن نتكلم بهذا سبحانك أي تنزيهاً لك وبراءة لك من السوء ، هذا القول بهتان عظيم . ثم قال تعالى : { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً } ، أي يذكركم الله ، وينهاكم بأي كتابه لئلا تعودوا لمثله ، أي لمثل فعلكم في تلقيكم الإفك ، وقبولكم له ، وخوضكم فيه { إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } ، أي إن كنتم تتعظون بعظات الله وتأتمرون لأمره . ثم قال : { وَيُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَاتِ } أي يبين ما تهلكون بوقوعكم فيه لتجتنبوه . { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ، أي عليم بخلقه ومصالحهم ، حكيم في تدبيره . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَاحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، أي إن الذين يحبون أن يذيع الزنا في الذين صدقوا الله ورسوله لهم عذاب مؤلم في الدنيا بالحد ، وفي الآخرة بعذاب النار إن مات مصراً على ذلك غير تائب منه . قال ابن زيد : عني به الخبيث عبد الله بن أبي بن سلول المنافق ، هو أشاع على عائشة ما أشاع من الفرية . ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } ، أي والله يعلم كذب الذين جاءوا بالإفك وأنتم أيها الناس لا تعلمون ذلك لأنكم لا تعلمون الغيب . وقيل : المعنى والله يعلم مقدار عظم هذا الذنب ، والمجازاة عليه ، وأنتم لا تعلمون ذلك . ثم قال : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } ، أي ولولا أن الله تفضل عليكم أيها الناس ورحمكم لهلكتم فيما أفضتم فيه ، ولكن الله ذو رأفة ، ورحمة بخلقه فلم يعاجلكم بالعقوبة . ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } ، أي لا تسلكوا سبيل الشيطان وطرقه فتشيعوا الفاحشة في من لم يأتها . { وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ } ، أي من يسلك طرقه وسبله . { فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ } ، أي بالزنا والمنكر من القول . ثم قال : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ / وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } ، أي يطهر من يشاء من خلقه . قال ابن عباس : { مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً } أي ما اهتدى أحد من الخلائق لشيء من الخير ينفع به نفسه ، ولم يتق شيئاً من الشر يدفعه عن نفسه . وقال ابن زيد : " ما زكى " ما أسلم ، قال : وكل شيء في القرآن زكى وتزكى فهو الإسلام . { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ، أي سميع لما تقولون بألسنتكم وغير ذلك من كلامكم ، عليم بذلك كله وبغيره من سائر الأمور . وقال الكسائي : { مَا زَكَىٰ مِنكُمْ } ، جواب لولا الأولى والثانية . ثم قال تعالى : { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ } ، أي : ولا يحلف بالله ذو الفضل والجدة أن لا يؤتوا أولي القربى . ويأتل : يفتعل من الآلية ، وقرأ أبو جعفر ، وزيد بن أسلم : يتأل على يفتعل من الآلية أيضاً ، عني بذلك أبا بكر رضي الله عنه حلف ألا ينفق على مسطح وهو ابن خالته ، وكان مسكيناً مهاجراً بدرياً ، وكان قد خاض في أمر الإفك مع من خاض فيه . ثم قال : { وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ } ، أي لِيَعْفُ أبو بكر عما فعل مسطح من الإشاعة في أمر عائشة ، وليترك عقوبته على ذلك . ثم قال تعالى : { أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ } ، أي ألا يحب أبو بكر أن يستر الله عليه ذنوبه { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . قالت عائشة رضي الله عنها : قال أبو بكر لما نزلت هذه الآية : والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه . وقال : والله لا أنزعها منه أبداً . وقال ابن عباس : معناها لا تقسموا ألا تنفعوا أبداً . وعن ابن عباس أن ناساً رموا عائشة بالقبيح ، فأقسم ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر ألا يتصدقوا عليهم ولا يصلوهم ، فنزلت الآية في ذلك فرجعوا إلى الصلة والصدقة هذا معنى قوله . وكذلك قال الضحاك : كان أبو بكر وغيره من المسلمين ينفقون كالأول فلذلك أتى الخطاب بلفظ الجماعة . وقد قيل : إن معنى { وَلاَ يَأْتَلِ } ، لا يقصر ، من قولهم ما ألوت في كذا أي ما قصرت ، فيكون التقدير : ولا يقصر أولو الفضل عن أن يؤتوا أولي القربى ، وعلى القول الأول : ولا يحلف بالله أولوا الفضل كراهة أن يؤتوا ، ولئلا يؤتوا .