Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 4-11)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } إلى قوله : { لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . أي والذين يشتمون العفائف من الحرائر المسلمات / فيرمونهن بالزنا ثم لم يأتوا على ما رموهن به من ذلك بأربعة شهداء عدول يشهدون عليهن بالزنا ، { فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } ، أي الخارجون عن أمر الله وطاعته ، ومعنى أبداً مدة حياتهم ، ووقع اللفظ على رمي النساء ، ورمي الرجال مثل ذلك ، كما وقع الحكم على رمي الرجال في قوله : { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ } ، والنساء كذلك يحددن إن قذفن . وقيل إن المعنى : والذين يرمون الأنفس المحصنات فهو للرجال والنساء . وهذه الآية نزلت في الذين رموا عائشة رضي الله عنها بما رموها به من الإفك ، قاله ابن جبير . وقال الضحاك : هي في نساء المسلمين . وقال ابن زيد : الفاسقون : الكاذبون . ومعنى الإحصان هنا العفة . ثم قال تعالى : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . أي إلا من تاب من بعد قذفه ، وأخذ الحد منه وهو استثناء من قوله : { وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً } ، فإذا تاب قبلت شهادته وهو مذهب أكثر الفقهاء منهم : الشعبي ، والزهري ، وأبو الزناد ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد وهو قول عمر بن الخطاب ، وابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، وطاوس ، وبه قال عمر بن عبد العزيز ، وعبد الله بن عتبة ، وابن المسيب . وقال شريح : لا تجوز شهادته وإن تاب ، يجعل الاستثناء من الفاسقين لأنه قد منع قبول شهادته بالأبد ، فلا تقبل أبداً . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تجوز شهادة محدود في الإسلام " ، وبهذا القول يقول ابن عباس في رواية عطاء عنه ، وبه قال سعيد بن جبير ، والنخعي والثوري ، وأصحاب الرأي . فيكون أبداً وقف على قول من قال : لا تقبل شهادته ولا يوقف عليه ، وعلى قول من قال : تقبل إذا تاب . واحتج الشافعي على من منع قبول شهادته إذا تاب بأنهم يقبلونها إذا تاب قبل أن يحد ، فينبغي إذا حد أن يكون قبولها أولى ، لأن الحدود كفارات للذنوب ، وهم كلهم يقبلون شهادة المحدود في الزنا ، وشرب الخمر ، والمسكر إذا تاب ، وكذلك الزنديق ، والمشرك . وقد قال تعالى : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ } ، فهو راجع إلى كل من تقدم ذكره ، إلا أن يأتي خبر يدل على الخصوص . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِٱللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } . ارتفعت الشهادة بالابتداء ، أي فعليه أن يشهد أربع شهادات بالله ، وكسرت إن في " إنه لمن " ، و " إنها لمن " لأنها جواب القسم . وقوله : " أربع " من نصبه أعمل فيه فشهادة أحدهم ، لأن التقدير : فإن شهد أحدهما أربع شهادات بالله فهو مصدر ولا يحسن أن يكون مفعولاً به ، لأنّ شهد لا يتعدى إلا أن يكون من الحضور نحو : شهدت العيد أي حضرته ، ومعنى الآية والذين يرمون نساءهم بالزنا ، وليس لهم من يشهد بصحة قولهم فالذي يقوم مقام الشهداء في دفع الحد عنه أن يحلف بالله أربعة أيمان أنه صادق في قوله فيها ، يقول : أشهد بالله إني لصادق أربع مرات . وقيل بل يقول : بالله الذي لا إله إلا هو أربع مرات أنه رأى رجلاً جامع امرأته ، ويقول في الخامسة : اللهم العنيّ إن كنت كذبت عليها ، وقيل : بل يقول في الخامسة : لعنة الله عليه إن كان كاذباً عليها ومن نصب الخامسة عطفها على أربع شهادات ، وتقديره : ويشهد الشهادة الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان كاذباً فيما رماها به من الزنا ، والذي يزيل عنها حد الزنا أن تحلف أيضاً بعد يمينه أربع شهادات أنه لكاذب عليها ، وتقول في الخامسة : غضب الله / عليها إن كان صادقاً في قوله . وهذه الآية نزلت في هلال بن أمية رجل من الأنصار وغيره رأوا زنا نسائهم وتيقنوه فأتوا النبي عليه السلام فأخبروه ، فشق ذلك على النبي وهمَّ بحدهم على القذف ، فأنزل الله ما يقوم مقام الحد لمن لم يكن عنده شهداء ، فدعا رسول الله بامرأة هلال ، فتلاعنا بين يديه ففرق رسول الله بينهما ، وقضى بالولد لأمه ولا يدعى لأب . قال ابن عباس : ولا يجتمعان أبداً فمن لم يحلف منهما أقيم عليه الحد . وقوله : { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا ٱلْعَذَابَ } ، يعني الحد أي يدفع عنها حد الزانية شهادتها بالله أربع شهادات أنه لمن الكاذبين ، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين . وقيل : العذاب هنا : الرجم ، ومعناه العذاب الذي عهدتم من فعل نبيكم ، ولذلك أتى بالألف واللام . وقيل : هو الجلد إن كانت غير محصنة ، والرجم إن كانت محصنة ، ولو امتنعت هي أو هو من الخامسة لوجب الحد ، ولا يجب عليها الحد إلا إذا امتنعت من الالتعان بعد التعان الزوج أو من الخامسة ، لأن التعان الزوج قد جعله الله يقوم مقام أربعة شهداء ، فكما يلزمها الحد لو أتى بأربعة شهداء ، كذلك يلزمها إن التعن . فإن التعنت هي دفع ذلك عنها الحد ، ولا يكون لعان إلا أن يقول : رأيت بعيني أو ينكر الحمل ، ويدعي الاستبراء قبله ، أو ينكر ولداً فإن أنكر الحمل فولدت لأقل من ستة أشهر فلا لعان بينهما وعليها الحد ، فإذا تلاعنا فرق بينهما ، ولم يلحقه الولد ولا يتزوجها أبداً . فإن اعترف بعد ذلك بالولد لحق به وحُدَّ حَدّ الفرية . وإذا امتنعت من الالتعان أو من الخامسة فحُدَّت بالرجم ورثها زوجها وإن كان لم يدخل بها فحدت بالجلد بقيا على نكاحهما ، وإنما يسقط الميراث ، ويقع الفراق بإكمالها للالتعان . ثم قال تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ } ، جواب لولا محذوف أي : ولولا فضل الله عليكم ورحمته بكم لعاجلكم بالعقوبة على معاصيكم ، لأن الله تواب يتوب على من تاب إليه من الزنا ومن غيره ، حكيم في تدبيره . ثم قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ } أي إن الذين جاءوا بالكذب والبهتان جماعة منكم . { لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ } ، أي لا تحسبوا ما جاءوا به من الكذب عليكم شراً لكم عند الله وعند الناس ، بل هو خير لكم عند الله وعند المؤمنين ، لأن الله يجعل ذلك كفارة لمن كذب عليه ، وتطهيراً له ، ويجعل له منه مخرجاً . ويروى أن الذي عني بالذين جاءوا بالإفك حسان بن ثابت ، ومسطح ابن أثاثة ، وحمنة بنت جحش . قال عبد الله بن عباس : عبدالله بن أبي بن سلول المنافق وهو الذي تولى كبره . والخطاب في هذه الآيات كلها لعائشة رضي الله عنها وأهلها . وقوله تعالى : { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ } ، يعني لكل واحد من الذين جاءوا بالإفك جزاء ما جاء به من الإفك . ثم قال : { وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، يعني والذي يحمل معظم الإثم ، والإفك منهم وهو الذي بدأ بالخوض في ذلك . روي أنه حسان بن ثابت ، وكان قد ذهب بصره في كبره . وقالت عائشة رضي الله عنها : لعل الله يجعل ذلك العذاب العظيم ذهاب بصره في الدنيا ، رحمة ورقة عليه رضي الله عنها . وقيل : هو عبد الله بن أبيّ بن سلول ، قاله ابن عباس وابن زيد ، ومجاهد ، وهو ابتدأ الكلام في ذلك . وحديث الإفك طويل مشهور في أكثر الكتب فتركته لطوله واشتهاره .