Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 55-58)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ } ، إلى قوله : { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . أي وعد الله المؤمنين منكم أيها الناس ، وعملوا الأعمال الصالحات { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ } قيل : أرض المشركين بعد النبي . فأخبر الله نبيه ووعده أنه سيمكن من آمن به من ملك أرض العدو ، وأنه سيستخلفهم في تلك آمنين ، فكان ما وعده به ، وهذا من أدل ما يكون على صحة نبوة محمد عليه السلام لأنه أخبر بما يكون قبل أن يكون ، فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم ، فلا يكون ذلك إِلا عن وحي من الله إليه بذلك ، ولا يجوز أن يكون هذا الإخبار من متخرص يصيب ويخطئ ، ويصيب بعضاً ويخطئ في بعض لأنه قد كان كل ما وعدهم به ، لم يمتنع منه شيء ، والمتخرص يقع خبره كذباً في أكثر أقواله ، وربما وافق بعض ما أخبر به ، وأخطأ في بعض ، ولا يصيب المتخرص في كل ما وعد به ، فلما كان كل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم لم يمتنع منه شيء علمنا أنه بوحى ، والوحي لا يكون إلا للنبي والرسول الصادق في أخباره ، فكان في ذلك دلالة على نبوة محمد عليه السلام . لأن الله تعالى ذكره قد أنجز له وعده . وفيها دلالة على خلافة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، وعلى أمانتهم ، لأنه لم يستخلف بعد رسول الله أحد ممن خوطب بهذه الآية غيرهم . لأن هذه الآية نزلت قبل فتح مكة . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الخلافة بعدي ثلاثون سنة " وهذا موافق للآية ومعنى : { كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } ، عني به بنو إسرائيل إذ أهلك الله الجبابرة بالشام وجعلهم ملوكها وسكانها ، فدل ذلك أن الله هو الذي استخلفهم في الأرض ، وبأمره صاروا خلفاء وأئمة ، وأنهم كانوا يعبدون الله تعالى لا يشركون به شيئاً . ثم قال تعالى : { وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ } ، أي : ليوطنن لهم دينهم وهو الإسلام الذي ارتضاه لهم وأمرهم به ، وإنما جاء { لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ } في جواب { وَعَدَ } لأن الوعد قول فصار بمنزلة : قال لهم : ليستخلفنهم . ثم قال : { يَعْبُدُونَنِي } ، أي : يخضعون لي بالطاعة ، لا يشركون في عبادتهم في الأوثان والأصنام ، و " يعبدون " : حال أي وعدهم في هذه الحال ، ويجوز أن يكون مستأنفاً على الثناء عليهم . ويروى أن بعض أصحاب النبي عليه السلام شكى إليه ما هم فيه من العدو ، وتضييقه عليهم ، وشدة الخوف ، وما يلقون من الأذى / فنزلت هذه الآية بالوعد الجميل لهم . فأنجزه الله لهم ، وملكهم ما وعدهم وأظهرهم على عدوهم . قال أبو العالية : مكث النبي عليه السلام عشر سنين خائفاً ، يدعو إلى الله سراً وجهراً ثم أمر بالهجرة إلى المدينة فمكث بها واصحابه خائفين يصبحون في السلاح ، ويمسون فيه ، فقال رجل : ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ، ونضع هنا السلاح . فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلمة معناها : لا تَغْبُرون إلا يسيراً ، حتى يجلس الرجل منكم في الملإ العظيم محتبياً ليس بيده حديدة ، فأنزل الله هذه الآية . وقوله : { وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ } ، أي : من كفر بالنعمة لا بالله قاله : أبو العالية . ثم قال تعالى : { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلاَةَ } ، أي : بحدودها { وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ } ، يعني التي فرض الله { وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } ، يعني فيما أمر به ونهى عنه { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ، أي : لعل ربكم يرحمكم ، ولعل من الله خبر واجب يفعله بفضله . ثم قال تعالى : { لاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ } ، من قرأه بالياء فالمفعول الأول لحسب محذوف على قول الفراء . والتقدير لا يحسبن الكفار أنفسهم معجزين . وقال علي بن سليمان : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، في موضع نصب . والتقدير لا يحسبن الكافر الذين كفروا معجزين . ويجوز أن يكون المعنى : لا يحسبن محمد الذين كفروا معجزين . فأما من قرأ بالتاء فهو الأمر الظاهر ، والنبي عليه السلام هو المخاطب ، وهو الفاعل ، و { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، في موضع نصب . و { مُعْجِزِينَ } ، مفعول ثان . ومعنى الآية لا تحسبن يا محمد الذين كفروا معجزين في الأرض إذا أراد الله هلاكهم ، وتم الكلام على الأرض . ثم ابتدأ بخبر آخر عن عاقبة أمرهم ، فقال : { وَمَأْوَٰهُمُ ٱلنَّارُ } . قيل : هو معطوف على محذوف تقديره : بل هم تحت القدرة ومأواهم النار بعد هلاكهم . { وَلَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي : بئس الذي يصيرون إليه . ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } . قال ابن عمر : هي محكمة . ودل على ذلك قوله تعالى : { وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } [ النور : 59 ] ، يعني البالغين ، أي يستأذن هؤلاء الأطفال إذا بلغوا على كل حال ، كما استأذن البالغون في كل وقت ، يعني من الرجال خاصة . وقيل : عني به من مَلَكْتَهُ من الرجال والنساء ألا يدخل عليك في هذه الثلاثة الأوقات إلا بإذن … وقوله : { وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ } ، يعني من لم يحتلم من الأحرار . ثم قال : { ثَلاَثَ مَرَّاتٍ } ، أي : في ثلاث مرات ، يعني : بالمرات ثلاث أوقات . ثم بين الثلاث أوقات متى هن فقال : { مِّن قَبْلِ صَـلَٰوةِ ٱلْفَجْرِ } ، إلى قوله : { صَلَٰوةِ ٱلْعِشَآءِ } ، ولو حُمِلَ الكلام على ظاهره لوجب ألا يدخل إلا بعد استئذان ثلاث مرات ، وليس الأمر كذلك إنما هو إذن واحد . قال ابن عباس : إن الله رفيق حليم رحيم بالمؤمنين يحب السترة عليهم ، وكان القوم ليس لهم ستور ولا حجال ، فربما دخل الخادم والولد واليتيم على الرجل ، وهو مع أهله في حال جماع ، فأمر الله تعالى بالاستئذان في هذه الأوقات الثلاث ، ثم جاء الله باليسر وبسط في الرزق فاتخذ الناس الستور والحجال ، فرأى الناس ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به . وعنه أنه قال : الآية محكمة ، والعمل بها لازم ، ولكن الناس لا يعملون بها . وقيل : إنما أمروا بالاستئذان لأنها أوقات يُتجرد فيها من الثياب ، وتنكشف العورات ، ودلت الآية على أن البالغين من ذوي المحارم عليهم الاستئذان في هذه الأوقات ، وفي غيرها ، وهؤلاء المذكورون في الآية إنما يستأذنون في هذه الأوقات خاصة . وقال ابن المسيب : هي منسوخة : لا يُعمل بها اليوم . يعني أن الأبواب قد صنعت ، والستور قد منعت من دخول هؤلاء وغيرهم على الإنسان ، ودل على ذلك ما قال ابن عباس . قال ابن عباس : جاء الله باليسر ، وبسط الرزق فاتخذ الناس الستور والحجال ، فرأى الناس ذلك قد كفاهم من الاستيذان الذي أمروا به . فكأنها على هذا القول ندب . ثم قال : { ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ } ، من نصب ثلاث رده على ثلاث مرات . وقيل : هو ظرف / والتقدير أوقات ثلاث عورات ، والرفع على الابتداء وما بعده الخبر ، والعورات الساعات التي تكون فيها العورة ، والخلوة سميت عورة لكون ظهور العورة فيها ، كما قالوا : ليلك نائم : لكون النوم فيه . وقيل : التقدير : ثلاث أوقات ظهور عورات . ثم قال : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ } ، أي : ليس عليكم معشر أهل البيوت ولا على الذين ملكت أيمانكم من الرجال والنساء ، والذين لم يبلغوا الحلم من أولادكم الصغار إثم في الدخول عليكم بغير استئذان بعد الأوقات . وهذا يدل على أن على الموالي من الاستئذان في الدخول على العبيد في هذه الأوقات ، مثل ما على العبيد . لقوله تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ } ، أي : بعد هذه الأوقات في الدخول حرج . ويدل عليه أيضاً قوله : { طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } ، أي : يطوفون عليهم ، كما يطوفون عليكم في هذه الأوقات ، فعليكم من الاستئذان مثل ما عليهم . لكن خص الله الموالي بالخطاب والذكر ، لأنهم هم الذين عرفت لهم الخدمة من عبيدهم . ثم قال تعالى : { طَوَٰفُونَ عَلَيْكُمْ } ، أي : هؤلاء المماليك والصبيان الصغار : طوافون عليكم : أي يدخلون ويخرجون على مواليهم وأقربائهم في منازلهم غدوة وعشية بغير إذن . وقوله : { بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } ، أي : يطوف بعضكم على بعض في سوى هذه الأوقات الثلاثة . ثم قال : { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأَيَـٰتِ } ، أي : كما بين لكم أوقات الاستئذان كذلك يبين لكم جميع أعلامه ، وأدلته { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } ، أي : ذو علم بمصالح عباده ، حكيم في تدبيره إياهم .