Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 1-8)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ } إلى قوله : { رَجُلاً مَّسْحُوراً } . قال ابن عباس تبارك من البركة . وقال الفراء هي في العربية وتقدس واحد وهما العظمة . وقال الزجاج : تبارك : تفاعل من البركة ومعنى البركة الكثرة من كل خيره . وقيل : تبارك : تعالى عطاؤه ، أي : زاد وكثر . وقيل : معناه : دام وثبت إنعامه . وقيل : معناه : دام بقاء { ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ } ، وثبتت نعمه على عباده ، وهو كله مشتق من برك الشيء : إذا ثبت ومنه برك الجمل . وقال النحاس ، تبارك : تفاعل من البركة . وهو حلول الخير ، ومنه فلان : مبارك أي : الخير يحل بحلوله ، مشتق من البرك ، والبركة وهما المصدر . والفرقان : القرآن ، سمي بذلك لأنه فرق بين الحق والباطل ، والمؤمن والكافر . وقوله { لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } ، أي : الذي أنزل عليه الفرقان ليكون لجميع الجن والإنس . { نَذِيراً } ، أي : منذراً لهم عقاب الله والنذير : المخوف عقاب الله ، والنذير هو محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : هو القرآن . وقوله : { وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [ فاطر : 24 ] يدل على أنه : محمد صلى الله عليه وسلم ومثله { لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ } [ الأنعام : 19 ] وأنذركم بالوحي ونذير بمعنى : منذر ولكن تضمن بناء فعيل للتكثير . ثم قال : { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } ، أي : سلطان ذلك كله وملكه . { وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً } ، هذا رد على من أضاف إليه الولد . ثم قال : { وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ } ، هذا رد وتكذيب لمن عبد مع الله غيره ، ورد على قول العرب في التلبية : ( لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ) . ثم قال : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } ، أي : اخترعه { فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } ، أي : هيأه لما يصلح له ، فلا خلل فيه ولا تفاوت . وقيل : معناه : خلق الحيوان وقدَّر له ما يصلحه ويهيئه . ثم قال : { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً } ، أي : اتخذ مشركو قريش آلهة يعبدونها من دون الله يقرعهم بذلك ، ويعجب أهل النهى من فعلهم وعبادتهم ما لا يخلق شيئا وهو يُخلق ، ولا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً أي : لا يملك الآلهة دفع ضر ، ولا استجلاب نفع . ولا يملك إماتة حي ، ولا إحياء ميت ، ولا ينشره بعد مماته . وتركوا عبادة من يملك الخير والنفع ويحيي ويميت ، خلق كل شيء وهو مالك كل شيء ، ينشر الأموات إذا أراد ، ويرزق الخلق بمشيئته . ثم قال : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ } ، : أي : قال هؤلاء المشركون : ما هذا الذي أتى به محمد إلا كذب وبهتان إخترعه واختلقه { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ } ، يعنون أن اليهود هم يعلمون محمداً صلى الله عليه وسلم . ما يأتي به من القرآن قاله مجاهد . وعن ابن عباس : أنهم عنوا بقولهم { قَوْمٌ آخَرُونَ } ، يسارا أبا فُكيهة مولى الحضرمي وعداساً وجبراً . ثم قال : { فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً } ، أي : أتى هؤلاء القائلون : إن الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم إفك افتران بظلم ، وهو وضع الشيء في غير موضعه ، إذ وصفوا كلام الله بغير صفته . والزور أصله تحسين الباطل ، والمعنى : فقد جاء هؤلاء القائلون : إن القرآن : إفك وزور بكذب مُحَسَّنٍ . ثم قال تعالى : { وَقَالُوۤاْ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } ، أي : قال أيضاً هؤلاء المشركون : الذي جاء به / محمد صلى الله عليه وسلم : وهو أساطير الأولين أي : أخبارهم ، وما سطروا في كتبهم ، { ٱكْتَتَبَهَا } ، محمد { فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ } ، أي تقرأ عليه { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } ، أي : غدوة وعشياً . ويروى أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحرث بن كلدة . قال ابن عباس ، كان النضر من شياطين قريش ، وكان يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك فارس ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس مجلساً فذكر فيه بالله ، وحذر قومه ، ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقم الله ، خلفه في مجلسه إذا قام ، ثم يقول : أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه ، فهلموا فأنا أحدثكم أحسن من حديثه ، ثم يحدثهم عن ملوك فارس ، ويقول : ما محمد أحسن حديثا مني ، فأنزل الله جل ذكره في النضر ثمان آيات كل ما ذكر فيها { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } ، ففيه نزل . وقال ابن جريج { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } ، أشعارهم وكهانتهم . وواحد الأساطير أسطورة مثل : أحدوثة وأحاديث . وقيل واحدها : أسطار كأقوال وأقاويل . وأسطار جمع سطر ، فهو جمع الجمع على هذا القول . ثم قال تعالى : { قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } ، أي : قل يا محمد لهؤلاء المشركين أنزل القرآن الذي يعلم سراً من في السماوات والارض ، ولا يخفى عليه شيء . قال ابن جريج : يعلم ما يسر أهل الأرض وأهل السماء . { إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } ، أي : لم يزل يصفح عن خلقه ويرحمهم . ثم قال : { وَقَالُواْ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ } . أي : ما له يأكل ويمشي ، أنكروا عليه ذلك ، ثم قالوا : { لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } ، أي : هلا نزل معه ملك من السماء فينذرنا معه { أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ } ، أي : يطلع على كنز من كنوز الأرض { أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا } ، . أي يحدث الله له جنة يأكل منها . قال ابن عباس : اجتمع أشراف قريش بظهر الكعبة وعرضوا عليه أشياء يفعلها لهم من تسيير جبالهم ، وإحياء آبائهم ، والمجيء بالله والملائكة قبيلا ، وما ذكر الله في بني إسرائيل . وقالوا له سل ربك يبعث معك ملكا نصدقك بما تقول ، وسله يجعل لك قصورا ، وجنانا وكنوزا من ذهب وفضة ، تغنيك على ما نراك تبتغي ، فإنك تقوم في الأسواق ، وتلتمس المعاش ، كما نلتمسه حتى يعرف فضلك ومنزلتك من ربك ، إن كنت رسولا كما تزعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ، ما أنا بفاعل ذلك ، فحكى الله ذلك من قولهم له . ثم قال تعالى ذكره { وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً } أي : قال ذلك بعضهم لبعض . وقيل ، قالوه للمؤمنين ، أي : تتبعون رجلا له سَحر ، والسَّحْر : الرئة أي : وما تتبعون إلا رجلاً مخلوقاً مثلكم من بني آدم .