Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 9-17)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ } ، إلى قوله : { ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } . أي : انظر يا محمد كيف شبه لك هؤلاء المشركون الأشياء بقولهم : هو مسحور ، فضلوا بذلك عن قصد السبيل { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً } ، أي : لا يجدون طريقاً إلى الحق الذي بعثتك به . قاله ابن عباس . وقال مجاهد : لا يجدون مخرجاً يخرجهم عن الأمثال التي ضربوا لك . ومعناه : إنهم ضربوا هذه الأمثال ليتوصلوا بها إلى تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم فضلوا بذلك عن سبيل الحق وعن بلوغ ما أرادوا . ثم قال { تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ } ، أي : خيراً ممّا قال المشركون لك هلا أوتيته . قاله مجاهد . وقال ابن عباس : خيراً من ذلك ، أي : من مشيك في الأسواق ، والتماسك المعاش . ثم بين ما هو الذي يجعل له فقال : { جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } ، قال خيثمة : " قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن شئت أن يعطوك خيرا من الدنيا ومفاتيحها ، ولم يعط ذلك من قبلك ، ولا يعطه أحد بعدك ، وليس ذلك بناقصك في الآخرة شيئا ، وإن شئت جمعنا لك ذلك في الآخرة . فقال : يجمع لي ذلك في الآخرة " ، فأنزل الله تبارك وتعالى : { تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ / خَيْراً مِّن ذٰلِكَ } الآية . قال : مجاهد : قصوراً بيوتا مبنية مشيدة . وكانت قريش ترى البيت من حجارة قصراً كائناً ما كان . ثم قال تعالى : { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } ، أي : ما فعل هؤلاء المشركون ، ما فعلوا من تكذيب يا محمد إلا لأنهم كذبوا بالبعث ، والنشر والقيامة . ثم قال تعالى ذكره : { وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } ، أي : ناراً تسعر عليهم وتتقد . { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } ، أي : إذا رأت النار أشخاصهم من مكان بعيد . { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } ، أي : غلياناً وفواراً . يقال ، فلان يتغيظ على فلان : إذا غضب عليه فغلى صدره من الغضب عليه . وزفيراً : أي : صوتها حين تزفر ، والتقدير سمعوا صوت التغيظ من التلهب والتوقد . وقيل : معناه : سمعوا لمن فيها من المعذبين تغيظاً وزفيراً . وقال المسيب بن رافع : يكون الناس في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي ، فتخرج عنق من النار . فتقول : إني وكلت بثلاثة بمن دعا مع الله إلهاً آخر وبالعزيز الكريم ، وبكل جبار عنيد . فتنطوي بهم فتدخلهم النار قبل الناس بنصف يوم . ثم ينطلق الفقراء إلى الجنة فتقول لهم خزنة الجنة : أنَّ لكم هذا قبل الحساب ؟ فيقولون والله ما أعطيتمونا أموالاً وما كنا أمراء فتصدقهم الملائكة فتأذن ، فيدخلون الجنة قبل الناس بنصف يوم ويبقى الحساب على الأغنياء والأمراء ، فيقول الرب تبارك وتعالى : ( إياكم أعطيت ، وإياكم ابتليت ) فيحاسبون . وقوله : { إِذَا رَأَتْهُمْ } ، أتى على لفظ التأنيث ، والسعير مذكر ، فإنما ذلك : لأن التأنيث راجع إلى النار ، لأن السعير هي النار وهذا كقول الشاعر : @ إن تميما خلقت ملوما @@ فقال خلقت لأن تميما قبيلة ، ثم رجع إلى لفظ تميم فقال : ( مَلُومَاً ) ثم رجع إلى الجماعة فقال : @ قوما ترى واحدهم صهميما . @@ والصهميم : الجمل القوي الشديد النفس . قال ابن عباس : إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي ، وينقبض بعضها إلى بعض ، فيقول لها الرحمن مالك ؟ قالت : إنه يستجيرك مني فيقول : أرسلوا عبدي . وإن الرجل ليجر إلى النار . فيقول : ما كان ظنك ؟ فيقول : أن تسعني رحمتك . فيقول : أرسلوا عبدي ، وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهيق البغل إلى الشعير ، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا جأث . وقيل : معنى { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } ، إذا رآه خزانها من مكان بعيد { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } ، حرصا على عذابهم وغضبا لله عليهم ، فأخبر عن النار والسعير ، والمراد خزان النار الموكلون بها ، كما قال تعالى { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا } [ الحج : 48 ] ، يريد أهل القرية ، وكما قال { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ } [ محمد : 13 ] ، يريد أهل القرية بدلالة قوله بعد ذلك { أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ } [ محمد : 13 ] فرجع الخبر عن أهل القرية . ثم قال تعالى : { وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ } ، أي : وإذا أُلقِيَ هؤلاء المكذبون بالله من النار مكاناً ضيقاً ، قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال ، وقرنوا مع الشياطين . { دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً } ، أي : هلاكاً ، قاله الضحاك . وقال ابن عباس : ثبورا : ويلا ، وأصل الثبور في اللغة : الانصراف عن الشيء ، يقال : ما تبرك عن هذا الأمر ؟ أي : ما صرفك عنه . والمثبور المصروف عن الخير . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : " والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط " . وقال بعضهم ، إنها لتضيق عليهم كما يضيق الرمح في الزج ، قاله ابن عمر وغيره . وقيل الثبور هنا دعاء بالندم ، على انصرافهم عن طاعة الله في الدنيا ، كقول الرجل واندماه ، وكقوله ، واحسرتاه على ما / فرطت . وفي الحديث أن أنس بن مالك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أول من يكسى حلة من جهنم إبليس فيضعها على جنبه ويسحبها ، يقول : واثبورا ، وتتبعه ذريته تقول ، واثبوراه ، فإذا وقفوا على النار دعوا بالثبور ، فتقول لهم الملائكة خزان جهنم لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبوراً كثيراً " وفي هذا دليل على طول مُقامهم فيها ويأسهم من النجاة . ثم قال تعالى : { قُلْ أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ } ، أي قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بالساعة أذلك خير ، " وذا " إشارة إلى ما تقدم ، من ذكر النار والسعير ، { أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ } ، والخلد : الذي يدوم ولا ينقطع . { ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } أي : وعدها الله من اتقاه فيها أمره ونهاه { كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً } ، أي : جزاء لأعمالهم في الدنيا { وَمَصِيراً } ، أي : يصيرون إليها في معادهم وإنما جاز التفضيل بين الجنة والنار بالخير ، وقد علم أن النار لا خير فيها لأن الجنة والنار قد دخلا في باب المنازل في صنف واحد . حكى سيبويه : عن العرب الشقاء أحب إليك أم السعادة ؟ وقد علم أن الشقاء لا يحبه أحد وإنما جاء ذلك على التنبيه . وقيل : إنما جاء ذلك في الآية لأن " خيراً " ليس هو أفعل ، ولا تأويل فيه لإضمار من ، وإنما هو كما يقال ، عنده خير ، وكما قال : @ فشركما لخيركما الفداء . @@ وقيل : المعنى : { أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ } ، على علمكم وما تعقلون . وقيل : إن قوله : { أَذٰلِكَ خَيْرٌ } ، مردود إلى قوله : { أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ } [ الفرقان : 7 ] ، وما قالوا بعده . وقيل : هو مردود إلى قوله { إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } [ الفرقان : 10 ] ، فذلك إشارة إلى هذا المذكور فقال : { أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ } ، فهذا يدل على أن قوله : { إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } [ الفرقان : 10 ] يعني به في الدنيا التي ينقطع نعيمها ، ثم فاضل بين ذلك وبين ما في الآخرة التي لا ينقضي نعيمها . ثم قال تعالى : { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ } ، أي : في الجنة { خَالِدِينَ } أي : مقيمين فيها أبداً . { كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً } ، أي : كان إعطاء الله المؤمنين : جنة الخلد في الآخرة وعداً وعدهم على طاعتهم إياه ومسألتهم إياه ذلك ، وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم ذلك في الدنيا حين قالوا { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } [ آل عمران : 194 ] فقال الله تعالى : { كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً } ، قاله ابن عباس وابن زيد . وقال محمد بن كعب ، وعدا مسؤولا : أي : بمسألة من الملائكة للمؤمنين ، وهو قول الملائكة { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ } [ غافر : 8 ] . وقيل معناه : وعداً واجباً ، والعرب تقول : لا أعطينك ألفاً وعداً . { مَّسْئُولاً } ، أي : واجباً أي : هو واجب لك فاسأله . ثم قال تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، أي : واذكر يا محمد يوم نحشر هؤلاء المكذبين بالساعة . { وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، من الملائكة والانس والجن . قال مجاهد وابن جريج : يعني ، عيسى ، وعزيرا ، والملائكة ، فيقول : { أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ } ، أي : أزلتموهم عن طريق الهدى ، ودعوتموهم إلى الغي . { أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } ، أي : أخطأوا سبيل الرشاد والحق . وقيل : هي الأصنام والأوثان يحييها الله تعالى يوم القيامة فتجيبه بذلك .