Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 23-50)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ، إلى قوله { إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ } ، هذا يدل على أن موسى دعاه إلى طاعة رب العالمين . قال فرعون : { وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ، فهذا حذف ، واختصار يدل عليه جواب فرعون . وهذا من إعجاز القرآن ، وإِيتان اللفظ القليل بالمعاني الكثيرة . ومثل هذا لا يوجد في كلام الناس : أي : قال فرعون : وأي : شيء رب العالمين . قال موسى { قَالَ رَبُّ / ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : مالكهن { وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُمْ مُّوقِنِينَ } ، فأجابه موسى بصفات الله التي يعجز عنها المخلوقون ، ولم يكن عنده رد على موسى غير أن قال لمن حوله : { أَلاَ تَسْتَمِعُونَ } ، أي : ألا تستمعون جواب موسى ، لأن فرعون سأل موسى عن الأجناس أي : من أي : جنس رب العالمين فلما لم يكن الله جلّ ذكره جنساً من الأجناس المعلومات ترك جوابه ، وأجابه بدلالة أفعال الله ، ومحدثاته من السماوات والأرض ، ولم يخبره أنه جنس إذ لا يجوز ، فعجّب فرعون قومه من جواب موسى له فقال لمن حوله من القبط : ألا تستمعون إلى قول موسى ، فزادهم موسى من البيان ما هو أقرب عليهم من الأول وأقرب إلى أفهامهم ، فقال لهم { قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } ، أي الذي دعوته إليه وإلى عبادته : { رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } ، أي : خالقكم ، وخالق آبائكم الأولين فدل عليه بأفعاله ، وترك ظاهر جواب فرعون ، لأنه سأل عن الجنس ، والأجناس كلها محدثة ، فلم يجبه موسى عن ذلك إذ سؤاله ممتنع ، وأجابه بأفعاله الدالة على قدرته ، وتوحيده ، فأتى بدليل يقرب من أفهامهم فلم يحتجّ فرعون عليه فيما قال بأكثر من أن نسبه إلى الجنون ، لأنه قد قرر عند قومه أنه لا رب لهم غيره . فقال : { إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِيۤ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } ، أي : لمغلوب على عقله ، لأنه يقول قولاً لا نعرفه ولا نفهمه ؛ يُلبس بذلك على قومه . يريد فرعون أن موسى مجنون إذ أجابني بغير ما سألته عنه ، فلم يجبهم موسى إلا بما يجوز أن يوصف به رب العالمين . فقال موسى عند ذلك محتجّاً على فرعون وزائداً له في البيان { رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } ، أي : مشرق الشمس ، ومغربها وما بينهما من شيء . { إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } ، ما يقال لكم فأخبرهم أن ملك الله جلّ ذكره ليس كملك فرعون الذي لا يملك إلا بلداً واحداً ، فلما علم فرعون صحة ما يقول موسى وتبين له ولقومه ذلك توعد موسى استكباراً وتجبراً فقال { لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ } ، أي : لئن أقررت بمعبود غيري لأسجننك مع من في السجن من أهله ، فرفق به موسى ، وقال له { أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } ، أي : بآية ظاهرة تدلك على صدق ما نقول ، وما ندعوك إليه إن قبلت ، قال له فرعون : فأت بها إن كنت صادقاً ، فإني لا أسجنك بعد ذلك { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } ، أي : تحولت ثعباناً ذكراً ، وهي الحية . { وَنَزَعَ يَدَهُ } ، أي : أخرج يده من جيبه فإذا هي بيضاء تلمع للناظرين من غير برص . قيل : كان بياضهما يغلب على ضوء الشمس . وقيل : نزعها من قميصه . وقال المنهال : ارتفعت الحية في السماء قدر ميل ، ثم سفلت حتى صار رأس فرعون بين نابيها فجعلت تقول : يا موسى : مرني بما شئت ، فجعل فرعون يقول : يا موسى أسألك بالذي أرسلك قال : فأخذه بطنه ، ثم قال فرعون للملا حوله أي للأشراف من قومه { إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } ، قال ذلك بعدما أراه الآيتين ، وأزال عنه ما خاف منه من الثعبان أن يبتلعه فلم يمكنه إنكار ما رأى فقال لقومه ، ما قال عند ذلك : { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ } ، أي : يريد أن يخرج بني إسرائيل من أرضكم إلى الشام بقهره إياكم بالسحر ، فالخطاب منه لأشراف قومه من القبط والمراد بنو إسرائيل لأن القبط كانوا قد استعبدوا بني إسرائيل . فالمعنى : يريد أن يخرج خدمكم من أرض مصر إلى الشام ، ويبين هذا قوله في طه : { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ } [ طه : 47 ] وقوله : { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ الشعراء : 17 ] ، ثم قال فرعون لأشراف قومه من القبط : { فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } يشاورهم في أمر موسى فهذان كلامان اتصلا باللفظ ، وهما من آيتين ومثله : اتصال كلام يوسف بكلام امرأة العزيز في قولها { وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [ يوسف : 51 ] انقضى كلام امرأة العزيز فقال / يوسف { ذٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ } [ يوسف : 52 ] ومثله اتصال كلام بلقيس بكلام الله جلّ ذكره في قولها : { وَجَعَلُوۤاْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً } [ النمل : 34 ] تم كلامها فقال الله جل ذكره : { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } [ النمل : 34 ] وقد قيل : إنه من كلام سليمان عليه السلام ، ولهذا نظائر كثيرة { قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ } ، أي : أخرهما { وَٱبْعَثْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } ، يجمعون إليك ، كل ساحر علم بالسحر . ثم قال تعالى : { فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } ، أي : فجمع الحاشرون السحرة لوقت معلوم ، تواعد فرعون وموسى بالاجتماع فيه وذلك يوم الزينة . { وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } [ طه : 59 ] ، { وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُمْ مُّجْتَمِعُونَ } ، لتنظروا لمن الغلبة ألموسى أم للسحرة ؟ وقيل : المعنى : وقال بعض الناس لبعض : هل أنتم مجتمعون لننظر لمن الغلبة لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين موسى . وروى : أن الاجتماع كان بالاسكندرية قاله ابن زيد . فبلغ ذنب الحية يومئذ من وراء البحيرة وهربوا وأسلموا فرعون فهمّت به فقال : خذها يا موسى ، وكان مما يلي الناس به منه أنه لا يضع على الأرض شيئاً فأحدث يومئذٍ تحته ، وكان إرساله الحية في القبة الخضراء . فكل ذلك قاله ابن زيد . وقال ابن لهيعة : كان فرعون لحيته خضراء ، وكانت تضرب ساقه إذا رهب ، وكانت له جمة خضراء مثل ذلك من خلفه ، وكان إذا ركب غطى شعره ، من خلفه الظهر ، ومن بين يديه لحيته . ثم قال : { فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُواْ لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنَا لأَجْراً } ، أي : لما جاء السحرة فرعون لموسى قالوا لفرعون أئن لنا لأجراً قبلك على سحرنا إن كنا نحن الغالبين موسى . قال لهم فرعون : نعم لكم الأجر قبلي إن غلبتهم وإنكم إذا غلبتهم لمن المقربين مني ، فقالوا عند ذلك لموسى { إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } [ الأعراف : 15 ] ، وحذف هذا لدلالة الكلام عليه وقد نصه تعالى في غير هذا الموضع ولم يحذفه للإفهام وحذفه هنا للاختصار والإيجاز ، ودلالة الكلام عليه . فقال لهم موسى { أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ } ، يعني من حبالهم وعصيهم ، فألقوا ذلك . { وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ } ، أي : أقسموا بعزة فرعون وسلطانه { إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ } ، موسى { فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ } ، حين ألقت السحرة حبالها وعصيها { فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } ، أي : تزدري ما يأتون به من القرية والسحر الذي لا حقيقة له . روي : أن حبالهم وعصيهم كانت حمل ثلاث مائة بعير ، فابتلعت العصا جميع ذلك ، ثم دنا موسى فقبض عليها بيده فصارت عصا ، كما كانت أولاً وليس لتلك الحبال والعصي أثر ، فألقي السحرة عند ذلك ساجدين مذعنين أي تبين لهم كذب ما أتوا به وصدق ما جاء به موسى وإنه لا يقدر على ذلك ساحر ، وقالوا في سجودهم { آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، الذي دعا موسى إلى عبادته . { رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } ، والتقدير : فألقي الذين كانوا السحرة ساجدين لأنهم لم يسجدوا حتى آمنوا ، وزال عنهم ذنب السحر فلا يسموا سحرة إلا على ما كانوا عليه . وذكر ابن وهب عن القاسم بن أبي بزة أنه قال : جمع فرعون سبعين ألف ساحر ، فألقوا سبعين ألف حبل ، وسبعين ألف عصا ، حتى جعل موسى { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ } [ طه : 66 ] فأوحى الله إليه { أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } [ الأعراف : 117 ] فألقى عصاه فإذا هي ثعبانٌ مبين فاغرٌ فاه يبلع حبالهم وعصيهم ، فألقى السحرة عند ذلك ساجدين ، فما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلها ، فعند ذلك قالوا : لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات ، قال : وكانت امرأة فرعون تسأل : من غلب ؟ فيقال غلب موسى وهارون . فتقول : آمنت برب موسى وهارون . فأرسل إليها فرعون فقال : انظروا أعظم صخرة تجدونها ، فإن مضت على قولها فألقوها عليها ، وإن هي رجعت عن قولها فهي امرأته فلما أتوها / رفعت بصرها إلى السماء ، فأبصرت بيتها في الجنة ، فمضت على قولها وانتزع روحها فألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح . قوله : قال فرعون { آمَنتُمْ لَهُ } ، أي : قال فرعون للسحرة آمنتم له أي : بأنّ ما جاء به حق { قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ } ، في ذلك أي : قبل أن آمركم به . قال ابن زيد : خطاياهم : السحر ، والكفر اللذان كانوا عليهما . قال ابن زيد : كانوا يومئذ أول من آمن بموسى ، وكان قد آمن بموسى ست مائة ألف وسبعون ألفاً من بني إسرائيل ، فأول من آمن من عند ظهور الآية السحرة .