Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 7-22)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا } إلى قوله : { أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } . المعنى : أَوَلَمْ ير هؤلاء المكذبون بالبعث إلى الأرض كم أنبتنا فيها بعد أن كانت ميتة لا نبات فيها { مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } ، أي : من كل جنس حسن ، فكما أحيينا الأرض بهذا النبات ، كذلك نحييهم بعد الموت للبعث / يوم القيامة ، لأن أصلهم من الأرض فهم كالأرض . قال الشعبي : الناس من بنات الأرض فمن صار منهم إلى الجنة فهو كريم ، ومن صار إلى النار فهو لئيم . قال الفراء : الزوج اللون . ثم قال { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } أي : إن في إنباته النبات في الأرض لدلالة لهؤلاء المنكرين للبعث على كون البعث ، وأن القدرة التي أنبت الله بها في الأرض ذلك النبات ، ليقدر بها على نشر الموتى بعد مماتهم . ثم قال { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } ، أي : قد سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون فأخبر عنهم ما سبق في علمه منهم . ثم قال تعالى : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } أي : لا يمتنع عليه شيء يريده { ٱلرَّحِيمُ } ، أي : ذو الرحمة لمن تاب من كفره . قال ابن جريج : كل شيء في الشعراء من قوله " عزيز رحيم " فمعناه عزيز حين انتقم من أعدائه ، رحيم بالمؤمنين حين أنجاهم ممن أهلك . ثم قال تعالى : { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } ، أي : واذكر يا محمد ، إذ نادى ربك " موسى " بأن إئت القوم الظالمين ، ثم بيَّنهم فقال : { قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ } ، أي : فقل لهم : ألا يتقون ، وجاء باليا ، لأنهم غيب عن المخاطبة . ودل قوله : { أَلا يَتَّقُونَ } ، على أنهم كانوا لا يتقون ، ودل أيضاً على أنه أمر موسى أن يأمرهم بالتقوى ، فهذا من باب الإيماء إلى الشيء بغيره ، لأنه أمره بأن يأتي القوم الظالمين ولم يبين لأي شيء يأتيهم ، فدل قوله { أَلا يَتَّقُونَ } ، لأي شيء يأتيهم وهو الأمر بالتقوى والتقوى اسم جامع للخير كله من الإيمان والعمل . فكأنه قال : أن إئت القوم الظالمين ومرهم بالتقوى فهذا مفهوم الخطاب . ثم قال تعالى : حكاية عن قول موسى : { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } ، أي : أخاف من قوم فرعون أن يكذبون بقولي : إنك أرسلتني إليهم ، ويضيق صدري من تكذيبهم إياي ، ولا ينطلق لساني بالعبارة عما ترسلني إليهم به للعلة التي في لساني . ثم قال : { فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَارُونَ } ، يعني أخاه ، أي : ليؤازرني ويعينني ، فالمعنى اجعله رسولاً لك معي . ثم قال : { وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ } ، أي : ولقوم فرعون علي ذنب أذنبته إليهم ، وهو قتله القبطي بالوكزة { فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ } ، يعني قود بالنفس التي قتلت منهم . { قَوْمَ فِرْعَوْنَ } ، وقف ، و { أَلا يَتَّقُونَ } ، التمام و { أَن يُكَذِّبُونِ } ، وقف إن رفعت { وَيَضِيقُ } على الاستئناف ، فإن رفعت عطفت على { أَخَافُ } ، أو نصبت عطفت على { يُكَذِّبُونِ } ، كان التمام { يَقْتُلُونِ } . ثم قال : { قَالَ كَلاَّ فَٱذْهَبَا بِآيَاتِنَآ } ، أي : لن يقتلوك انزجر عن الخوف من ذلك فإنهم لا يصلون إليك . فاذهب أنت وأخوك بآياتنا ، أي : بإعلامنا ، وحججنا { إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُونَ } ، ووجه قوله : { مُّسْتَمِعُونَ } أنه بمعنى سامعون لأن الاستماع إنما يكون بالإصغاء ، وذلك لا يجوز على الله جلّ ذكره ، وأخبر عن نفسه بلفظ الجماعة وذلك جائز . وقال : { مَعَكُمْ } وهما اثنان لأن الاثنين جمع ، كما قال : { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } [ النساء : 11 ] يريد أخوين ويحتمل أن يكون ثم قال : { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، وحد رسولاً وهما اثنان لأنه أراد به المصدر بمعنى الرسالة . يقول : أرسلت رسالة ورسولاً . وتقديره : إنا ذوا رسالة . وقيل : رسول اسم للجمع كالعدو والصديق ، فلذلك أتى موحداً . ثم قال : { أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } أي : بأن أرسل معنا بني إسرائيل أي : بأن تطلقهم وتخلي سبيلهم . ثم قال : { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً } أي : قال فرعون لموسى حين قال له : أرسل معنا بني إسرائيل - ألم نربك ميتاً صغيراً ، وفي الكلام حذف والتقدير : فلما ذهبا إليه قالا ذلك . وقوله : / { وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } ، يمن فرعون على موسى بتربيته عنده إلى أن قتل القبطي . وروى الخفاف عن أبي عمرو " عُمْرك " بإسكان الميم ، وحكى سيبويه فتح العين وإسكان الميم في القسم في " لعمرك " فلا يستعمل في القسم عنده إلا مفتوحاً لخفته ، وكثرة استعمالهم له في القَسَم . ثم قال تعالى : { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ } ، يعني قتله القبطي ، يوبخ فرعون موسى بذلك . وقرأ الشعبي { فَعْلَتَكَ } بكسر الفاء يريد به الحال والهيئة كما تقول : هو حسن المشبه والركبة والجلسة . وقوله : { وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } . قال السدي : معناه : وأنت من الكافرين على ديننا هذا التي تعيب ؛ أي : أنت ساتر على ديننا . قال ابن زيد : معناه : كفرت نعمتنا عليك ، وتربيتنا لك فجازيتنا أن قتلت نفساً منا وكفرت نعمتنا . وكذلك قال ابن عباس : يريد كفر النعمة . وقيل المعنى : وقتلت نفساً منا وأنت الآن من الكافرين لنعمتي ، وتربيتي إياك . فقال موسى لفرعون : { فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } ، أي : قتلت النفس وأنا من الجاهلين ، لأن ذلك قبل أن يأتيه الوحي من الله بتحريم قتله . يقال : جهل فلان الطريق وضل الطريق بمعنى ، وفي حرف ابن مسعود من الجاهلين . وقال ابن زيد : معناه : وأنا من الخاطئين لقتله لم أتعمده ، قال أبو عبيدة : من الضالين : من الناسين . وقال الزجاج : وأنت من الكافرين لنعمتي ويجوز من الكافرين لقتلك الذي قتلت فنفى موسى الكفر ، واعترف بأنه فعل ذلك جهلاً . وقيل : معنى : الضالين : أي : قتلت القبطي وأنا ضال في العلم بأن وكزتي له تقتله ، لم أتعمد قتله ولا قصدت لذلك . ثم قال تعالى { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ } ، أي : هربت منكم خوفاً أن تقتلوني بقتلي القبطي منكم { فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً } ، قال السدي : نبوة . وقال الزجاج : الحكم : تعليمه التوراة التي فيها حكم الله . { وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } ، أي إلى خلقه . ثم قال موسى لفرعون { وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } أي وتربيتك إياي ، وتركك استعبادي كما استعبدت بني إسرائيل نعمة منك تمنها عليّ ، وفي الكلام حذف ، والتقدير : وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل وتركتني لم تستعبدني . وقال الأخفش قيل المعنى : وتلك نعمة على الاستفهام الذي معناه التوبيخ والتقريع . وقال الفراء : في الكلام حذف والتقدير : هي لعمري نعمة إذ مننت علي فلم تستعبدني ، واستعبدت بني إسرائيل . وقال الضحاك : المعنى إنك تمن علي بما لا يجب أن تمن به . وقيل : المعنى وتلك نعمة تمنها علي بأن عبدتني وأنا من بني إسرائيل ، لأنه روي أنه كان رباه على أن يستعبده . وقيل المعنى : وأنت من الكافرين لنعمتي ، وتربيتي لك فأجابه موسى فقال : نعم هي نعمة أن عبّدت بني إسرائيل ولم تستعبدني . وأن في موضع رفع على البدل من نعمة . وقيل : هي في موضع نصب على معنى : بأن عبدت ، يقال عبدت الرجل وأعبدته : إذا اتخذته عبداً . وقيل : وتلك نعمة تمنها عليّ أن استعبدت بني إسرائيل فكلفتهم تربيتي . لأن فرعون لم يربه إنما أمر من يربيه من بني إسرائيل أمه وغيرها . فلما منّ عليه فرعون بتربيته له . قال له موسى أثر بيتك إيأي : باستعبادك بني إسرائيل وتكليفك لهم تربيتي نعمة لك علي لا نعمة لك في ذلك علي ؛ لأن بني إسرائيل هم الذين تولوا تربيتي باستعبادك إياهم على ذلك .