Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 59-74)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعال يذكره : { وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } إلى قوله : { كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } / ، أي : هكذا أخرجناهم من ذلك ، كما وصفت لكم في هذه الآية / . { وَأَوْرَثْنَاهَا } ، أي : أورثنا تلك الجنات ، والعيون والكنوز ، والمقام الكريم : بني إسرائيل . ثم قال تعالى : { فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ } ، أي : اتبع فرعون وأصحابه موسى ومن معه وقت الشروق . وقال أبو عبيدة : نحو المشرق ، يقال : أشرقنا : دخلنا في الشروق ، كما يقال : أصبحنا دخلنا في الصباح . ويقال : شرقنا ، إذا أخذوا نحو المشرق ، وغربنا إذا أخذوا نحو المغرب . فعلى هذا لا يصح قول أبي عبيدة إلا لو كان مُشْرِقين . قال مجاهد : خرج موسى ليلاً فكسف بالقمر ، وأظلمت الأرض وقال أصحابه : إن يوسف أخبرنا أنا سنُنَجَّى من فرعون ، وأخذ علينا العهد لنخرجن بعظامه معنا : فخرج موسى من ليلته سأل عن قبره ، فوجد عجوزاً بيتها على قبره ، فأخرجته له بحكمها ، وكان حكمها أن قالت : احملني فاجر بي معك ، فجعل عظام يوسف في كسائه ، وجعله على رقبته ، وخيل فرعون في ملء أعنتها خضراء في أعينهم ، وهي لا تبرح ، حبست عن موسى ، وأصحابه حين تراءوا . الوقف عند نافع " كذلك " وعند أبي حاتم { وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } [ الشعراء : 58 ] . ثم قال تعالى { فَلَمَّا تَرَاءَى ٱلْجَمْعَانِ } ، أي : رأى بعضهم بعضاً : قال أصحاب موسى { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } ، أي : الملحقون . وقرأ الأعرج وعبيد بن عمير { لَمُدْرَكُونَ } بالتشديد وهو مفتعلون ، ومعنى التخفيف لملحقون ، ومعنى التشديد : لمجتهد في لحاقنا ، كما يقال : كسبت بمعنى أصبت وظفرت . وأكسبت بمعنى اجتهدت وطلبت . وروي : أنهم قالوا ذلك تشاءموا بموسى وقالوا : أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعدما جئتنا . قال : السدي : لما نظرت بنو إسرائيل إلى فرعون ، وقد ردفهم قالوا : إنا لمدركون ، قالوا : يا موسى أوذينا من قبل أن تأتينا ، فكانوا يذبحون أبناءنا ، ويستحيون نساءنا ، ومن بعد ما جئتنا اليوم يدركنا فرعون فيقتلنا إنا لمدركون ، البحر من بين أيدينا ، وفرعون من خلفنا . وعن ابن عباس أنه قال : لما انتهى موسى البحر ، هاجت الريح العواصف والقواصف ، فنظر أصحاب موسى خلفهم إلى الرهج وإلى البحر أمامهم فقالوا يا موسى : إنا لمدركون . { قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } ، أي : ليس الأمر كما ذكرتم لا يدركونكم ، إن معي ربي سيهدين طريقاً أنجو فيه من فرعون وقومه . قال عبد الله بن شداد بن الهاد : لقد بلغني أنه خرج فرعون في طلب موسى على سبعين ألفاً من دهم الخيل سوى ما في جنده من شية الخيل ، وخرج موسى حتى إذا قابله البحر ولم يكن عنه منصرف ، طلع فرعون في جنده من خلفهم ثم قال تعالى { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ } روي : أن الله جلّ ذكره : أمر البحر أن لا ينغلق حتى يضربه موسى بعصاه . قال السدي تقدم هارون فضرب البحر ، فأبى البحر أن ينفتح : وقال : من هذا الحبل الذي يضربني حتى أتاه موسى فكناه أبا خالد وضربه فانفلق . قال ابن جريج انفلق على اثني عشر طريقاً ، في كل طريق سبط وكان بنو إسرائيل اثني عشر سبطاً فكانت الطريق كجدران ، فقال كل سبط : قد قتل أصحابنا ، فلما رأى ذلك موسى ، دعا الله فجعلها لهم بقناطر كهيئة الطيقان ينظر بعضهم إلى بعض ، على أرض يابسة ، كأن الماء لم يصبها قط حتى عبروا . وقوله تعالى : { كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } ، أي : كالجبل العظيم . ثم قال تعالى : { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلآخَرِينَ } ، أي : قربنا " ثم " أي : هنالك الآخرين يعني قوم فرعون من البحر ، وقدمناهم إليه . قال ابن عباس : أزلفنا قدمناهم / إلى البحر . وقال ابن جرير : قربنا ، وكذلك قال قتادة . وقال أبو عبيدة : أزلفنا : جمعنا ، ومنه ليلة المزدلفة . أي : ليلة جمع . وقيل : أزلفنا أهلكنا . وقرأ أبيُّ بن كعب : " أزلقنا " بالقاف . قال السدي ، دنا فرعون ، وأصحابه بعدما قطع موسى ببني إسرائيل البحر من البحر ، فلما نظر فرعون إلى البحر منفلقاً قال : ألا ترون : أن البحر فرق مني ، قد تفتح لي حتى أدرك أعدائي فأقتلهم ، فلما قام فرعون على أفواه الطرق أتت خيله أن تقتحم ، فنزل جبريل عليه السلام على ما ذيانة فشمت الحُصُن ريح الماذيانة ، فاقتحمت في إثرها حتى إذا همّ أولهم أن يخرج ودخل آخرهم ، أمر البحر أن يأخذهم فالتطم عليهم . ثم قال تعالى ذكره { وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ } ، يعني بني إسرائيل { ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ } ، يعني فرعون وقومه { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } ، أي : إن في فعلنا بهم لعلامة ، وحجة ، ووعظاً لقومك يا محمد أن ينالهم مثل ذلك على تكذيبهم لك . { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } ، أن أكثر قومك يا محمد لم يكونوا مؤمنين ، في سابق علم الله . { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ } ، أي : عزيز في انتقامه ممن كفر به ، رحيم بمن أنجاه من الغرق { لآيَةً } ، قطع كاف ، و { مُّؤْمِنِينَ } تمام ، و { ٱلرَّحِيمُ } تمام . ثم قال تعالى : { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ } ، أي : واقصص يا محمد على مشركي قومك خبر إبراهيم ، حين قال لأبيه وقومه ، أي : شيء تعبدون { قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } ، أي : نثبت خدماً مقيمين على عبادتها . قال ابن جريج : هو الصلاة لأصنامهم . قال إبراهيم : { هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ } ، أي : هل يسمعون دعاءكم إذ تدعونهم . قال الأخفش التقدير هل يسمعون منكم أو هل يسمعون دعاءكم ثم حذف ، وقرأ قتادة : هل يُسمِعونكم بضم الياء ، أي : هل يُسمعونكم كلامهم . وقيل : المعنى : هل يسمعونكم إذا دعوتموهم لصلاح أموركم ، وهل يستجيبون لكم ، ويعطونكم ما سألتموهم ، وهل ينفعونكم إذ عبدتموهم وهل يضرون من لا يعبدهم ، كل ذلك توبيخاً لهم وتقريعاً . وقوله : { أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ } ، أي : هل تنفعكم هذه الأصنام فترزقكم شيئاً على عبادتكم لها ، أو يضرونكم إذا تركتم عبادتها . فقالوا : { بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } ، أي : نحن نفعل ذلك ، كما فعله آباؤنا وإن كانت لا تسمع ولا تنفع ، ولا تضر ، إنما نتبع في عبادتها فعل آبائنا لا غير . وهذا الجواب : حائد على السؤال لأنه سألهم : هل يسمعون الدعاء ، أو ينفعون أو يضرون ، فحادوا عن الجواب وقالوا : { وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } ، وليس هذا جوابه ، ولكن لما لم يكن لهم جواب ، حادوا لأنهم لو قالوا : يسمعون ، وينفعون ، ويضرون لبان كذبهم عند أنفسهم وعند جماعهم ، ولو قالوا : لا يسمعون ، ولا ينفعون ، ولا يضرون ، لشهدوا على أنفسهم بالخطأ والضلال في عبادتهم من لا يسمع ، ولا ينفع ولا يضر ، فلم يكن لهم بد من الحيدة عن الجواب ، فجاوبوا بما لم يسألوا عنه وقالوا : { وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } ، ولم يُسألوا عن ذلك ، وهذا من علامات انقطاع حجة المسؤول ، ويبين أنهم حادوا عن الجواب ، إدخال بل مع الجواب ، وبل للإضراب عن الأولى والإيجاب للثاني فهم أضربوا عن سؤاله ، وأخذوا في شيء آخر لم يسألهم عنه انقطاعاً منهم عن جوابه ، وإقراراً بالعجز .