Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 75-99)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : قال { أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ } إلى قوله : { وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } / . أي : ما تعبدون من الأصنام انتم وآباؤكم المتقدمون قبلكم . { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ } ، أي : يوم القيامة كما قال { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [ مريم : 82 ] وأخبرنا الله تعالى عن الأصنام ، كما يخبر عن من يعقل . جاز أن يقول هنا : " عدو لي " . وعدو يقع للجمع والمؤنث بلفظ واحد وقد قالوا : عدوة الله بمعنى معادية . وقيل : هذا من المقلوب ، لأن الأصنام لا تعادي أحداً ، ولا تعقل ، والمعنى فإني عدو لهم أي : عدو لمن عبدهم . وأصل العداوة ، من عدوت الشيء ، إذا تجاوزته وتخلفته . ثم قال تعالى ذكره : { إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } ، هو استثناء ليس من الأول أي : لكن رب العالمين ، ويجوز أن يكون من الأول ، على أن يكونوا قد كانوا يعبدون الله والأصنام ، وتقدير الآية : أفرأيتم كل معبود لكم ، ولآبائكم فإني منه بريء لا أعبد إلا رب العالمين . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } ، أي : يهدين للصواب من القول والعمل . { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } ، أي : وهو الذي يغذيني بالطعام والشراب ، { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } ، أي : يبرءني ويعافين { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي } ، إذا شاء { ثُمَّ يُحْيِينِ } ، إذا أراد بعد مماتي . { وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ } ، أي : يوم الجزاء على الأعمال ، والطمع ها هنا بمعنى اليقين ، كما جاء الظن بمعنى اليقين . وقيل : الطمع على بابه . لكن أراد أنه يطمع أن يغفر الله للمؤمنين ذنوبهم يوم القيامة بإيمانهم ، وهو على يقين من مغفرة الله له ، لكن إجراء الخبر عن نفسه ، والمراد غيره من المؤمنين . قال مجاهد : الخطيئة قوله { إِنِّي سَقِيمٌ } [ الصافات : 89 ] وقوله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا } [ الأنبياء : 63 ] وقوله في سارة إنها أختي ، حين أراد فرعون من الفراعنة أن يأخذها . وقرأ الحسن : خطاياي : بالجمع ، وقال : ليست : خطيئة واحدة ، والخطيئة تقع معنى الخطايا كما يقع الذنب بمعنى الذنوب . قال تعالى ذكره : { فَٱعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ } [ الملك : 11 ] أي : بذنوبهم ، وكما قال : { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ } [ البقرة : 43 ] أي : الصلوات . ثم قال { رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً } ، أي : نبوة { وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } ، أي : أرسلني إلى خلقك حتى أكون ممن ائتمنته على وحيك ، { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } ، أي : ذِكراً جميلاً ، وثناء حسناً باقياً فيمن يجيء من القرون بعدي . قاله ابن زيد . وقيل : ذلك اللسان الصدق : إيمان جميع الأمم به . فأعطاه ذلك ؛ فليس يهودي ولا نصراني ولا غيرهما من أهل الكتاب إلا يؤمن به ويحبه ويثني عليه ، ويقول : هو خليل الله ، وقد قطع الله تعالى ولاية جميع أهل الكتاب منه لما تولوه وادعوه ، فقال : { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً } [ آل عمران : 67 ] ثم ألحق ولايته بهذه الأمة فقال : { إِنَّ أَوْلَى ٱلنَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ وَهَـٰذَا ٱلنَّبِيُّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ آل عمران : 68 ] وهذا كله أجره الذي عجل له وهي الحسنة . إذ يقول { وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } وهو اللسان الصدق الذي سأل ربه ، هذا كله قول عكرمة . أو معنى قوله . وقيل : معنى سؤاله ، هو أن يجعل الله من ذريته في آخر الزمان من يقوم بالحق ، ويدعو إليه ، وهذا الدعاء هو لمحمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه الذي قام بذلك في آخر الزمان وهو من ولد إبراهيم ، فأجاب الله دعاءه ، وبعث محمداً من ولده ، فأقام الحق وبين الدين ، فهو اللسان الصادق الذي أتى في الآخرين . ثم قال : { وَٱجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ } ، أي : أورثني من منازل من هلك من أعدائك من الجنة . { وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ } من شركه بك فلا تعاقبه عليه . { إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ } ، أي : ممن ضل عن سبيل الهدى ، وكفر بك . ثم قال تعالى : { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } ، أي : لا تذلني بعقابك إيأي : يوم تبعث عبادك من قبورهم لموقف القيامة . روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يلقى إبراهيم أباه فيقول : يا رب / وعدتني ألا تخزني يوم يبعثون . فيقول الله جلّ ذكره : إني حرمت الجنة على الكافرين " . وروى أبو هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن إبراهيم رأى أباه يوم القيامة عليه الغبرة والقترة " . { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ } ، أي : لا ينفع من كفر بك وعصاك في الدنيا ، ما كان له من مال وبنين . { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } ، أي : لا ينفع إلا القلب السليم من الشك في توحيد الله ، والبعث بعد الممات . قاله مجاهد . وقال قتادة : هو السليم من الشرك . قال ابن زيد : سلم من الشرك ، فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد . وقال الضحاك : السليم ، الخالص . وقال سفيان : بلغني في قول الله تعالى { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } ، إنه الذي يلقى ربه وليس في قلبه أحداً غيره . ثم قال تعالى : { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } ، أي : أدنيت وقربت ، أي : قرب دخولهم إياها . { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } ، أي : أظهرت النار للذين غووا . يروى : أن جهنم يؤتى بها يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام ، تتلظى على أعداء الله . { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، أي : قيل للغاوين : أين الذين كنتم تعبدونهم من دون الله ، هل ينصرونكم من عذاب الله ، أو ينتصرون لأنفسهم فينحونها مما يراد بها . ثم قال تعالى ذكره : { فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُونَ } ، أي : رمي بهم في الجحيم ، بعضهم على بعض مكبين على وجوههم . وأصل كبكبوا : كببوا ، فأبدل من الباء الثاني كاف ، استثقالاً لثلاث باءات . وعن ابن عباس : كبكبوا : جمعوا فيها . قال ابن زيد : كبكبوا : طرحوا ، والمعنى : فكبب هؤلاء الأنداد التي كانت تعبد من دون الله في الجحيم والغاوين . قال قتادة : الغاوون هنا : الشياطين ، فيكون معنى الآية : فكبب فيها الكفار والشياطين . وقال السدي : فكبكبوا : يعني مشركي قريش ، والغاوون الآلهة وجنود إبليس . وحقيقة معنى كبكبوا : تكرير الانكباب ، كأنه إذا ألقي ينكب مرة ، بعد مرة حتى يستقر فيها نعوذ بالله منها . ثم قال تعالى : { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } ، أي : وكذلك جاث فيها مع الأنداد جنود إبليس ، وجنوده كل من كان من تباعه ، ومن ذريته كان أم من غير ذريته . وقيل : جنود إبليس هنا : كل من دعاه إلى عبادة الأصنام ، فساعد إبليس على ما يريد فهم جنوده . ثم قال تعالى : { قَالُواْ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } ، أي : في جهنم : يعني قول الغاوين للأنداد ، وجنود إبليس ، وتخاصمهم في جهنم ، { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ، أي : إنا كنا لفي ضلال مبين ، أي : في حيرة ظاهرة . وقال الزجاج : المعنى تالله ما كنا إلا في ضلال عن الحق ظاهر . { إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } في العبادة والتعظيم . { وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } ، يعني إبليس وابن آدم القاتل أخاه .