Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 12-18)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } ، إلى قوله { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } . قال مجاهد : كانت على موسى يومئذ مدرعة فأمره الله أن يدخل كفه في جيبه ، ولم يكن لها كُمٌّ . وقيل : أمره أن يدخل يده في قميصه ، فيجعلها على صدره ثم يخرجها بيضاء تشبه شعاع الشمس أو نور القمر . قال ابن مسعود : إن موسى أتى فرعون حين أتاه في زرمانقة يعني جبة صوف . وقوله : { تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوۤءٍ } ، أي تخرج اليد بيضاء مخالفة للون موسى من غير برص . وقيل : من غير مرض . وفي الكلام اختصار وحذف . والتقدير : واجعل يدك في جيبك ، وأخرجها تخرج بيضاء . ثم قال : { فِي تِسْعِ آيَاتٍ } ، أي من تسع آيات ، و " في " بمعنى " من " . وقيل : بمعنى " مع " . وقيل : المعنى : هذه الآية داخلة في تسع آيات . والمعنى في تسع آيات مرسل أنت بهن إلى فرعون ، والتسع الآيات : العصا ، واليد ، والجدب ، ونقص الثمرات ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم . وقد تقدم تفسيرها بالاختلاف بأشبع من هذا . وقوله : { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } ، يعني فرعون وقومه من القبط . ثم قال : { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } ، أي لما جاءت فرعون وقومه أدلتنا وحججنا ، وهي التسع الآيات مبصرة أي مبينة : أي يبصر بها من نظر إليها ورأى حقيقة ما دلت عليه . قال ابن جريج : مبصرة ، مبينة . قال فرعون وقومه { هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } ، أي بين للناظرين فيه أنه سحر . / ثم قال : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ } ، أي كذبوا بالآيات أن تكون من عند الله ، وقد تيقنوا في أنفسهم أنها من عند الله ، فعاندوا بعد تبينهم الحق : قاله ابن عباس . وقوله : { ظُلْماً وَعُلُوّاً } أي اعتداءً وتكبراً . والعامل في ظلم وعلو : جحدوا ، وفي الكلام تقديم وتأخير . ثم قال تعالى : { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } ، أي عاقبة تكذيبهم ، كيف أغرقوا أجمعين . هذا كله تحذير لقريش أن تحل بهم ما كان حل بمن كان قبلهم . ثم قال { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً } ، أي علم منطق الطير ، والدواب وغير ذلك . { وَقَالاَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، أي فضلنا بعلم لم يعلمه أحد في زماننا . وروى مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أوحى الله إلى داود صلى الله عليه وسلم أن العبد من عبيدي ليأتيني بالحسنة ، فأحطه في جنتي ، قال داود : وما تلك الحسنة ، قال : يا داود : كربة فرجها عن مؤمن ولو بتمرة . قال داود : حقيق على من عرفك حق معرفتك أن لا ييأس ولا يقنط منك " . ثم قال تعالى : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ } ، أي ورث علمه وملكه . وقال قتادة : ورث منه النبوة والملك . وروي أن داود كان له تسعة عشر ولداً ، فورث سليمان النبوة والملك دونهم . ثم قال تعالى ذكره : { وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ } ، أي فهمنا كلامها ، وسماه منطقاً لما فهمه عنها كما يفهم بنطق الرجل . قال محمد بن كعب : بلغنا أن سليمان كان في عسكره مائة فرسخ : خمس وعشرون منها للإنس ، وخمس وعشرون للجن ، وخمس وعشرون للوحش ، وخمس وعشرون للطير ، وكان له ألف بيت من قوارير على الخشب فيها ثلاث مائة صريحة ، وسبع مائة سرية ، فأمر الريح العاصف فرفعته ، وأمر الرخاء فسيرته ، فأوحى الله عز وجل وهو يسير بين السماء والأرض : أي قد زدت في ملكك ، أنه لا يتكلم أحد من الخلائق بشيء إلا جاءت الريح فأخبرتك . قال وهب بن منبه : أرادت الشياطين كيد سليمان ، وتحاوروا بينهم في ذلك ، ليخلصوا من السحرة ، فأمر الله تعالى الريح ألا يتكلم أحد من الخلائق إلا وضعته في أذن سليمان ، فبذلك سمع كلام النملة . وذكر وهب : أن سليمان مر بجنوده من السماء والأرض ، فرآه رجل من بني إسرائيل ، كان في حرثه يفجر الماء فقال : لقد آتاكم الله آل داود ، فاحتملت الريح قوله فقذفته في أذن سليمان . فقال سليمان للريح : إحبسي فحبست ، ونزل سليمان متقنعاً ببرد له حتى أتى الرجل فقال له : ما قلت ؟ فقال له الرجل : رأيتك في سلطانك الذي آتاك الله ، وما سخر لك فقلت : لقد آتاكم الله آل داود . فقال له سليمان : صدقت ، ولكن جئتك ، خوف الفتنة عليك ، تعلم والذي نفس سليمان بيده لثواب سبحان الله كلمة واحدة عند الله يوم القيامة أفضل من كل شيء أوتيته آل داود في الدنيا . فقال له الرجل : فرجت همي فرج الله عنك همك . فقال له سليمان : وما همي ؟ قال : أن تشكر ما أعطاك الله ، قال : صدقت . وانصرف عنه سليمان إلى مركبه . ثم قال تعالى : { وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ } ، يعني من كل شيء من الخيرات ، يؤتاه الأنبياء والناس ، وهذا على التكثير كما تقول : ما لقيت أحداً إلا كلمته . ثم قال تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ } ، أي إن الذي أوتيناه من الخيرات لهو الفضل على جميع أهل دهرنا الظاهر . ثم قال : { وَحُشِرَ لِسْلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْس وَٱلطَّيْرِ } ، يقال : إن الجن سخرت له ، بأن ملك مضارها ومنافعها ، وسخرت له الطير بأن جعل فيها ما تفهم عنه فكانت تستره من الشمس وغيرها . وقيل : لهذا تفقد الهدهد . ومعنى الآية : وجمع سليمان جنوده في مسير له { فَهُمْ يُوزَعُونَ } . قال قتادة : أي يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا . قال ابن عباس : جعل على كل صنف منهم وزعة يرد أولاها على أخراها ، لئلا يتقدموا في المسير كما يفعل الملوك . وقال ابن زيد : يوزعون : يساقون . وقال الحسن : / يوزعون : يتقدمون . والوازع في اللغة : الكاف : يقال : وزع فلان فلاناً عن الظلم ، أي كفه عنه ، ومنه قيل للذين يدفعون الناس عن القضاة والأمراء : وزعة لأنهم يكفون الناس عنهم ، أي يمنعونهم منهم . ثم قال { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ } ، يعني أتى سليمان وجنوده على واد النمل ، وهو واد كان بالشام نمله على قدر الذباب ، { قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ } أي بيوتكم { لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ } ، أي يكسرنكم . { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، أي يكسرونكم بوطئهم غير عالمين بكم . فتكون الجملة في موضع الحال من سليمان وجنوده ، والعامل في الحال يحطمنكم ، ويجوز أن تكون الجملة حالاً من النملة ، ويكون العامل في الحال : قالت . أي قالت نملة ذلك في حال غفلة الجنود ، كما تقول : قلت خيراً والناس نيام . وقيل : إن قوله : { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، راجع إلى النمل . أي والنمل لا يشعر أن سليمان يفهم مقالتها ، فتكون حالاً من النملة أيضاً والعامل فيه : قالت . كما تقول : شتمتك وأنا غير عالم بك . أي شتمتك في حال جهلي بك . ولما فهم سليمان قول النمل وصارت بمنزلة من يعقل في الفهم عنها ، أخبر عنها كما يخبر عن من يعقل ، فلذلك قال : { قَالَتْ } ، وقال : { ٱدْخُلُواْ } ولذلك أضاف إلى الطير منطقاً في قوله : { عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ } . وروي : أن الله جلّ ذكره : فهم سليمان كلام الإنس باختلاف لغاتها ، وفهمه كلام الطير والبهائم ، وكان إذا أراد أن يسير على الأرض أمر بالكرسي فوضع له فجلس عليه ، ثم أمر بكراسي فوضعت لأصحابه فأجلس عليها من أراد ، فالذين يلونه الإنس ، ثم الجن ، ثم الشياطين ثم يأمر الريح فتحملهم بين السماء والأرض ، وإذا أراد صار على الخيل في الأرض ، فبينما سليمان ذات يوم يسير بين أيدي الناس على الأرض ، ورجلان معه أحدهما ختنه : زوج ابنته ، والآخر عن يساره من أهل مملكته كريم عليه ، ولم يكن أحد يسير بين يديه تواضعاً لله ، إذ مر على واد النمل وهو واد فيه نمل ، فسمع نملة تقول : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ } وكان قد أعطى الله سليمان زيادة في ملكه ألا يذكره أحد إلا حملت الريح ذلك الكلام إليه حتى يسمعه ، فلما فهم سليمان كلام النمل تبسم ووقف فوقف الناس معه ، فقال الرجلان : ما يضحك نبي الله ؟ فأخبرهما بكلام النملة ، فلم يزل واقفاً حتى دخلت النمل مساكنها ثم سار . وروى الأعمش عن نوف أنه قال : كانت نمل سليمان أمثال الذباب ، وكانت هذه النملة مثل الذيب في العظم .