Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 8-11)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ } ، إلى قوله : { فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، معناه : فلما جاء موسى النار نودي أن بورك : أي بأنه بورك ، ويجوز أن يكون ( أن ) في موضع رفع بنودي ولا يقدر جاراً ، ومعنى بورك : قدس أي طهر من في النار ، قاله ابن عباس . وعن ابن عباس أنه قال : كان نور رب العالمين في الشجرة . وقال ابن جبير : ناداه وهو في النور . وقال الحسن : هو النور . وقال قتادة : نور الله بورك . وقيل : من في النار : الملائكة ، الموكلون بها ، ومن حولها الملائكة أيضاً يقولون : سبحان الله رب العالمين . وعن مجاهد معناه : بوركت النار . حكاه عن ابن عباس . قال محمد بن كعب : النار : نور الرحمن ، والنور هو الله سبحان الله رب العالمين . وقال ابن جبير : النار : حجاب من الحجب وهي التي نودي منها وذكر الحجب : فقال : حجاب العزة ، وحجاب الملك ، وحجاب السلطان ، وحجاب النار ، وحجاب النور ، وحجاب الغمام ، وحجاب الماء . قال عبد الرحمن بن الحويرث : مكث موسى عليه السلام ، أربعين ليلة لا يراه أحد ، إلا مات من نور رب العالمين . يعني إذ تجلى إلى الجبل . قال الطبري : إنما قال : بورك من في النار ، ولم يقل : بورك على من في النار ، على لغة الذين يقولون : باركك الله . والعرب تقول : باركك الله ، وبارك عليك ، حكى ذلك الكسائي عن العرب . وقوله : { وَمَنْ حَوْلَهَا } ، يعني من حول النار من الملائكة . قاله الحسن وغيره . وقال محمد بن كعب القرطبي : { وَمَنْ حَوْلَهَا } ، يعني موسى والملائكة . ثم قال تعالى : { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، أي تنزيهاً لله مما يصفه به الظالمون . ثم قال تعالى : { يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } ، أي إنّ الآمر أنا الله ، العزيز في انتقامه ، الحكيم في تدبير أمر خلقه . ثم قال : { وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ } ، أخبر عن العصا ها هنا أنها انقلبت كالجان ، والجان : صغير الحيات ، وأخبر عنها في موضع آخر أنها انقلبت ثعباناً مبيناً ، والثعبان : كبير الحيات . ومعنى ذلك أن عصا موسى انقلبت له على ثلاث حالات ، آيات من الله ، انقلبت حية تسعى وهي الأنثى ، وجان وهو الصغير من الحيات ، وثعبان مبين : وهو الذكر الكبير من الحيات . وقيل : إنها انقلبت ثعبان تهتز كأنها جان ولها عظم الثعبان وخفة الجان واهتزازه ، وهي حية تسعى . والعرب تقول : هذه حية ، وهذا حية . وقيل : إن الله أقلب له العصا في أول مرة جاناً ، وهو الحية الصغيرة لئلا يخاف ويجزع ، فلما أنس بها وأخذها وأرسلها . أرسله إلى فرعون ، فألقاها في الحال الأخرى بين يدي فرعون فصارت ثعباناً مبيناً ، والله أعلم ، وفي لفظ الآية اختصار وحذف ، والتقدير : فألق عصاك ، فألقاها : فصارت حية تهتز ، فلما رآها تهتز كأنها جان أي حية ، والجان جنس من الحيات معروف . وقوله : { وَلَّىٰ مُدْبِراً } ، أي هارباً خوفاً منها ، { وَلَمْ يُعَقِّبْ } ، أي ولم يرجع . يقال : عقب فلان : إذا رجع على عقبيه إلى حيث بدأ . قال قتادة : ولم يعقب : لم يلتفت . قال ابن زيد : لما ألقى موسى صلى الله عليه وسلم العصا صارت حية ، فرعب منها وجزع ، فقال الله تعالى : { إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } ، فلم يركن لذلك فقال الله : { أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ } [ القصص : 31 ] ، قال : فلم يقف أيضاً على شيء من هذا حتى قال الله جل ذكره : { سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا ٱلأُولَىٰ } [ طه : 21 ] ، قال : فالتفت موسى ، فإذا هي عصا كما كانت / فرجع فأخذها ، ثم قوي بعد ذلك عليها حتى صار يرسلها على فرعون ويأخذها . وقوله جل ثناؤه : { لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } ، أي عندي . ثم قال : { إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ } ، أي من ظلم فعمل بغير ما أذن له في العمل به . قال ابن جريج : لا يخاف الأنبياء إلا بذنب يصيبه أحدهم ، فإن أصابه أخافه الله حتى يأخذه منه . وقال الحسن : في الآية إنما أخيف لقتله النفس ، وقال الحسن أيضاً : كانت الأنبياء تذنب ، فتعاقب ثم تذنب والله فتعاقب . وقوله : { إِلاَّ مَن ظَلَمَ } ، استثناء منقطع عند البصريين ، لأن حق الاستثناء أن يكون ما بعده مخالفاً لما قبله في المعنى . وقوله : { إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } ، يدل على أمنهم . وقوله : { إِلاَّ مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، يدل على أمن من ظلم ، ثم فعل ذلك فقد حصل المعنى فيهما واحد ، فوجب أن يكون ليس من الأول و " إلا " بمعنى لكن ، والتقدير ، لكن من ظلم من المرسلين وغيرهم ثم تاب فليس يخاف ومثله من كلام العرب ما اشتكى إلا خيراً ، فالخير لا يشتكى . وقوله : ما اشتكى يدل على أنه قد حل به الخير . وقوله : إلا خيراً قد صار مثل الأول في المعنى ، فوجب أن يكون منقطعاً ، و " إلا " بمعنى لكن خيراً ، وكأنه قال : ما أذكر إلا خيراً . وقال الفراء : الاستثناء من محذوف ، والتقدير عنده : { إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ } ، إنما يخاف غيرهم ، إلا من ظلم ثم تاب فإنه لا يخاف ، وأجاز الفراء أيضاً أن تكون " إلا " بمعنى الواو ، ومثله عنده { لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [ البقرة : 150 ] أي والذين ، وقد رد عليه القولان ، لأن الاستثناء من محذوف لا يجوز ، إذ لا يعلم ما هو ، ولو جاز هذا ، لجاز : إني لأضرب القوم إلا زيداً . على معنى وأضرب غيرهم إلا زيداً . وهذا ضد البيان ، ونقض الكلام ، ولا يجوز كون " إلا " بمعنى الواو . لأنه تقلب المعاني ، فيلزم إذا قلت له : عندي عشرة إلا أربعة أن تكون قد أقررت بأربعة عشر وهذا محال . وقوله : { ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوۤءٍ } ، يريد التوبة . وقرأ : مجاهد { ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً } ، بالفتح على معنى عملاً محسناً . { فَإِنِّي غَفُورٌ } ، أي ساتر لذنوبه . { رَّحِيمٌ } ، به إن عاقبته . وقوله : { وَمَنْ حَوْلَهَا } وقف إن جعلت { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } لم ينادي به موسى ، وإنما هو من قوله : لما خاف . فإن جعلت { وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ } من النداء ، كان الوقف " { رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } { وَأَلْقِ عَصَاكَ } وقف { وَلَمْ يُعَقِّبْ } وقف و { لاَ تَخَفْ } وقف . { ٱلْمُرْسَلُونَ } وقف ، إن جعلت { إِلاَّ مَن ظَلَمَ } منقطعاً ، فإن جعلته مستثنى على معنى : إن المرسلين لا يخافون إلا أن يذنبوا فيخافون العقوبة ، كما قال الحسن وغيره . لم تقف إلا على { سُوۤءٍ } ، والتمام { رَّحِيمٌ } .